عبدالله قمح – ليبانون ديبايت
لا تطور إيجابي سُجّل على صعيد الأزمة التي افتعلتها السعودية، سوى دخول فرنسي مستجدّ وتحت شعار الطارئ على الأزمة. باريس التي فضّلت، تجهل ما نتج وانسحب عن النزاع القضائي على مستوى الحكومة وما بلغته من عطب، تعود لتدخل “شباك الازمة” “مرغمة” من زاوية فضّ النزاع مع السعودية.
إلى حينه جُمّدت الإتصالات عند نتيجةٍ واحدة: رفض وزير الإعلام جورج قرداحي “وهب” استقالة مجانية إلى خصومه في الخليج. يقابله رفضٍ مماثل من جانب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ، للدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء ليس على جدول أعمالها “مصير القرداحي”، استقالة أو إقالة، مقابل رفضٍ موازٍ من “حزب الله” لأصل ضمّ القضية إلى جدول الأعمال، وتعنّت ترفعه بنشعي وصل حد الإستعصاء ورفض مجرد قبول فكرة طرح الموضوع في جلسة حكومية رسمية، تحت طائلة مغادرة الجلسة فوراً ومقاطعة الجلسات اللاحقة والاعتكاف وصولاً إلى الاستقالة في حال قضى الظرف ذلك! عند هذه اللاءات وصلت الأمور إلى حائطٍ مسدود جعل من إمكانية انعقاد مجلس الوزراء في المدى المنظور مستحيلةً، وأحال رئيس الحكومة ليس إلى تقاعد مبكر بل إلى التفكير في إمكانية الإعتكاف وما يختزنه من الشروع في فكرة درس فوائد الإستقالة من عدمها، ولو أن الفرنسيين ما ناقشوا ذلك مع ميقاتي وما قبلوا سماعه كطرح قابل للنقاش حتى!
وفي معلومات “ليبانون ديبايت”، أن ميقاتي يراهن على الحراك الفرنسي الذي سيباشر العمل به بدءًا من الأسبوع الطالع، وهو يأتي كمحاولة “إسعاف فرنسية” عبر اعتماد “طريق الديبلوماسية” وسط قرارٍ من “الباب العالي” في الإليزيه بضرورة استنفار الديبلوماسية الفرنسية في المنطقة، للحؤول دون تردّي العلاقة أكثر، في ضوء الإشارات المتصاعدة من السعودية والتي تعمل على إنجاز قرار قطعٍ كاملٍ للعلاقات مع لبنان ، على شكل تفريغ السفارة السعودية في بيروت من طاقمها. وعلى ما بدت عليه الأمور، تعيد باريس تنشيط ذات الأسلوب الديبلوماسي تقريباً والذي استُخدم حين تم اعتقال رئيس حكومة لبنان الأسبق سعد الحريري من مطار الرياض عام 2017. ويفترض أن تتضح الصورة شكلياً في غضون أسبوع يلي “أسبوع المساعي”. بالتوازي مع ذلك، ينشط حراك إقليمي تقوده الجامعة العربية التي يحضر وف رفيع منها بيروت غداً، لا يتوخى منه سوى إيجاد مخرج مقبول من الرياض، وبالتالي فإن الحضور العربي أقرب إلى تقدم وجهة نظر السعودية.
في هذا الوقت، فضّل وزير الإعلام جورج قرداحي الإبتعاد عن الإعلام والصخب السياسي بعدما أعلن شروطه لحل الأزمة بصفته عنصراً فيها. يأتي ذلك عقب نصيحة أُسديت إليه بالإبتعاد عن “المشهد الإعلامي”، سيّما مع تنامي مشاعر لدى جهات محددة، في محاولة استدراجه وتوريطه لاستجرار المزيد من الغضب السعودي، سيّما وأن المملكة باتت تتدرّج في مجال تعزيز “عقوباتها” بحق لبنان، بتصاريح تصدر عن مسؤولين لبنانيين.
