كتب ذوالفقار قبيسي-اللواء: الاقتصادي كمال ديب قال للبنانيين: «لا تعبدوا الدولار». ومع ذلك وبغض النظر من بات الرئيس في «البيت الأبيض»، لا مفر من الدولار والحاجة الماسّة إليه في المدى المنظور، سواء للاحتياطيات المصرفية أو للمبادلات التجارية الدولية وحتى لاقتصاديات دول العالم الكبرى والمتوسطة، فكيف بدول الأسواق الناشئة أو الدول الصغرى، ومنها لبنان الذي من ضمن أسباب أزمته المالية والنقدية الشح الذي يعاني منه في الدولار، والذي يصغر حجم اقتصاده وسط عواصف اقتصادية – سياسية ووبائية على ناتج سنوي ينحدر عاما بعد عام من ٥٥ الى ٥٠ الى ٣٥ الى ١٨ مليار دولار أخيرا حسب التقرير الأخير للبنك الدولي.
والآن مع عهد جديد في الولايات المتحدة والانخفاض المرتقب في سعر الدولار استنادا الى ما أعلنه الرئيس العتيد جو بايدن مرارا في حواراته الانتخابية، بأنه سيعتمد سياسة الدولار المنخفض لتحقيق الاقتصاد الأقوى والحماية الاجتماعية الأشمل، وذلك عبر طبع كميات إضافية بحوالي ٧٠٠ مليار دولار في القطاعات الصناعية والتكنولوجية، بما سيؤدي الى انخفاض سعر الدولار في الأسواق العالمية، بشكل تستفيد منه بنوع خاص مختلف الدول الكبرى والصغرى التي في موازينها التجارية استيرادات ضخمة من السلع الأميركية والتي الدولار فيها حر طليق، وذلك عكس حال لبنان الذي أولا: دولاره مكبّل بسلاسل مصرفية حديدية تحدّ من استعماله، وثانيا: اضطرار المستوردين فيه كي يحصلوا على الدولار الى إنفاق كميات ضخمة من الليرات في سوق سوداء. وبالتالي فان انخفاض سعر الدولار المرتقب في عهد الرئيس بايدن سيهم المستوردون الذين لديهم دولارات حرة طليقة من القيود المصرفية المحلية أو ما يسمى حسابات Fresh Dollar يستعملون منها دولارات أقل للاستيراد المباشر بدولار منخفض، و يتضررون من جهة ثانية كلما احتاجوا الى دولارات أكثر لتغطية قيمة استيراداتهم باليورو الذي سيرتفع سعره مقابل انخفاض الدولار. علما ان استيرادات لبنان من السلع الأوروبية (حسب احصاءات الـ٩ أشهر من هذا العام) تبلغ 4,3 مليار دولار تشكّل ٢٨% حجم استيراداته السنوية من السلع الأوروبية، مقابل 1,3 مليار دولار قيمة استيراداته من السلع الأميركية لا تشكّل أكثر من 8,7% من اجمالي استيراداته السنوية.
وحتى بالنسبة للدين العام الأجنبي المستحق بحوالي ٣٥ مليار دولار أصولا وفوائد، لن يستفيد لبنان من سعر الدولار المنخفض لأن استحقاقات الدولار تسدد بكميات مماثلة بالدولار الذي لا يبدو أن لبنان سيحصل على كميات منه لا تكفي حتى حاجاته الاستيرادية بدولار معرّض دائما في المدى المنظور للانخفاض ليس فقط بسبب توقع طباعة المزيد منه في عهد الرئيس الأميركي الجديد وإنما أيضا بسبب مؤشرات «ماكرو – اقتصادية» منها بلوغ الدين العام الأميركي رقما قياسيا 26,5 ترليون دولار وعجز سنوي في الموازنة 3,6 ترليون دولار وفي الميزان التجاري ٦٠٠ مليار دولار الأمر الذي سيؤثر في المدى المتوسط على حجم الاحتياطيات بالدولار لدى المصارف المركزية العالمية البالغة حتى الآن 61,85% من اجمالي حجم الاحتياطات بالعملات الأجنبية (و٨٥% من حجم التداول بالعملات Foreign Exchange Dealings في أسواق الصرف العالمية) مقابل باقي احتياطيات لدى المصارف المركزية العالمية بنسبة 20,4% باليورو و٤% بالجنيه الاسترليني و٣% بالين الياباني والباقي 10,75% بالعملات الصينية والاسترالية والكندية وسواها.
.. ومع ذلك
… فان وضع الدولار في المدى المنظور، لن يتوقف فقط على هذه المعطيات النقدية على أهميتها، وإنما أيضا على مدى قدرة الرئيس الجديد على مواجهة الجناح اليساري في الحزب الديموقراطي الذي يقف فيه على خط الوسط، وعلى كيفية التعاطي مع الجناح اليميني المتطرف في الحزب الجمهوري وباقي الأحزاب والتيارات اليمينية أو اليسارية المتطرفة بما يضمن استعادة وحدة الولايات المتحدة التي شهدت أخيرا أحداثا عنصرية – عرقية وانقسامات اجتماعية، فضلا عن كيفية مجابهة جائحة الكورونا، وتداعيات هبوط أسعار النفط، إضافة الى مواجهة الشقوق أو الفجوات في العلاقات مع الصين وروسيا وأفغانستان والمكسيك، والموقف من التشابك في أوضاع العراق وسوريا ومن الاتفاق النووي مع إيران.. وكلها عوامل وتحديات تترك بصماتها على وضع الدولار وعلى الثقة العالمية بحاضر ومستقبل الاقتصاد في بلد لديه ٨٠٠ قاعدة في العالم وميزانية هجومية ودفاعية أكبر من مجموع ميزانيات الـ٢٠ دولة التي تليها في العتاد العسكري، وآلاف الرؤوس النووية الجاهزة سواء لإشعال الحروب أو إحلال السلام وحل النزاعات أو.. فرض التسويات!