لم يمر تاريخ 29 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مرور الكرام على سماء منطقة العلا، في السعودية، فنجومها المتلألئة ازدادت بريقاً بعدما انضم إليها نجمان من نوع آخر، هما هبة طوجي وأسامة الرحباني.
كان الموعد مع حفل موسيقي استضافته «قاعة المرايا» ضمن مهرجانات العلا (لحظات العلا) أحياه الفنانان اللبنانيان، فتدفق الجمهور بالمئات، ممنياً النفس بسهرة موسيقية لا تشبه غيرها، لا سيما أن طوجي هي أول فنانة (امرأة) تفتتح هذا المسرح وتقف على خشبته.
صدح صوت طوجي في أغنيات تنوعت بين العربية والأجنبية، فقدمت «بغنيلك يا وطني»، و«إذا رجع وقلي بحبك»، و«لا بداية ولا نهاية» وغيرها. كما أدت أغنية الفيلم الأجنبي «علاء الدين» الذي مثلت فيه بصوتها شخصية بطلته جاسمين.
«ليلة»… أول تجربة غنائية
لطوجي بالخليجية
خصت طوجي الجمهور السعودي بأغنية «لو باقي ليلة» للموسيقار عبد الرب إدريس. وجاءت ضمن توزيع أوركسترالي ضخم أعده أسامة الرحباني، فأدتها ببصمة موسيقية عالمية.
تفاعل الجمهور السعودي مع أداء طوجي للأغنية وصفق لها طويلاً، اعتبرها لفتة تكريمية وأثنى عليها. تعلق هبة لـ«الشرق الأوسط»: «هي المرة الأولى التي أغني فيها الخليجية، وكنت أرى الوجوه مبتسمة انسجاماً معها». وهل لقيت صعوبة في أدائها؟ «ربما لأننا نعرف هذه الأغنية ونرددها تلقائياً، منذ الصغر سهل علي الأمر. كما أن اللهجات العربية على اختلافها نتبادلها في منطقتنا، لأنها منتشرة أينما كان. في النهاية الفن يصل بشكل سريع للآخر، ومن السهل حفظ اللهجة من خلال أغنية. ولكن ذلك لا يمنع من أن نجتهد في إتقانها، والوقوف على معرفة كيفية لفظ بعض كلماتها».
وهل تفكرين بأداء أغنية خليجية خاصة بك بعد هذه التجربة الناجحة؟ «كل شيء ممكن، ولا مرة رفضنا أسامة وأنا، القيام بأي عمل فني يمكنه أن يضيف إلى مسيرتنا. ويشرفني أن أقدم أغنية خليجية تشبهني، فالأمر يتعلق بوجود الفرصة المناسبة».
العلا في مقطوعة موسيقية
لم يشأ أسامة الرحباني إلا أن يعبر عن مدى احترامه وحبه للجمهور السعودي، وذلك من خلال معزوفة موسيقية استهل بها الحفل وخصصها للمناسبة، شارك فيها 53 موسيقياً يؤلفون أعضاء الأوركسترا السيمفونية المرافقة لهما في الحفل. جمعت الفرقة عائلات موسيقية من وتريات ونحاسيات وخشبيات وإيقاعيات، وصفها الرحباني بأنها تشبه العلا، وتعكس سحر طبيعتها. ويقول: «هي موسيقى من فيلم لهبة طورتها وحدثتها لتشبه في قالبها منطقة العلا. جمعت فيها التاريخ والصحراء وإيقاعات لها علاقة بالجياد العربية وجمال الطبيعة، ضمن لحن رائع وتوزيع موسيقي عالمي». وعما إذا ستُستخدم هذه المقطوعة في مناسبات رسمية ستقام في العلا يرد: «لا أفكر أبداً بهذه الطريقة. هذا الموضوع أتركه للمسؤولين عن هذه الموضوعات. كل ما رغبت به من خلال المقطوعة أن أبني محتوى موسيقياً، يقدمنا هبة وأنا في الحفل. وهو بمثابة فعل احترام مني للمنطقة التي أزورها».
