الجمعة, نوفمبر 22
Banner

من سيدفع ثمن “عودة سوريا”؟

عبدالله قمح – لبيانون ديبايت

يلتزم “خصوم سوريا” الصمت حيال الحديث حول استجرار الكهرباء و الغاز عن طريقها إلى بيروت، حتى الإحتمالية “المحكي” عنها حول إمكانية استبدال الغاز المصري بآخر سوري من “المخزون الإستراتيجي” للدولة، ومن ثم جرّه إلى لبنان عن طريق الخطوط الشمالية لا يجد من يعلّق عليه، ولو حدث ما يجري الآن قبل أعوام قليلة، لكان الجو مختلفاً تماماً.. في النتيجة، يُقّر هؤلاء ولو أحسنوا عدم التعقيب، بأن سوريا راجعة.

أفضلُ ما يمكن فعله الآن هو المراقبة، لذلك يصمت “الخصوم” عسى التقليل من وطأة ما سيحدث مستقبلاً، وانتهاج آلية تخبئة الكلام وربما الفعل إلى فترة لاحقة وقت تغدو الأمور أكثر نضجاً، وحيث تصبح العودة أمر واقع، لذلك يعتقدون الآن بأهمية التخفيف من وقع تلك العودة ومحاولة تشذيبها قدر الإمكان، بالمعنى السياسي طبعاً، عسى ألا تكون ذات قدرة هائلة إنما موضوعية، وتحت عنوان “المساعدة” حصراً.

هذا يعني أن الدول الراعية لتلك “الشلل” السياسية قد أقرّت، أو أنها في وارد الإقرار، بأن دمشق وحدها تصلح لأداء دور “الشرطي” في لبنان. على مدى 15 عاماً وأكثر من طغيان المنطق الغربي، لم يواجه هذا البلد سوى انقسامات وانقسامات، وأخيراً أزمة اقتصادية – مالية هي الأكبر على صعيد المنطقة، والمفارقة أن “الزمن السوري” الذي اشتهر بالإزدهار السياسي والإقتصادي والعمراني طوال 15 عاماً، قد خلفه في المدة ذاتها تقريباً “زمن غربي” أطاح بكل هذا التقدم!

الولايات المتحدة الأميركية ولو أنها توحي بعدم اقتناعها بعد بعودة سوريا إلى لبنان، وفق إطارٍ يجري ترتيبه لاحقاً، إلاّ أنها تمارس العكس في حساباتها وسياساتها، لذلك قرّرت تدعيم موقفها عبر ضمّ نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط والتواصل مع سوريا إيثان غودريتش، وفدها المقبل إلى بيروت بعد أيام، برئاسة نائبة وزير الخارجية الأميركي فيكتوريا نولاند. صحيح أن نولاند قادمة إلى العاصمة اللبنانية على هامش جولة دولية تشمل روسيا وبريطانيا، لكن الصحيح أيضاً بأن لبنان ليس بالوزن السياسي لروسيا أو بريطانيا ونفوذهما في المنطقة حتى تأتي نولاند كمبعوثة أميركية وتبحث معه شؤون المنطقة! لذا تُصبح الزيارة وفق “الشكل الهندسي” المقبل مفتوحة على عدة احتمالات.

بداية التطورات الأميركية يُمكن ملاحظتها من خلال “تجاهل” الزيارات والعلاقات التي تحصل مثلاً بين الأردن وسوريا. بالنتيجة، عمّان تُعتبر “نطاقاً حيوياً” يتأثر بالنفوذ الأميركي، وما دام الأمر على هذا النحو إذاً ، لا يُمكن استثناء واشنطن من قرار الإنفتاح، أو أقلّها “استثناء الإنفتاح” تجاه دمشق. ويبدو بحسب ما يُنقل عن ضليعين في السياسة، أن واشنطن وبعدما فرغت من المعارك العسكرية في الإقليم وأيقنت بعدم جدوى “العسكرة” في استجرار تأثيرات قوية على صعيد المنطقة، لجأت إلى اعتماد منطق “الإنفتاح المفخّخ” الذي يلي “الحرب الإقتصادية” في محاولة لجني ما لم يقدر على جنيه خلال الحرب، عبر الإقتصاد، لذلك نجد أن سوريا منتبهة إلى أبعد درجة، ودقيقة، تجاه محاولات الإنفتاح التي تحصل.

