هيام القصيفي – الاخبار
يشكل حدث استدعاء رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، تحديداً إلى وزارة الدفاع التي غادرها عام 2005 بعد سجنه فيها 11 عاماً، مفترقاً سياسياً، عبّرت عنه القوات والمرجعيات الروحية والسياسية الحليفة، وسط صمت الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل، وتهليل التيار الوطني الحر.
منذ حادثة الطيونة، وارتفاع أسهم القوات في شارعها، وردّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على جعجع، توجّهت الأنظار نحو الخطوة التالية التي ستطال القوات وتبعاتها سياسياً. لكن الحدث القضائي، إلى جانب الارتداد السياسي، يحمل وجهاً أشدّ حساسية بعدما أصبح الجيش طرفاً أساسياً في هذا الملف الشائك.
الانطباع السائد في الجيش أن لا عودة إلى زمن 1994. أي، باختصار، لا يمكن إحداث فتنة بين الجيش والقوات اللبنانية أو بينه وبين غيرها من القوى السياسية، على قاعدة الحسابات التي كانت موجودة في التسعينيات. فالزمن ليس زمن الوجود السوري، وقائد الجيش العماد جوزف عون، الذي يسافر قريباً إلى واشنطن، يحاول منذ توليه القيادة إيجاد توازن مدروس بين القوى السياسية، بما في ذلك القوات التي تحرص على زيارات متكررة إلى اليرزة، وعلى تسمية موفد لها إلى اليرزة، يشكل منذ سنوات صلة اتصال دائم. لكن الأكيد أن تسلسل المفارقات، منذ حادثة المرفأ، ثم حادثة نيترات البقاع ودفع الجيش إلى اتهام القوات بها، ضاعف من مخاوف تكرار أفعال سابقة.
ورغم أن مديرية المخابرات في الجيش هي التي استدعت جعجع، إلا أن الاستدعاء تنفيذ لأمر قضائي، والاستماع إليه في وزارة الدفاع سيكون بناء على ملف «واضح وشفاف» وليس استدعاء تشفٍ، كما هي حال التيار الوطني الحر ، أو استدعاء يصبّ في خانة توريط الجيش في صراع مع القوات. أقله، هذه هي نظرة الجيش إلى القرار الذي يحاول تطويق ارتداداته وسلبياته السياسية. علماً أن قيادة الجيش ومديرية المخابرات كانتا منشغلتين، منذ أصدر القاضي فادي عقيقي قراره بالاستماع إلى جعجع، في درس كل الاحتمالات المطروحة في قضية سياسية – أمنية على هذا المستوى من الخطورة والحساسية. وجرى تقليب كل وجهات النظر والتدابير الواجب اتخاذها في مثل هذه الحالة، بعدما ختم ملف الاستجوابات فقط وليس الملف بكامله لأنه لا يزال مفتوحاً، وحين أحيل إلى عقيقي، بدأ تسرب المعلومات يتوالى. بالنسبة إلى الجيش، كان التكتم يهدف إلى حسن سير التحقيق حيال الموقوفين وأعدادهم والمطلوبين للتحقيق ورواية الأحداث كاملة، وأي دور للجيش في سقوط ضحايا إثر تسرب فيلم فيديو لجندي يطلق النار، وتوضيح قيادة الجيش أنه يخضع للتحقيق.
بدأ يوم أمس باجتماعات متلاحقة لدرس الخيارات المطروحة، وانتهى بتسطير المذكرة وإبلاغها لصقاً على بوابة معراب مع نسختين، واحدة للمختار وثانية للنيابة العامة، بعدما تعذر إبلاغ جعجع أو أحد في منزله. الحادثة بذاتها تعيد إلى القواتيين ذكريات بشعة، عن «مرحلة فبركة الملفات». لكن الجيش يعرف دقة الموضوع وحساسيته. لذا كان البحث في كل ما يحيط بالملف، وسط أسئلة متتالية: ماذا يفعل الجيش بعد قرار عقيقي؟ اتخذ قرار الاستماع إليه في اليرزة، فماذا لو لم يقبل التبليغ؟ لم يقبل جعجع، فما هي الخطوة التالية إذا لم يحضر؟ هل تتوجه قوة عسكرية إلى معراب لاصطحابه؟ وماذا لو قبل الحضور رغم رفضه التبلّغ؟ وكيف سيكون عليه دور الجيش إذا طلب القضاء توقيفه، وهو الملزم بالامتثال للقضاء. فهل يأخذ وقته لدرس القضية التي فيها مهل يجب الالتزام بها، أم تتخذ الأمور منحى آخر مع إحالة عقيقي ملف الموقوفين فقط إلى قاضي التحقيق العسكري بالإنابة القاضي فادي صوان الذي جرت تنحيته عن ملف المرفأ، في حين ستبقى لعقيقي الكلمة الفصل في قضية جعجع الذي استدعاه بصفة شاهد، وكان يمكنه الاستماع إليه.
كل هذه الأسئلة كانت مدار بحث، انطلاقاً من المعلومات التي أفادت بأن القوى السياسية المعنية اطلعت على التحقيقات وفيها كل ما يتعلق بمنحى التظاهرات وإلى أين تفرّعت، وماذا فعل المتظاهرون في الشارع الفرعي وكيف استُدرجوا إليه، ومن أطلق النار أولاً، وعدم وجود قناصين على السطوح، وعدد الذين سقطوا بنيران أطلقت من مسلحين في عين الرمانة، والذين سقطوا برصاص عشوائي أطلق من الطيونة، والذين سقطوا بنار الجيش الذي كان حذر من إطلاق النار على كل مسلح، بعدما طوّق متظاهرون قوة منه. تزامنت معلومات التحقيق مع نصائح أعطيت للقوى السياسية المعنية بضرورة خفض السقوف العالية إلى حين جلاء ظروف كامل المعطيات التي ستخالف الكثير مما قاله سياسيون ومحازبون وإعلاميون. لكن كرة النار كانت بدأت تتدحرج، في اتجاه الجيش، الذي يصرّ على أنه قام، بتكليف قضائي، بتحقيق واضح وجدي، وأنه ملتزم بأوامر القضاء كما فعل حتى الآن، ولا علاقة له بالاستثمار السياسي لأي طرف. وهو الآن يبعد نفسه عن أي شبهة تحاول توريطه في صراعات داخلية.