منذ أحداث الطيونة الخميس الفائت ورئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، منكبٌ على معالجة ذيولها من كافة الجوانب، نظراً لانعكاساتها السلبية على الأوضاع الأمنية، والسياسية، والاقتصادية، والمعيشية في ظل الارتفاع الجنوني والخطير للدولار، وتأثر المواد الغذائية والاستهلاكية بهذا الارتفاع بشكلٍ تعطلت معه الحياة المعيشية والاجتماعية التي اعتادها اللبنانيون.
وعلى الرغم من توقف العمل لعدة أيام بسبب الحداد على أرواح الضحايا، وعطلة نهاية الأسبوع، وعيد المولد النبوي، لا مؤشرات إلى أنّ تداعيات ما جرى في الطيونة في طريقها إلى الحل. فالرئيس ميقاتي، الذي يخشى من التصدع الحكومي يسعى جاهداً لتجاوز معادلة الحكومة مقابل المحقق العدلي، أو الأصح الحكومة مقابل القاضي طارق البيطار. وقد عقد لهذه الغاية سلسلة اجتماعات متواصلة في السراي الحكومي بغية التوصل إلى حلٍ وسط يرضي الجميع.
مصادر مطلعة تشير عبر جريدة “الأنباء” الإلكترونية إلى أنّ ميقاتي لم يوفّق حتى الساعة بإيجاد المخارج المطلوبة. وعلى الرغم من أنّ الحصانات ستعود تلقائياً ابتداءً من بعد غد الثلاثاء مع فتح الدورة العادية لمجلس النواب، والتي تمنع ملاحقة النواب المطلوبين للقضاء، إلّا أنّ مطالبة الثنائي الشيعي بإقالة البيطار تبقى حجر الزاوية لأي حل.
المصادر لفتت إلى خطورة المرحلة وانعكاسها على السلم الأهلي، وبالأخص بعد المحاولات التي تجري على قدم وساق لتحميل طرف سياسي معيّن مسؤولية ما حصل، وما قد يحصل في المستقبل، بغضّ النظر عن التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية مع الموقوفين بتهمة استخدام السلاح، وسقوط قتلى وجرحى.
المصادر نقلت عن ميقاتي سعيه للحفاظ على الانسجام الحكومي، وعدم اللجوء إلى مقاطعة وزراء الثنائي اجتماعات مجلس الوزراء، أو الانسحاب من الحكومة، ما قد يؤدي إلى استقالتها وإدخال البلد مجدداً في الفراغ الحكومي، وانعكاس ذلك على استحقاق الانتخابات النيابية، وانتخابات رئاسة الجمهورية، وانتخابات البلديات والمخاتير، ودخول البلاد في المجهول.
المصادر أشارت إلى أنّ ميقاتي يعمل على خطّين: الحفاظ على استقلالية القضاء، وإنقاذ البلد من أزماته. وهذا يتطلب منه جهوداً مضاعفة بالنظر لخطورة المرحلة.
توازياً، دعا عضو كتلة المستقبل النائب نزيه نجم الجميع إلى التعقل ومراجعة حساباتهم لأخذ العبرة مما جرى، والإقلاع عن التجييش الطائفي والمذهبي، وكأنّ كل فريق فاتح على حسابه، مقترحاً الاستعانة بلجنة تحقيق عربية أو دولية إذا كان هناك تشكيك بالقضاء اللبناني.
وقال في حديثٍ لجريدة “الأنباء” الإلكترونية: “هذا هو المخرج الوحيد للخروج من هذه الدوامة، لأنه في حال أقصي البيطار من مهامه فمن الصعب إيجاد قاضٍ يتولى هذا الملف من بعده”.
وبين مطالبٍ بإقالة البيطار ومتمسكٌ به يبقى للقانون الكلمة الفصل. وفي هذا السياق أوضح رئيس مؤسّسة جوستسيا، المحامي بول مرقص، أنّ السلطة التنفيذية، أي الحكومة، ووزير العدل، ومجلس القضاء الأعلى، لم يعد لديهم أي صلاحية مع المحقق العدلي بما يتعلق بأساس عمله.
مرقص، وفي حديثٍ لجريدة الأنباء الإلكترونية قال: “إذا كان هناك ارتياب في محكمة التمييز المختصة، تنقل الدعوى بموجب قرار يصدر عنها، كما أنّ هناك أصول في طلب رد القاضي، لكن أي تعيين لمحقق عدلي آخر، أو أي تفكير لوضع عراقيل امام هذا المحقق العدلي من قِبل السلطة السياسية هو تدخل سافر بأعمال القضاء، وضرب لمبدأ الفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية. وحتى بحث الموضوع على طاولة مجلس الوزراء، وإدراجه كبندٍ على جدول أعمال المجلس، هو أمر يخالف هذه المبادئ. وحتى مجلس القضاء الأعلى كإدارة قضائية لا ينظر بأساس الملف، ولا يؤثّر على عمل القاضي الذي هو سيّد ملفه”.
وأضاف، “إذا أرادت السلطة السياسية أرادت أن تتحرك هي، يبقى لها مجال وحيد، طبعاً إذا ما تنحى القاضي من تلقاء نفسه، وهذا أمر غير مطروح، وبإمكانها إدراج بند على جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب هذا الأسبوع، أو الأسبوع الثاني مع انطلاقة الدورة العادية الثانية بإحالة ملف جريمة المرفأ متأخرين جداً على التحقيق البرلماني، وتأليف لجنة برلمانية بهذا الخصوص، وهذا يتطلب أكثرية عددية من مجلس النواب. وفي حال وجود اتهام يتطلب (الأمر) ثلثي أعضاء المجلس النيابي، عندها تستطيع السلطة أن تدّعي أنها أصبح لديها اختصاص، وتنعقد لمصلحة المجلس النيابي، فيرد المحقق العدلي بأن سبق أن وضع يده على الملف، فنكون عندها أمام تنازع على الصلاحيات، وهذا أفضل مخرج للسلطة السياسية”، وإن كان لا يحبذه.
الأنباء