ولبنان ليس بعيداً عن هذا الجو، في الآخر، رئيس حكومة هذا البلد الذي أعلن رغبته في الإنفتاح على دمشق، يتأثّر بالنمط الغربي إن لم يكن محسوباً عليه، لذلك فقراره مرتبط برزمة مصالح واستشارات لا يمكن إلاّ أخذها في الحسبان.

ونجيب ميقاتي يعلم بدوره أن قدرة انفتاحه على سوريا محدودة، نتيجةً لتاريخ حافل بينه وبين دمشق له صلة بقطاع الإتصالات الذي يعمل به وتجاوزات تتهمه سوريا بارتكابها، إضافة إلى محدودية مردودة لدى الغرب الذي “لن يفتح” لميقاتي على الآخر، لذلك ولّى ميقاتي حالياً “أمر العمليات السوري” لوزير الأشغال علي حمية بناءً على طلبه، أي الوزير الذي تمتلك فيه كل من فرنسا و”حزب الله” نسباً متوازنة، أمّا إقتصادياً، فترك الموضوع بين نائبه سعادة الشامي ذات الميول القومية، ورئيس المجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري، الذي يُقاسم سعادة ذات الميول.

من جهة أخرى، لن تتيح واشنطن، أقلّه لغاية الآن، أن تتمادى الحكومة اللبنانية في موقفها. في النتيجة واشنطن تعمل على “تهذيب” التقدّم اللبناني نحو سوريا، لذلك أعلنت سفيرتها في بيروت دوروثي شيا، بأن واشنطن ستؤمن استثناءات لبيروت من عقوبات “قيصر” في مجال الطاقة (لم يحدث أن توفّرت بعد)، لكن العاصمة الأميركية لن تمضي في منح استثناءات بهامشٍ إقتصادي أو سياسي أكبر، إنمّا ستترك حدوداً واسعة لتحرّكها ضمن “قيصر” ، للحؤول دون تفعيل التواصل بشكل مطلق ومباشر بين البلدين، رغبةً منها في عدم التصاق لبنان بسوريا على النحو الذي كان يحدث سابقاً.

وثمة قضية أخرى بالغة الأهمية لدى دول كثيرة منها فرنسا وألمانيا. الدولتان اللتان تريدان إقتحام المشهد اللبناني من زاوية التنمية الإقتصادية وإعادة الإعمار، شرطهما الأساسي أن يستقرّ هذا البلد سياسياً، وأن ينعم الشارع بالهدوء كي تنعم الحكومة بتطبيق “خطة التعافي”، لذلك ليس هناك أفضل من الشرطي السوري “المجرّب” لأداء هذه الوظيفة!

دمشق في النتيجة ليست ساذجة إلى هذه الدرجة لكي تعطي دون أن تأخذ أو تقدّم خدمات بالمجان. الزمن اليوم اختلف عن السبعينات والثمانينات. في النتيجة هي دولة فائزة و منتصرة في الحرب عليها وهذا ما يعزّز لها دورها وموقعها وبالتالي تجرّوءها على طلب المزيد. صحيح أن الرئيس السوري بشار الأسد، سبق وأعلن أن قواته خرجت من لبنان وبشكل نهائي ولن تعود، لكن ذلك لا يعني أن سوريا كدولة بمفهوم القدرة والنفوذ قد خرجت من لبنان. لغاية الآن تمتلك نفوذاً لا يُستهان به من خلال حلفائها المتكتّلين، وهذا النفوذ عرضة للتطوّر في حال قرّرت أو قرّروا، لذلك لا يُمكن أن تسمح دمشق بعبور الغاز والكهرباء أراضيها باتجاه لبنان دون أن تقبض رسومه، والقبض في هذا المقام يغدو أقرب إلى الثمن السياسي منه إلى النقدي.

Leave A Reply