كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: تكوّنَ انطباع في ختام يوم امس الذي تلاحقت فيه التطورات حول الازمة الناشئة بين لبنان والمملكة العربية السعودية مَفاده انّ لبنان مدعوم دوليا ومأزوم داخلياً، فدولياً هناك تمسك بدعم الحكومة واستمرارها لتنفيذ برنامجها “الانقاذي” تقابله دعوات الى المسؤولين اللبنانيين لإيجاد مخرج لتلك الازمة حتى ولو كان استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي الذي تسببت مواقفه من حرب اليمن قبل توزيره بها، اما داخلياً فهناك انقسام في الرأي بين من يؤيد هذه الاستقالة بقوة وبين من يرفضها بقوة تواكبه تلميحات من هنا وهناك حول إمكان استقالة الحكومة برمتها.
راوحت الازمة الناشئة بين لبنان والمملكة العربية السعودية مكانها على رغم كثافة الاتصالات والوساطات الجارية على مختلف المستويات والاتجاهات داخلياً واقليمياً ودولياً، وعكست في بعض جوانبها محاولات لإيجاد مخرج يرضي الجميع ويتيح للحكومة ان تُفعّل نشاطها وتعاود جلساتها، والسير في تنفيذ خطة التعافي الاقتصادي عبر التفاوض مع صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات الدولية خصوصاً أن هذه الخطة تحظى كما هو معلن بدعم اميركي فرنسي عكسته المواقف التي عبّر عنها وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن في لقائه مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على هامش قمة المناخ في غلاسكو. كذلك عكسه اللقاءان اللذان عقدهما ميقاتي مع رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس ورئيسة البنك الاوروبي للاستثمار واعادة الاعمار اوديل رينو باسو.
ولوحظ أن بعض الوساطات والمواقف الداخلية والخارجية تقاطعت على ان تكون استقالة قرداحي مخرجاً لمعالجة الازمة، او على الاقل لعودة الوضع الى ما كان عليه قبل التصعيد السعودي، حيث كانت هناك محاولات لترطيب الاجواء بين لبنان والمملكة وتسهيل مهمة الحكومة على قاعدة انتظار الجميع ان تبدأ بتنفيذ الاصلاحات المطلوبة واجراء الانتخابات على ان يُبنى بعد ذلك على الشيء مقتضاه محلياً واقليمياً ودولياً.
وعلمت “الجمهورية” ان الجانب الاميركي الذي يتوسط لإنهاء الازمة بين بيروت والرياض “يقف عند خاطر” الجانب السعودي، ويؤكد فكرة استقالة قرداحي، وهو ما فهمه ميقاتي من بلينكن خلال لقائهما أمس.
وقد اكد بلينكن لميقاتي “دعم استمرار جهود الحكومة في اعادة الاستقرار وتحقيق التعافي الاقتصادي والمفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي وصولاً الى تنظيم الانتخابات النيابية”، كذلك اكد “مواصلة دعم الجيش والقطاعات التربوية والصحية والبيئية”، ونقلَ “الاهمية والعاطفة الخاصة التي يكنّها الرئيس بايدن للبنان ولاستقراره وتعافيه، تمهيداً لنهوضه من جديد”.
ولاحقاً، وصف بلينكن اجتماعه بميقاتي بالـ”مثمر”. وكتب في تغريدة: “ناقشنا الحاجة إلى تنفيذ إصلاحات عاجلة لمعالجة الأزمة الاقتصادية في لبنان وإجراء انتخابات حرة ونزيهة العام المقبل”.
وينتظر ان يعود ميقاتي الى بيروت في الساعات المقبلة من لندن التي عاد اليها مساء امس من غلاسكو. وقال مصدر في الوفد المرافق لـ”الجمهورية” ان رئيس الحكومة عكفَ لدى وصوله الى العاصمة البريطانية على إجراء إتصالات مكثفة لترجمة مجموعة التفاهمات التي انتهت إليها اللقاءات التي أجراها على هامش قمة المناخ مع المسؤولين الدوليين والعرب والخليجيين تحديداً، في محاولة لتثمير الايجابي منها سعياً الى مخرج للازمة القائمة من اي منفذ يمكن ان يؤدي الى حلحلة ما في الموقف السعودي.
وقال المصدر عينه ان اجواء الاتصالات في غلاسكو كانت ايجابية وجدية وان اللقاءات التي جمعت رئيس الحكومة بوزير الخارجية الاميركية والمسؤولين الاوروبيين تركت انطباعات ايجابية. واضاف “اننا نحتاج الى من يترجمها في وقت ليس في إمكان اي كان تقديره. واذا كنا نرغب بصدق ترجمتها وتثميرها بسرعة، علينا في المقابل ان ندرك ان البحث عن المخارج للأزمة القائمة صعب وشاق بالنظر الى حدة الغضب السعودي والتضامن الخليجي مع الرياض ولو بنحو متفاوت بين دولة واخرى.
