يقدر صندوق النقد الدولي حجم “الأموال القذرة” التي تُغسل سنوياً بـ2-5% من الناتج الإجمالي العالمي، وهو ما يشكّل 300-400 مليار دولار، فما المقصود بغسل الأموال؟ وما أكثر طرق غسل “الأموال القذرة” وتحويلها إلى أموال شرعية شيوعاً؟
يطلق مصطلح “غسل الأموال” على العملية التي يُخفَى من خلالها إخفاء المصدر غير المشروع للأصول التي يُحصل عليها أو تُحقَّق من نشاط إجرامي، وذلك لحجب الرابطة بين الأموال والنشاط الإجرامي الأصلي، وفقاً لتعريف صندوق النقد الدولي.
ولشدة خطورة هذه الظاهرة، اقترنت عملية غسل الأموال بتمويل الإرهاب مباشرةً اعتباراً من بداية الألفية الجديدة، تحديداً بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، لأنهما جريمتان ماليتان تترتب عليهما آثار اقتصادية قد يهدد استقرار القطاع المالي في البلد المتضرر أو استقراره الخارجي عموماً.
ولعلّ سلسلة “Ozark” التي عُرضت على منصة “نيتفليكس” في السنوات الأخيرة، أحد أشهر الأعمال الدرامية التي استعرضت عملية غسل الأموال وسبل إخفائها وإنجاحها، بعد أن تَعيّن على المخطّط المالي مارتي بيرد أن يغسل 500 مليون دولار خلال 5 سنوات ليسترضي زعيم عصابة مخدرات كولومبياً.
أصل التسمية
آل كابون، زعيم العصابة الذي ابتكر مصطلح “غسل الأموال”
في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، شاع في الولايات المتحدة استخدام مصطلح “غسل الأموال” الذي يصف الممارسات المالية غير القانونية التي تهدف إلى إخفاء مصادر النقود، سواء للتهرب من الضرائب أو لإيداع مبالغ ضخمة من الأموال غير الشرعية في البنوك وتحويلها إلى أصول لاحقاً.
تزامن ظهور هذه الممارسات مع فترة حظر الكحول التي فرضتها الحكومة الأمريكية بين عامَي 1920 و1933، وظهور عصابات تهريب الكحول، وأشهرها عصابة “آل كابوني” الإيطالية في شيكاغو، التي كانت تجني أموالاً طائلة من تجارة الكحول المحظورة.
في تلك الفترة واجه آل كابون مشكلة في إيداع أمواله في البنوك بطريقة شرعية، الأمر الذي دفعه إلى تفعيل عدد من الأنشطة التجارية التي مكّنته من التحايل على القوانين المالية آنذاك، فلجأ إلى إنشاء سلسلة محالّ تقدّم خدمة غسل الملابس مقابل رسوم نقدية قليلة من أجل إضفاء طابع شرعي على أمواله القادمة من مصادر أخرى، ليطلق لاحقاً على عملية إدخال الأموال غير الشرعية إلى النظام المالي القانوني اسم “غسل الأموال” (Money laundering).
كيف تُغسل الأموال القذرة؟
دورة غسل الأموال التي تتم عبر ثلاث مراحل
في ضوء التطور الهائل الذي تشهده المعاملات المصرفية في العقود الأخيرة، واعتماد أصحاب الأموال والبنوك على المعاملات الرقمية في استخدام الأموال بدلاً من استخدام “الكاش”، بات لزاماً على العصابات الإجرامية أن تبحث عن طرق وأساليب تجارية جديدة من شأنها أن تساعدهم على إدخال مبالغ ضخمة من “الكاش” إلى النظام المصرفي ومن ثم تحويلها لأصول يسهل التصرف بها وبيعها.
في العادة تمر عملية غسل الأموال بثلاث مراحل أساسية:
– مرحلة الإيداع: التخلص من “الأموال القذرة” التي تكون “كاش” عادةً وإدخالها في النظام المالي القانوني، إما بإيداعها في البنوك وإما عن طريق تحويل هذه النقود إلى عملات أجنبية أو رقمية، وإما بشراء سيارات فارهة ويخوت وعقارات مرتفعةِ الثمن يسهل بيعها والتصرف فيها بعد ذلك. وتُعتبر هذه أصعب المراحل، لأنها عرضة للاكتشاف في بعض الأوقات.
– مرحلة التمويه: هي المرحلة التي تخضع فيها الأموال المودعة لعمليات تعتيم عديدة من شأنها أن تساعد على إخفاء حقيقة مصدر الأموال بواسطة سلسلة طويلة من عمليات تحويل الأموال وفصلها وإعادة تجميعها ضمن عمليات محاسبية معقدة، بهدف زيادة صعوبة تعقب المصدر الحقيقي للأموال.
– مرحلة الإدماج: هي المرحلة الأخيرة في عملية غسل الأموال، تُسحب فيها الأموال المغسولة من الحساب المصرفي بعد أن تصبح قانونية، ويُطلَق على هذه العملية الفرعية اسم “عملية التجفيف”، تتمكن من خلالها العصابات من استخدامها في أعمالها وإدماجها في الدورة الاقتصادية بعد أن تبدو كأنها عوائد أو مكتسبات طبيعية لصفقات تجارية.
أكثر الطرق شيوعاً لغسل الأموال
عملة “بيتكوين” المشفرة إحدى أكثر الطرق شيوعاً لغسل الأموال في السنوات الأخيرة
لغسل “الأموال القذرة” عديد من الطرق، منها المعقد جداً ومنها البسيط نسبياً، لكن أكثرها شيوعاً ربما هو امتلاك المنظمات الإجرامية إعمالاً تجارية يُتعامل خلالها بـ”الكاش” ظاهرياً، مثل امتلاك متجر راقٍ يدخله قلة من المشترين، أو امتلاك كازينو للعب القمار أو حتى مطعم، لتستخدم المنظمة الإجرامية هذا النشاط من خلال تضخيم حجم الفواتير اليومية التي تُدفع نقداً في الغالب، بهدف تسريب الأموال غير القانونية عبر النشاط التجاري إلى حسابات بنكية قانونية، ثُمَّ سحب هذه الأموال وتُستخدم.
وإلى جانب غسل الأموال من خلال الحوالات المالية عبر محالّ الصرافة المحلية أو تهريبها إلى بلدان تسهّل إيداعها في بنوكها، لغسيل الأموال طريقة أخرى تُسمى “التقزيم”، إذ تُقسَّم “الأموال القذرة” إلى مبالغ صغيرة تُودَع حساباتٍ بنكية عديدة، لزيادة صعوبة تتبُّع الأموال واكتشافها.
إلا أن الطفرة الحقيقية في عملية غسل الأموال ظهرت في السنوات الأخيرة بالتزامن مع ظهور العملات المشفرة وشيوع استخدامها، وأشهرها “بتكوين”، التي تُخفِي إلى حد كبير هوية مرسلي الحوالات المالية ومستقبليها، بعكس الحوالات المصرفية التقليدية، إذ تلتزم البنوك الإخبار عن الحوالات المالية الضخمة عملاً بقانون “باتريوت” الأمريكي أو القوانين الأخرى التي شُرعت بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.
TRT عربي