الحفل ليلة فنية من العمر
يتحدث الثنائي الفني عن حفل العلا بحماس لافت ويصفانه بـ«الرائع»، وبأنه تألف من خليط بين الموسيقى الشرقية والغربية، وهو ما زوده ببعد عالمي. وعما ترك هذا الحفل في نفسيهما، قالا لـ«الشرق الأوسط»، «كان الحفل عابقاً بالتاريخ والموسيقى، فجاء بمثابة ليلة عمر سطرنا خلالها ذكرى فنية لا تنسى». ويضيف أسامة الرحباني: «نحرص في كل عمل نقدمه على التمسك بمستوى مهني عالٍ ومحترف. أينما حللنا نحاول أن نربط بين موسيقانا والمكان الذي نقف فيه. فكيف إذا كان هذا الموقع يعبق بالتاريخ كما في العلا؟ أحترم خصوصية كل جمهور وأعمل على تفاصيل دقيقة كي ألامسه عن قرب. فكتاباتي لديها بعد مختلف، وأينما كنت أحرص على ترك بصمة مختلفة، تماماً كلوحة تشكيلية تتجدد رؤيتك لها كلما شاهدتها. هذا هو الفن الأصيل الذي نصبو إليه دائماً، فيبقى ويستمر. إننا في كل مرة نتحدى ذاتنا كي نتخطى بنجاح ما سبق وقدمناه من قبل».
جمهور مميز
يهتم أسامة الرحباني والفريق العامل معه بالمكان والزمان اللذين يلفان الموقع، حيث يحيي فيه حفلاً ما. ويوضح: «دائماً أدرس بيئة المكان الذي يستضيفنا، وأحرص على أن تتشابه الموسيقى معه شرط احتفاظنا بهويتنا الفنية المعروفين فيها. أحب اكتشاف تاريخ المكان، لا سيما أني شغوف بهذه المادة وتخصصت فيها، فأكتشف كل ما يميزه وأعكسه على مؤلفاتي الخاصة به. وفي العلا كان برنامج الحفل غنياً ومنوعاً ضم أغنيات عن الحب والوجدان وعن دور المرأة في تطور المجتمعات. فالجمهور السعودي متعطش للأشياء الجميلة، وهو يتلقفها بشكل رائع، كما أنه يظهر حماسة تلقائية، وهو أمر ليس بغريب عن جمهور يتمتع بمستوى ثقافي رفيع». وتشاركه هبة الحديث: «تفاعل الجمهور كان رائعاً مع جميع الأغاني التي أديتها، في مقدمها (ليلة) التي شكلت مفاجأة السهرة. فهو جمهور مميز وأعجبت به منذ أولى حفلاتي في السعودية في عام 2017، وما زلت أتذكر حتى اليوم تفاعلهم مع أغنياتي. ومن المهم جداً أن يشعر الفنان بهذا التجاوب من قبل الجمهور. في النهاية لا يمكن لأي حفل أن ينجح من دون جمهور يتفاعل مباشرة مع الفنان».
وأهدى أسامة الرحباني الحفل لكل من أسهم في تنفيذه، في مقدمهم شركة «روتانا» والقيمين عليها. وتابع لـ«الشرق الأوسط»: «أهديه للحضور الذي أتحفنا بتفاعله، فالفن هو بمثابة جسر تواصل يربط بين الناس على اختلافهم ومن دون تمييز، فيتخطون معه أي مشكلات تواجههم مع شعوب أخرى».
جمال العلا ينعكس على الحفل
ويرى الرحباني أن الحفل كان بمثابة نقطة العودة إلى الخشبة والحياة الفنية الطبيعية بعد توقف تسببت به الجائحة. كما أن منطقة العلا بحد ذاتها زادت المناسبة توهجاً نظراً لأهميتها التاريخية. «لمست في العلا الهدوء والسكينة، وكان مشهد النجوم المتلألئة في سمائها وهي تغمرنا من فوق بمثابة وقفة استراحة روحانية كنا نلجأ إليها بعد التمرينات التي نقوم بها. فأن تقف في مبنى زجاجي تغطيه المرايا ويعكس مشهدية الصحراء ويلفحك أثناءها هواء عليل وأنت تنظر إلى الجبال الترابية المحيطة به، لهو أمر أكثر من رائع. ولعل المسافة البعيدة التي قطعها الناس لحضور الحفل يترجم حسهم الفني الرفيع. فهنا تكمن قيمة المهرجانات الفنية في أماكن بعيدة على مر الزمن. فهي تحث منظميها على تقديم عمل متألق يجذب الناس لحضوره».
وبدورها تقول طوجي: «بالفعل أغرمت بموقع العلا، ومهما قلت عنه أو وصفته يبقى قليلاً، ولا يفيه حقه وروعته. فالفكرة التي نكونها عن هذا المكان من الصور الفوتوغرافية واللقطات المصورة جميلة، ولكن واقعها أجمل بكثير. عادة ما يحملنا المكان الذي نغني فيه المسؤولية ويفرض علينا احترامه. وسر نجاح حفل العلا يكمن في هذا التلاقي ما بين الفن والشعر والموسيقى وهذا الموقع التراثي الذي وقفنا فيه». ويعلق أسامة: «التجربة كانت رائعة، وأتمنى تكرارها لأنها محطة فنية فريدة من نوعها».
العودة إلى الساحة الفنية
اعتبرت طوجي أن الحفل كان بمثابة العودة الحقيقية لها إلى الساحة الفنية بعد توقف دام أكثر من سنة تسببت به جائحة «كورونا»، حسب قولها. وتتابع: «كما أني ابتعدت بسبب فترة الحمل بطفلي الأول نائل، فكنت منشغلة باستقباله. حملت لي هذه العودة نوعاً من الرهبة والمسؤولية، وكأنها المرة الأولى التي أقف فيها على مسرح. وفي الوقت نفسه اجتاحني الحماس، شعرت أنه علي القيام بهذه الخطوة، وأن أنجح فيها مهما كلفني الأمر. لم يكن ذلك من أجلي ومن أجل جمهوري، والأشخاص الذين وثقوا بي فقط، بل من أجل طفلي نائل، إذ أردته أن يفتخر بي. اختلطت في داخلي مشاعر الفرح والمسؤولية والرهبة، وطغت عليها الأمومة، فكان تأثري كبيراً. لذلك سيحفر هذا الحفل في ذاكرتي ولن أنساه».
مشاريع فنية جديدة
مشاريع الثنائي الفني أسامة وهبة كثيرة للمرحلة المقبلة. يتقدمها إطلاق ألبوم غنائي ضخم كما يصفه الرحباني. «سيحمل بعداً فنياً عالمياً من ناحية الإنتاج والموسيقى والشعر. تتنوع موضوعاته بين الحب والخيبة والفرح والوطن والوجدانيات والحضارات، وتواصل الناس مع بعضها. يحاكي المنطقة العربية لا بل ما هو أبعد منها».
وتعلق طوجي: «متحمسة جداً لإطلاق هذا الألبوم وسيكون بأكمله بالعربية. سأحافظ فيه على هويتي وجوهر الموسيقى التي اعتدنا تقديمها. وفي الوقت نفسه، يحمل نقلة نوعية كبيرة، وأنماطاً موسيقية منوعة، وانفتاحاً عالمياً. يتألف مبدئياً من 16 أغنية. إنه يشبهني إلى حد كبير، لا سيما أني شاركت في كتابة بعض أشعاره وألحانه». ويضيف أسامة: «سيتضمن مفاجآت عدة وتواكبه كليبات مصورة، واختلافه سينطبع بالامتداد الفني العالمي الذي حققته هبة طوجي».
من ناحية ثانية، تستعد طوجي لإحياء عدة حفلات في بلدان مختلفة، وتحضر لإطلاق بعض أغاني الألبوم تباعاً.
نستوضح أسامة عن مسرحية «نفرتيتي» التي يعمل على تحضيرها منذ سنين طويلة، فيرد: «تواق لتنفيذها وما يعرقل ولادتها هو موضوع التمويل الذي تحتاجه. أتمنى أن أنفذ (نفرتيتي) لأنها تحكي عن المرأة في تلك الحقبة، وعن الصراعات التي أحاطت بها من قبل المتشددين والمتطورين، وحرب الإلغاء التي تبناها كل منهم بوجه الآخر. موضوع المسرحية يحمل طابعاً إنسانياً كبيراً، ويدمج ما بين الأسلوب المسرحي التاريخي والحديث معاً».
Follow Us:
الشرق الأوسط