اصرار على الاستقالة
وبعد عودة ميقاتي اليوم ينتظر ان تنشط الاتصالات والمشاورات داخليا ومع بعض العواصم العربية والدولية لبلورة مخرج للازمة، وفي هذا الحل لن ينعقد مجلس الوزراء قبل توافر هذا المخرج حيث يصرّ رئيس الحكومة وبعض المعنيين على استقالة قرداحي لتجنّب تفاقم الازمة مع السعودية خصوصا ومع معظم دول الخليج عموما، فيما يصر أفرقاء آخرون على عدم استقالة الرجل لاقتناعهم أنه لم يخطىء كوزير وانه اتخذ الموقف من حرب اليمن قبل توزيره وان الموقف السعودي منه ليس في محله.
وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ”الجمهورية” ان استقالة قرداحي من عدمها متروكة على همته اولاً ثم على همّة الفريق الذي ينتمي اليه او يدعمه ثانيا، ولكن حتى الآن لم يبدِ الرجل اي استعداد للاستقالة. لكن تيار “المردة” الذي وزّره في الحكومة، بحسب قول النائب طوني فرنجية، “يضع المصلحة الوطنية قبل كل شيء ولذلك لو رأى ان استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي توقف الازمة ولو أنه لم يخطئ كان سيتشاور معه، علماً أن قرداحي غير ملتزم بالتيار ويتمتع بالاستقلالية في الاداء والرأي”.
وقال: “نحن إلى جانب قرداحي في كلّ ما يفعله”، لافتا إلى أنّ “الاستقالة هي أهون الشرور، وبإمكاننا الانسحاب والتفرّج، إلّا أنّ المصلحة الوطنيّة تقود موقفنا الذي لا يفترض أن يكون ضعيفًا وجبانًا حتّى يخدم لبنان. فمن يخضع مرّة يخضع مئة مرّة، ونحن أصبحنا عرضة للابتزاز لأنّنا لا نتصرّف كدولة واحدة بتعاضد”.
جونسون وغوتيريس
وكان ميقاتي قد بحث مع رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون في تعزيز العلاقات الثنائية بين لبنان والمملكة المتحدة والدور البريطاني في دعم لبنان، لا سيما في عملية النهوض الاقتصادي. كذلك اجتمع مع الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس ودعاه لزيارة لبنان، فوعد بتلبيتها قبل نهاية السنة الجارية. وجال ميقاتي في الاجنحة التي اقامتها دول عدة ضمن المؤتمر، لعرض انجازاتها في مجال الطاقة المتجددة. وخصّ الجناحين السعودي والاماراتي بلفتة خاصة، واستقبله في الجناح السعودي سفير السعودية في بريطانيا الامير خالد بن بندر الذي شرح له الرؤية السعودية في مجال البيئة والاقتصاد الاخضر ومكافحة التغير المناخي. وقد اثنى ميقاتي على خطة “السعودية الخضراء” و”مبادرة الشرق الاوسط الاخضر” التي اعلنها ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان.
الوساطة القطرية
داخلياً، اكد رئيس الجمهورية ميشال عون ان “معالجة الخلاف الذي نشأ مع المملكة العربية السعودية وعدد من دول الخليج مستمرة على مختلف المستويات على أمل الوصول الى الحلول المناسبة”.
وفي غضون ذلك نقلت قناة “رويترز” عن وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب قوله ان “إمكانية الوساطة القطرية لحل المشكلة مع السعودية هي الأمر الوحيد المطروح حاليا”. وأكّد أن “الحكومة غير قادرة على تحجيم دور حزب الله”، وهذه مسألة إقليمية”. وأضاف: “لم يحدث أي تواصل بين المملكة وحكومة ميقاتي منذ تشكيلها”.
لبنان الاخضر
وفي كلمة لبنان امام قمة المناخ اشار ميقاتي الى أنّ “لبنان يواجه تحديات جمّة إلى جانب ما نتج عن أزمة كورونا وانفجار المرفأ كما تداعيات أزمة النزوح السوري”، معتبرًا أنّ “العواقب المناخية السلبية ستزيد من حدة هذه التحديات على لبنان وتضاعفها وستعيق أي تحسن في وضعه الاجتماعي والاقتصادي”.
وأكد ميقاتي أمام قادة العالم خلال مؤتمر المناخ في غلاسكو “اننا نعمل على رفع الجهوزيّة لجهة الإسراع لترجمة الاسهامات المحدّدة وطنياً على أرض الواقع وندعو الشركاء الدوليين للعمل بإيجابية معنا وتسهيل الانتقال إلى لبنان الأخضر”. واضاف: “لبنان في طليعة الدول التي تسعى لتحقيق الاستدامة البشرية والبيئية ورؤيتنا الوطنية تؤمن ان مستقبل الانسانية يكمن في الادارة الحكيمة للثروة البيئية وطبيعة لبنان الجميلة هي ما نثمّنه عالياً، وسنعمل للحفاظ على لبناننا الأخضر”.
