كتبت عزة الحاج حسن- المدن شارف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على استنفاذ قدرته على الاستمرار في تقديماته الصحية، في ظل تضاؤل الإيرادات وتراكم العجز في تغطية النفقات. ومرد ذلك يعود إلى تخاذل الدولة عن الوفاء بالتزاماتها للصندوق منذ سنوات. فصندوق الضمان لطالما استدان من صندوق نهاية الخدمة، على أمل التزام الدولة بسداد ما يتوجّب عليها سنوياً. ومع تخلّف الدولة عن الدفع على مدى سنوات، تراكمت ديون الضمان في ذمة الدولة، لتبلغ حالياً آلاف المليارات من الليرات.
عندما دق الضمان ناقوس الخطر، وبعد سلسلة مناشدات أقرت الحكومة في الموازنة العامة الأخيرة، بتقسيط ديون الضمان المتراكمة، مع الالتزام بسداد الدفعات المتوجبة عليها سنوياً. بمعنى أنه يتوجّب على الدولة حالياً سداد قرابة 361 مليار ليرة مقرّة في الموازنة، و400 مليار ليرة، قسطاً عن المستحقات السابقة. أي ما مجموعه نحو 761 مليار ليرة. فكم سدّدت الدولة من تلك المستحقات؟ وماذا عن استمرارية الضمان في حال لم تسدّد الدولة الأموال اللازمة قبل نهاية العام 2020؟
قرارات “العمل”
في 24 أيلول 2020 أصدرت وزيرة العمل قرارين يتعلّقان بإعطاء مساهمة مالية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بناء على مرسوم حكومي بتاريخ 21 كانون الثاني 2020. القرار الأول، رقم 1/105، يعطى بموجبه الضمان الاجتماعي مساهمة مالية عن العام 2020 قدرها 61 ملياراً و208 مليون و774 ألف ليرة، مفصّلة على الشكل التالي: إشتراكات الدولة عن أجرائها 50 ملياراً و208 مليون و774 ألف ليرة (موزعة على صناديق المرض والأمومة والتعويضات العائلية وتعويضات نهاية الخدمة) وتسويات نهاية الخدمة 11 مليار ليرة، على أن تصرف قيمة النفقة المذكورة من موازنة وزارة العمل للعام 2020.
والقرار الثاني، رقم 1/106، يعطى بموجبه الضمان الاجتماعي مساهمة مالية عن العام 2020، قدرها 300 مليار و570 مليون و153 ألف ليرة، مفصلة على الشكل التالي: مساهمة سنوية بقيمة 288 ملياراً و570 مليون و153 ألف ليرة (موزعة بين صندوق المرض والأمومة والسائقين العمومية والمخاتير) و12 مليار ليرة تغطية عجز الضمان الإختياري. على أن تُصرف قيمة النفقة المذكورة من موازنة وزارة العمل للعام 2020.
ومجموع تلك المساهمات، التي من المفترض أن تلتزم الحكومة بدفعها عاجلاً لصندوق الضمان، يبلغ أكثر من 361 مليار ليرة تُضاف إليها 400 مليار كجزء من المستحقات السابقة في ذمة الدولة لصالح الضمان الاجتماعي، والبالغ مجموعها أكثر من 4500 مليار ليرة. لكن الدولة لم تسدّد من تلك المستحقات هذا العام سوى 50 مليار ليرة، وبقيت القرارات والتعهدات حبراً على ورق.
هل يتوقف الضمان؟
ونظراً لعجز الضمان الاجتماعي عن الاستمرار بهذا الشكل، وعدم قدرته على الاستدانة مجدّداً من صندوق نهاية الخدمة، أكد مدير عام الصندوق، الدكتور محمد كركي، في حديث إلى “المدن”، أن من المحتمل أن يعمد صندوق الضمان إلى خفض أو وقف التقديمات الصحية لكافة المستفدين منه، إن أطباء أو مستشفيات أو مرضى، في نهاية العام 2020، ما لم يتم سداد جزء من المستحقات المالية. لافتاً إلى أن الضمان في طور إرسال كتب رسمية لوزارتي العمل والمال، لطلب الالتزام والتحذير من تداعيات التخلف عن الدفع.
من جهته، جزم رئيس مجلس الإدارة بالإنابة غازي يحيى، في حديث إلى “المدن”، أن مجلس الإدارة سيُعيد النظر في تقديمات الضمان الاجتماعي نهاية العام الحالي، ما لم تسدد الدولة نحو 400 مليار بالحد الأدنى للضمان.. وإلا فسيتوقف الأخير عن التقديمات في فرع ضمان المرض والأمومة نهاية العام 2020، ما يضع أكثر من مليون و600 ألف مستفيد من دون تغطية طبية وصحية، وينذر بكارثة اجتماعية كبرى لم تشهدها البلاد من قبل: “أما قرار الحدّ من التقديمات أو التوقف عنها، فسيتم دراسته لاحقاً في مجلس إدارة الضمان”.
أقل من شهرين تفصلنا عن نهاية العام، ووزارتي العمل والمال لم تحركا ساكناً حتى اللحظة، إزاء المخاطر المحدقة بالتقديمات الاجتماعية والصحية للمواطنين. علماً أن وقف التقديمات أو حتى خفضها قد يوقع كارثة اجتماعية خطرة.
مناشدة
وكان كركي أعاد تذكير الدولة اللبنانية، في بيان أصدره اليوم الاثنين، بضرورة سداد الديون المتراكمة عليها، والتي تجاوزت 4500 مليار ليرة مع نهاية العام 2020. مناشداً وزير المالية الإفراج الفوري عن الديون المتوجبة فقط عن العام 2020، والتي تقدر بحوالى 760 مليار ليرة قبل نهاية هذا العام: “وإلّا فإن فرع الضمان الصحي سوف يكون مضطراً لإيقاف خدماته وتقديماته. الأمر الذي قد يتسبّب بكارثة اجتماعية وصحية كبرى في البلاد. إذ أنّ ثلث الشعب اللبناني تقريباً سيصبح من دون تغطية صحية اعتباراً من مطلع العام 2021”.