ذوالفقار قبيسي – اللواء
خطة جمعية المصارف للتعافي الاقتصادي في وادٍ، والواقع المالي والنقدي والسياسي في وادٍ آخر. وانعدام الواقعية يبدأ في المهلة القصيرة جدا التي تتوقع الجمعية أن ينفذ خلالها «ركام» هائل من الإصلاحات، من الآن حتى الانتخابات النيابية. أي خلال ثلاثة أشهر في نحو ١٠٠ يوم فقط !! وبدون اعتبار مثلا الأيام التي لا تجتمع فيها الحكومة أو مجلس النواب، والأيام الحافلة بالأعياد والعطل في رأس السنة وما بعدها، والبطء التاريخي «العريق» للبيروقراطية اللبنانية، وقبل أي شيء وهو الأهم، الاختلافات في المواقف الوزارية والنيابية التي لم تستطع الوصول إلى حل حتى في موضوع تصريح وزير بين مساند ومعارض!! فكيف تجتمع هذه المواقف وخلال ١٠٠ يوم فقط على «الإصلاحات الكبرى» وأكثرها من نوع «الماكرو الاقتصادي الكلي» الذي يحتاج كل بند فيه الى مناقشات طويلة بدءا من لجان تمهيدية ونيابية وصفها ونستون تشرشل حتى في ظروف البلاد المنتظمة والمتقدمة، فكيف في بلد الطوائف والمذاهب والعجائب مثل لبنان، في مقولته الشهيرة: إذا أردت أن تقتل مشروعا حوّله إلى لجنة، وأفضل اللجان «الثلاثية» وأفضل «الثلاثية» حصرا التي يغيب عنها ثلاثة أعضاء بصورة دائمة!
وأما الإحصاءات التي استندت إليها الجمعية، فتنقضها الوقائع الحالية والتطورات المفاجئة السياسية المحلية والدولية والنقدية واليومية، وبما ينطبق أيضا على مقولة أخرى لونستون تشرشل عن «الكذبة الاحصائية» بأنها الأشدّ خطرا وتدميرا بعد الكذبة السوداء والبيضاء.
فماذا في خطة الجمعية من الإصلاحات التي يمكن البطء بتنفيذها خلال ١٠٠ يوم فقط تسبق موعد الانتخابات النيابية وبتوقعات كلها إيجابيات على مدى السنوات الأربع المقبلة؟
تبدأ مسيرة التوقعات أولا بمباشرة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي تعثرت قبل أن تبدا بسبب التطورات الأخيرة على الجبهة الداخلية وعلى جبهة الخليج وبسبب الإختلافات في تقديرات الخسائر وعدم مباشرة أي إصلاحات سوى الأشدّ قساوة منها من رفع الدعم وتحرير سعر الصرف على قاعدة الأمر الواقع، إضافة إلى توقعات بإصلاحات فورية من عادة بناء مرفأ بيروت وتعديل النظام الجمركي إلى إصلاح قطاع الكهرباء التي تدور وتدور في منذ أكثر من ربع قرن في دوامة السياسة حتى في أيام «العز» النقدي فكيف الآن وقد جفت النقود؟! الى تحسين مستوى البنية التحتية التي ما زالت الخلافات حولها بشأن السدود، إلى تخفيف عجز الموازنة المرتفع يوم تدفق الواردات فكيف الآن والواردات تتراجع والأعباء تتزايد، لتنتهي الخطة إلى مطلبين: معاملات وشروط ممارسة الأعمال في نظام تقوم معاملاته على المحسوبيات والرشوات، ودعم شبكة الأمان الإجتماعي في وقت لم يتم خلاله الإتفاق طوال أكثر من عامين على بطاقة تموينية أو تمويلية وبالدولار أم بالليرة اللبنانية؟!
وأما عن توقعات الخطة، فقد رسمت له وتوقعته كل ركام الخطط المتعثرة في لبنان على مرِّ الزمان من «فان زيلاند» و«لوبريه» و»لازار فرنسا» إلى ماكنزي الانغلوسكون.. وصولا الى خطة المصارف الآن في أصعب ظروفها وفي أقسى محن ومصائب لبنان، ومع ذلك تتوقع الخطة تحقيق الأهداف الكبرى التالية بدءا من الآن وخلال ٤ سنوات فقط!
١- خفض نسبة التضخم من ١٠٠ الى ٥٠ الى ٢٥ الى ٨ الى ٥%.
٢- رفع معدل النمو الاقتصادي خلال المدة نفسها من سلبي الى ٩ و٥ و٧ و٦%.
٣- خفض سعر الدولار من ٢١٠٠٠ ليرة الآن الى ١١٠٠٠ و٩٠٠٠ و٨٠٠٠ و٧٠٠٠ ليرة على التوالي.
توقعات لا يملك المواطن الجريح بحراب التضخم والغلاء والبلاء أمام خطة حافلة بالامنيات والآمال، سوى القول: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!