عبدالله قمح – ليبانون ديبايت
عاد “أسلوب اللجان” ليسود من جديد. نحن الآن أمام مشهدٍ مكرّر عن الحكومة السابقة. المفارقة أن ثمة رئيسٌ للحكومة بصلاحيات كاملة، لكنه عاجز عن تفسيرها ضمن مجلس الوزراء ما جعله وحكومته في وضعية تصريف الأعمال.
المشهد مُبكي في السراي. رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي منّى النفس وإلى جانب جماعة توفير “الضمانات الخارجية” في تأليف حكومة “ثابتة و حديثة” بقدرات “صاروخية”، للمساهمة في عملية كبح الإنهيار والشروع بعملية الإصلاح، وجد نفسه جالساً في السراي دون أية وظيفة سوى “التجوال” على الأركان المعنيين على نيّة انتشال حكومته من مأزق لم يكن يحتسبه، وحتى لا يظهر دون “شغلة وعملة” انبرى صوب الدعوة إلى اجتماعات لجان فرعية وأخرى مكلّفة بمناقشة أمور ذات اهتمام.
بالنسبة إلى ميقاتي، مُحالٌ أن يدعو إلى جلسة حكومية، وصاعق اللغم الذي دِاس عليه خلال الجلسة الأخيرة “مُسّلح” و لم يتمّ تفكيكه بعد. محيط رئيس الحكومة لا ينفكّ يتحدث عن “ضمانات” يسعى ميقاتي إلى نيلها كي يعاود نشاطه الحكومي و يدعو إلى جلسة. وتؤكد معلومات “ليبانون ديبايت” في هذا السياق أن رئيس الحكومة بالرغم من جولته المكوكية على الرئيسين ميشال عون و نبيه بري، وتواصله المباشر مع المعاون السياسي للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، الحاج حسين الخليل، لم يتمكّن من تأمينها بعد، وعلى الأرجح أنه لن يقدر، لسبب وجيه، أن الضمانات التي يبحث عنها لن تكون غير مشروطة وعنوانها ليس عند الثنائي أنل-حزب الله.
“الثنائي الشيعي” وبحسب المعلومات المتوفّرة ، لا زال يتموضع في الخانة ذاتها: إدراج مسار تحقيقات المرفأ ومسار القاضي طارق البيطار على جدول أعمال مجلس الوزراء بالإضافة إلى “أحداث الطيونة”، وهو ما يجده ميقاتي “صاعقاً” له القدرة على تفجير الحكومة. ولعلّ خشيته لا تمكّن من طرح موضوع “أحداث الطيونة” على النقاش إنما مصير البيطار، في ظلّ مواقف رئاسة الجمهورية المعترضة على مبدأ الإطاحة به من أصله. ما زاد الطين بلّة “محدودية” وزير العدل هنري خوري، الذي لم يسفر حراكه عن شيء في هذا الصدد.
مع ذلك، فإن “الثنائي الشيعي” أبلغ إلى رئيس الحكومة عدم رغبته في الإنسحاب من مجلس الوزراء أو في تعطيل جلساته، معيداً التجديد له أن لديه الحقّ الكامل في حضور الجلسات من عدمه كما لديه الحقّ في تضمين جدول الأعمال إقتراحات وفق الآلية القانونية المرعية وله كامل الحقّ في الإعتراض والموافقة على البنود، ولذلك كان صريحاً إلى أبعد حدود، حين طالب بإدراج “مسار تحقيقات المرفأ” كبندٍ على جدول الأعمال، ويتفهّم موقف الآخرين من الرفض. والثنائي الشيعي لا بد أن يُعامل بالمثل، ولا يجدر أن يُربط مصير الحكومة بمصير قراره حول هذا الملف أو ذاك، كما أنه ليس من صلاحية الثنائي الشيعي الدعوة إلى جلسات لمجلس الوزراء. بهذا المعنى، كأن “الثنائي” يتوجّه لميقاتي بالقول: إدع إلى جلسة ونحن لنا حقّ المشاركة من عدمها.
المشكلة التي تعتري هذا الجانب، أن ميقاتي لا يريد أن يسجّل على نفسه أنه دعا إلى جلسة ولم يحضرها مكوّن أساسي، رغم أن هذا المكوّن يتفهّم ضرورات ميقاتي ورغبته في الدعوة، لكن موقف “الثنائي الشيعي” في النتيجة ينقلب عليه ويحمّله سبب الإطاحة بالحكومة وإدخالها “عنبر الطيونة” وتطويقها في داخله. ثمة قضيةٌ “ألعن”. ميقاتي بات محاصراً من جراء مفاعيل أي قرار بالإطاحة بالبيطار. عملياً هو لا يجرؤ على ذلك ولو توفّرت لديه النية، ويتجنّب الإقدام على أي إجراء يتصل بالمحقق العدلي، بعدما سمع كيف تقوم السفيرة الأميركية دوروثي شيا، بتهديد المسؤولين في حال “مُسّ البيطار”. لذلك فإن أفضل وضعية يمكن لميقاتي أن يتخذها حالياً هي الإنتظار.
ليس سرّاً أن الرئيس ميقاتي أجرى محاولةً لـ”فكّ الحصار” عن حكومته، تمثّلت بزيارة عين التينة ثم بعبدا. بموازاة ذلك كان النائب السابق وليد جنبلاط، يجول على بركة إنقاذ الحكومة، وهذه مفارقة أن يتحرّك “وليد بك” على خط رأب الصدع ولأجل إنقاذ حكومة كان يقول أن لا شيء له فيها!
عملياً، ما جرى تأمينه حتى الساعة هو كناية عن “تسليفة” تمثّلت بإيعاز “الثنائي الشيعي” ، وتحديداً “حزب الله”، إلى وزرائه بالعودة إلى مزاولة نشاطهم الوزاري كالمعتاد، وكان أول نشاط دشّنه وزير العمل مصطفى بيرم ،أن استقبل أمس في مكتبه بالوزارة وفداً من حركة “حماس” برئاسة ممثل الحركة في لبنان أحمد عبد الهادي. على خطّ الجلسات، ترك “الثنائي” إلى ميقاتي مهمة ابتكار الحلول، ويُحكى في هذا الإطار عن رغبةٍ لدى ميقاتي، في ترك الأمور لكي تهدأ وبعدها تتمّ معاودة تنفيذ جولة إستطلاعية على المراجع المعنية. ويبدو أن ميقاتي يُراهن على “توجّه ما” على شكل مخرج يتولّى تقديمه مجلس القضاء الأعلى في الأيام المقبلة، ويُساهم في “تنفيس” الإحتقان. حتى ذلك الحين، يفضّل ميقاتي “التسلّي” باللجان على التلهّي بكلام الوزير محمد مرتضى الذي يبدو أقرب إلى “مشاغبٍ في الصف” وما أسرع التبرؤ منه!