مواقف
وفي المواقف الداخلية أسف تكتل “لبنان القوي”، في بيان، بعد اجتماعه الدوري الذي عقده إلكترونيا برئاسة النائب جبران باسيل، لـ”التطور السلبي في العلاقات اللبنانية – الخليجية”، داعيا إلى “حوار صريح بين لبنان والمملكة العربية السعودية للبحث في الأسباب العميقة للأزمة وحلها على قاعدة الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وبناء علاقات مؤسساتية متينة لا يعود لسلوك أي فريق أو أي موقف فردي تأثير فيها، خصوصا أن اللبنانيين يعتبرون السعودية ودول الخليج العربي بلدانا شقيقة ولا يرغبون في تعكير العلاقة معها بسبب أهواء أو سياسات خاصة غير مستقرة من أي جهة أتت”.
وطالب التكتل بـ”فك الارتباط بين المسار الحكومي والمسار القضائي”، داعيا “مجلس الوزراء إلى تحمل مسؤولياته والانعقاد لمعالجة المسائل التي تحتاج إلى قرارات وحلول، وفي مقدمها إقرار خطة التعافي المالي وبدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي”.
وأكد “ضرورة استكمال التحقيق العدلي في جريمة المرفأ، وصولاً إلى إصدار القرار الظني بأسرع وقت، وكذلك وجوب إنهاء المحقق العسكري تحقيقه في مجزرة الطيونة وإصدار القرار الظني بشأنها من دون أي ارتباط بين القضيتين”.
وإذ أبدى إصراره على أن “تجري الانتخابات النيابية في المواعيد الدستورية المخصصة لها”، رأى أن “من لا يريد الانتخابات هو الذي قرر فجأة التلاعب بقانونها لجهة تقصير المهل والبطاقة الممغنطة كإصلاح أساسي ومنع إنشاء الميغاسنتر كإجراء تعويضي عنها”، مشددا على أنّ “المخالفة الدستورية الفاضحة هي الإطاحة بالمادة 57 من الدستور وهي ذات بعد ميثاقي، إضافة إلى مخالفات أخرى، يفرض إجراء مراجعة طعن لدى المجلس الدستوري من أجل تصحيح الاعوجاجات التي أحدثتها الأكثرية النيابية في قانون الانتخابات”.
عون في واشنطن
من جهة ثانية تابع قائد الجيش العماد جوزف عون أمس لقاءاته في وزارة الخارجية الأميركية، في حضور السفيرة الأميركية دوروثي شيا والقائم بأعمال السفارة اللبنانية في واشنطن وائل هاشم، واجتمع بكل من مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى يائيل لامبيرت ومساعدة وزير الخارجية لشؤون التسليح والأمن الدولي السفير بوني دونيز جينكينز.
وأكدت لامبيرت وجينكينز “أهمية دور الجيش في استقرار لبنان”، وشددتا على “ضرورة دعمه لأن وحدة لبنان واستقراره لا تزال تشكل اهتماما دوليا”.
وكان عون قد التقى أيضا في السفارة اللبنانية بواشنطن عددا من أعضاء الكونغرس وأعضاء مجلس الأمن القومي ومجموعة من المسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع، ونوابا أميركيين من أصل لبناني، بحضور شيا. واستمع المشاركون من عون إلى “عرض عن واقع الجيش والتحديات التي يواجهها”، مشددين على “ضرورة زيادة حجم المساعدات، كي يبقى الجيش قادرا على حماية استقرار لبنان”.
البيطار: لن اتراجع
وعلى صعيد التحقيقات في قضية انفجار مرفأ بيروت، قال المحقق العدلي القاضي طارق البيطار خلال لقائه أهالي ضحايا المرفأ أمس: “لن أتراجع عن ملف مرفأ بيروت إلا إذا تم إستبعادي بالسبل القانونية المتاحة”. واضاف “إنه يتابع التحقيق بكل جوانبه بالتوازي، وإن مسألة الإستنسابية غير صحيحة فالتحقيق يستدعي كل من وصلت إليه مراسلة حول ملف المرفأ واطلع عليها”.
واشار الى أنّ “بعض المدعى عليهم قرروا إتهامه بمعالجة جانب واحد من الملف”، مؤكدًا أن “هذا الأمر غير صحيح ولا يمكن الكشف عن التحقيق لأنه سري”. وشدد البيطار على أنّ “الضغوط أو التهديدات لن تدفعه للعودة إلى الوراء”.