في هذا الوقت شدّت بنشعي إزرها مع الضاحية الجنوبية، وبدا في المشهد أنهما يتموضعان في نفس الخانة تماماً. ومنذ بدء الأزمة لم ينقطع التنسيق المباشر وغير المباشر بين الجانبين، وسط معلومات أشارت لـ”ليبانون ديبايت” عن تردّد النائب طوني فرنجية، أكثر من مرة إلى الضاحية الجنوبية لتناول هذا الملف تحديداً مع الحزب إلى جانب ملفات أخرى ذات إهتمام مشترك، وزيادة التنسيق بين الجانبين على بركة الوقوف عند رأي واحد من الأزمة الراهنة. وكحال “حزب الله” الرافض لاستقالة قرداحي مطلقاً، والذي وضع تصوراً للأزمة يقود إلى رغبةً سعودية بافتعال ازمة مماثلة منذ زمن، وما حصل لم يكن إلا إستغلالاً لتصريح صدر عن إعلامي لم يكن قد تولّى بعد سدّة المسؤولية. كذلك تقرأ بنشعي وإنما تزيد من قراءتها حين تبلغ مستوى الظن بتوافر نيّة للتآمر على لبنان لتطيير استحقاقات دستورية أو التأثير فيها.
ولا يبدو رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، بعيداً عن هذا الجو. فصحيح أنه شدّ حول قرداحي ورفعه إلى حدود منحه التغطية الكاملة غير المشروطة، لكنه في المقابل يتوجّس من الأسلوب السعودي المُستخدم، ويرى فيه محاولةً لتصريف فائض قوة لتمرير أهداف سياسية مبطنة في الداخل اللبناني، تطال ليس الإستحقاق النيابي المقبل وإنما الرئاسي أيضاً، وفرض ثلث معطل سياسي من خارج الآليات الدستورية المعمول بها، وممارسة نوع من الاعتداء على السيادة الوطنية بشكل فاقع، وفرض تابعية سياسية بالاكراه. وعلى ما يبدو، ثمة محاولة لفرض إملاء منذ الآن على الواقع السياسي اللبناني المقبل، وربما يأتي ذلك كمقدمة للإنقلاب على نتائج الإنتخابات في حال لم تكن على شهية الطامحين لتكريس تغييرٍ مبني على مفاهيم تقوم على فكرة الإنتقام من المقاومة والبيئات المتحالفة معها.
وكما حال نجله طوني كذلك الوالد الذي لم ينقطع عن التواصل مع الضاحية الجنوبية. وفي آخر اتصال سُجّل بين الجانبين، كان هناك نقاش علمي واضح حول الأهداف المتوخّاة مما يجري وطبيعة الإستهداف المفترض أنه يطال بنشعي. وبطبيعة الحال، ما يجري الآن من إبتزاز، وفيما لو رضح لبنان له، سيصبح من المحال على مسؤول لبناني أن يتوجه في المستقبل بأي انتقاد سواء للخليج أو غيره فيما لو نجح هؤلاء في تحقيق ضغوطاتهم واملاءاتهم وتمكنوا من الإطاحة بوزير الاعلام. وهذا ينطبق على فرنجية المرشح لبلوغ كرسي بعبدا في الدورة الرئاسية المقبلة. فمن الذي يمنع السعودية أو الخليج (أو غيرهما) من إسقاط نفس آلية التعامل مع فرنجية في حال مرّرَ موقفاً لم يكن على سجيّة المملكة، هل ستطالب باستقالته؟ وهل ستخرج حملات للمطالبة باستقالته واخرى لابتزازه لفرض مواقف لا تتجانس مع ثوابته؟ وهل سيتمّ تعطيل عهده (أو عهد كائناً من كان) طيلة 6 سنوات بسبب تصريح؟
لذلك، يبدو موقف كلّ من “حزب الله” وتيار “المردة” وحلفائهما حيال موضوع الحرص على قرداحي منطقياً، وليس نابعاً من قرار بالدفاع الشخصي عن شخص وإنما تصوّر مبني على صون السيادة اللبنانية في عمق قرارها.
Follow Us: