علي زين الدين – الشرق الأوسط
تحذر مصادر محلية وخارجية من عوامل مستجدة، تفاقم الاختلالات المعيشية الحادة في لبنان بشكل أوسع، وتزيد الضغوط على قدرات اللبنانيين المعيشية في الأسابيع القليلة المقبلة، وسط خشية خبراء ومحللين بأن تتخطى نسبة السكان الواقعين تحت خط الفقر 80 في المائة، في بلد يعاني من هشاشة بالغة في اقتصاده ومن موجات تضخم مفرط بوتيرة تعدّت متوسطاتها التراكمية 1000 في المائة.
ففي حين عادت أسعار الدولار إلى التحليق قريباً من عتبة 22 ألف ليرة في أسواق العملات الموازية، تنكب وزارة المال بالتنسيق مع مصرف لبنان على دراسة تعديل سعر الدولار الجمركي بعد عامين ونيف من العام من توالي الانهيارات النقدية، بموازاة مؤشرات ارتفاع أسعار السلع الحيوية والمواد الأساسية عالمياً، بشكل غير مسبوق، فضلاً عن الارتفاعات في أسعار الطاقة وأكلاف النقل والشحن التي أضافت بدورها ارتفاعات كبيرة على أسعار المنتجات والبضائع.
وبحسب المعلومات من الأسواق، فإن التوجه إلى إعادة هيكلة الرسوم الجمركية المتآكلة بفعل انحدار سعر صرف الليرة بنحو 93 في المائة، سيتحول واقعاً في مشروع قانون موازنة العام المقبل الذي تسعى الحكومة إلى تسريع إعداده ورفعه إلى مجلس النواب من ضمن حزمة الالتزامات المسبقة، إلى جانب الانتهاء من إعداد مشروع قانون تقييد الرساميل (كابيتال كونترول)، وهما التزامان تعهد الفريق الاقتصادي بإنجازهما سريعاً خلال المباحثات التقنية الجارية مع خبراء صندوق النقد الدولي، تمهيداً لانطلاق جولات المفاوضات الجديدة الهادفة إلى الحصول على برنامج تمويل ضمن خطة إنقاذية شاملة.
وقال مسؤول مالي لـ«الشرق الأوسط» إن تحديد السعر الجديد للدولار الجمركي الذي يجري بموجبه استيفاء رسوم على المستوردات لصالح الخزينة «لا يزال قيد طروحات متعددة تراوح بين 10 آلاف ليرة لكل دولار، ما يكفل بمضاعفة الإيرادات تلقائياً بنحو 7 أضعاف، وبين اعتماد السعر اليومي للمنصة التي يديرها البنك المركزي، البالغ حالياً نحو 18 ألف ليرة لكل دولار، وهو ما يحقق قفزة هائلة في إيرادات الخزينة بمقدار 12 ضعفاً»، علماً بأن أحدث بيانات للموازنة العامة، تكشف أن الإيرادات الجمركية، ورغم تحسنها بنسبة 23 في المائة، بلغت متوسطاً شهرياً 120 مليار ليرة (نحو 5.5 مليون دولار فقط بالأسعار الحالية على سعر صرف الدولار في السوق السوداء) خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي.
ولا شك أن الإقدام على تغيير سعر الدولار الجمركي سيمكّن وزارة المال، بحسب المسؤول المالي، من إعداد بيانات أقرب إلى الواقعية والدقة بعدما تم استنفاد كامل مبالغ الدعم التمويلي بالعملات الصعبة التي كانت بحوزة مصرف لبنان كاحتياطيات حرة، التي استسهلت الحكومة السابقة إنفاقها رغم إدراك الجميع بحقيقة تبديد معظمها على التهريب والاحتكارات. كذلك ما من خيار بديل أمام الحكومة لزيادة واردات موازنتها بهدف إعادة الانتظام والتشغيل في المؤسسات والإدارات العامة، ما يتطلب الاستجابة لشرط تحسين المداخيل في القطاع العام.
وقد شرعت فعلياً بتصحيح نسبي لمداخيل العاملين في الدولة الذين تربو أعدادهم على 330 ألف موظف ومستخدم عبر مساعدات مالية طارئة وزيادات في بدل النقل. لكن خطوة رفع الرسوم على المستوردات والتوجه الحكومي للتخلي تدريجاً عن اعتماد السعر الرسمي للدولار البالغ نحو 1515 ليرة في احتساب الرسوم الجمركية، يثير مخاوف جدية، يعززها تداول معلومات بإمكانية تعميم التدبير عينه لاحقاً على أسعار خدمات أساسية كتعريفات الكهرباء والاتصالات والمياه والرسوم العقارية وسواها، ما سيفضي حتماً إلى اهتزازات عنيفة في الوضع المعيشي المختل بحدة أساساً، بينما يترسخ العجز المستمر في إطلاق أي برامج حكومية إغاثية أو داعمة للفئات المهمشة والأكثر فقراً، وبما يشمل البطاقة التمويلية الموجهة لنحو 500 ألف أسرة، والعالقة منذ أشهر طويلة في قبضة عدم توفر الأموال والتمويل.
ومن المرجح في ضوء هذه الوقائع تسجيل تقدم حاد في متوسط مؤشر الغلاء، من نحو 700 في المائة حالياً، إلى ما يتعدى 900 في المائة، أي ما تقارب نسبته الكلفة المحققة لانهيار سعر العملة الوطنية. وفعلاً، تشي التقلبات في الأسواق الاستهلاكية، مع غياب عرض كثير من السلع الغذائية والأساسية المستوردة وتقلص تنوع مصادرها، والارتفاعات شبه اليومية في الأسعار بذريعتي ارتفاع الدولار وزيادات أكلاف النقل، بصعود جديد وحاد لمؤشر الغلاء في الأسابيع المقبلة، بحيث يتوقع أن تتفشى المعدلات المرتفعة لأسعار المشتقات النفطية بما يتخطى 10 أضعاف مثيلاتها قبل الأزمة على سائر أبواب الإنفاق.
ويحاذر خبراء تواصلت معهم «الشرق الأوسط» الدخول في تقديرات مسبقة بشأن السقوف النسبية لارتفاع الموجات المقبلة للغلاء وإمكانية تفلتها خارج الترقبات الأولية، ذلك أن الأوضاع الداخلية التي تحكم قوة حضور الدولة وفاعلية مؤسساتها الدستورية من تشريعية وتنفيذية وإدارة عامة، تشكل عاملاً حاسماً في قياس المتغيرات الاقتصادية والمعيشية المحتملة في المديين القريب والمتوسط، وخصوصاً في ظل الضبابية الشديدة التي تكتنف الأوضاع المحلية كافة، بما يشمل الوضع الحكومي ذاته، والمعلّق راهناً على ملفات معقدة سياسياً وقضائياً، كذلك لجهة تداعيات العجز الصريح عن احتواء الأزمة المستجدة مع البلدان الخليجية.