الإثنين, نوفمبر 25
Banner

الأزمة تأخذ المنعطف الأخطر في تاريخها و”تفلت” سعر الصرف “من عقاله”

خالد أبو شقرا – نداء الوطن

بعدما أعلته قصراً من “ورق” تثبيت سعر الصرف على 1500 ليرة، ها هي السلطة تبدأ ترميم الهيكل الإقتصادي بـ”رماد” مخلّفات الإنهيار. كتل هائلة من الليرة اللبنانية المطبوعة “ستجبلها” الحكومة تحت إشراف البرلمان بـ”التضخّم”، لتوحي أنّها تصبّ حجارة صلبة. إلّا أنّ هذه “الجبلة” لن تجفّ. وكلّما حاولت إضافة مدماك من الرواتب والأجور ستهدم المزيد من القدرة الشرائيّة للمواطنين.

على وقع إضراب عام يشل إدارات الدولة، وتحت ضغط صرخات مستخدمي القطاع الخاص الذين انهكهم رفع الدعم من دون تقديم البدائل، سترضخ الدولة والمؤسسات لزيادة الرواتب. العمل يجري على محورين: الأول، تقوده لجنة المال والموازنة لاعطاء زيادة نسبية على الرواتب لمدة سنة لموظفي الدولة ومتقاعديها البالغ عددهم حوالى 440 ألفاً، ورفع بدل النقل إلى 65 ألف ليرة. كلفة هذا الاقتراح تقدر بحوالى 11 ألف مليار ليرة، وهي تنقسم إلى 5000 مليار ليرة لزيادة ما يقدّر بنصف راتب لكل موظف. ذلك أن بند الرواتب والأجور يكلف سنوياً بحدود 12 ألف مليار ليرة. وحوالى 6000 مليار ليرة لرفع بدل النقل لـ 320 ألف موظف إلى 64 ألف ليرة يومياً. أما لجهة القطاع الخاص فان العمل يجري بحسب تصاريح رئيس الاتحاد العمالي العام على إعطاء زودة على المعاشات والرواتب تتراوح بين مليونين و6 ملايين ليرة، إضافة إلى رفع المنح المدرسية إلى 2 مليون ليرة، ورفع بدل النقل إلى 64 ألفاً. وإذا قدّرنا أن عدد العاملين في القطاع الخاص يتجاوز 800 ألف عامل، فان كلفة هذه الزودة ستكون بعشرات آلاف مليارات الليرات.

لن تنعكس على الخدمات الصحية والاستشفائية

قبل الدخول في تحليل انعكاس هذه الزيادات على الوضع الاقتصادي، فان ما يطرح هو بمثابة مساعدة اجتماعية لا تدخل في صلب الراتب لا في القطاع العام ولا الخاص. ما يعني أن المؤسسات الضامنة كالضمان الاجتماعي على سبيل المثال لن تستفيد شيئاً، ولن تكون لها القدرة على زيادة تقديماتها. ذلك أن جزءاً كبيراً من موارد “الصندوق” تتأمن من مساهمة أرباب العمل والعمال بنسبة 23.5 في المئة من الأجر. وهي تنقسم على 8.5 في المئة لصندوق نهاية الخدمة يتحملها رب العمل. و6 في المئة لصندوق التعويضات العائلية يتحملها أيضاً رب العمل. و9 في المئة لصندوق المرض والأمومة، تنقسم بين 3 في المئة على الأجير و6 في المئة على رب العمل. الأمر نفسه ينسحب على تعاونية موظفي الدولة وغيرها من المؤسسات العامة الضامنة. ما يعني أن الموظفين والعمال لن يستفيدوا من زيادة تقديمات هذه المؤسسات لجهة عمليات الاستشفاء أو شراء الأدوية، وسيستمرون بتحمل الفرق الكبير. من الجهة المقابلة لن يستفيد العمال أيضاً من هذه الزودات في تعويض نهاية الخدمة الذي سيبقى يحتسب على أساس الراتب القديم.

الدولار الجمركي ليس حلّاً

الواقع المأسوي الذي يحتم تصحيح الأجور في القطاع العام لا زيادتها فحسب، يتطلب تمويلاً كبيراً. فالنفقات على الرواتب والأجور مع هذه الزيادات ستتراوح بين 22 و24 ألف مليار ليرة سنوياً، في حين أن الايرادات المحققة لغاية شهر أيار من هذا العام هي 6000 مليار ليرة. وهي لم تتجاوز 14 ألف مليار ليرة للعام 2020. الحل الذي تقترحه “المالية” لتمويل الزيادة برفع الدولار الجمركي “سيكون كافياً من وجهة نظر الحكومة “، بحسب عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال. “ذلك أن المداخيل المقدّرة بـ 2000 مليار ليرة (1.3 مليار ليرة) من الجمارك على سعر صرف 15000 ليرة سترتفع إلى أكثر من 20 ألف مليار ليرة في حال ضربت بسعر صرف منصة صيرفة الذي يتراوح بين 18 و19 ألف ليرة. إلا أنه في الحقيقة فان “الرقم سيكون أقل بكثير”، من وجهة نظر رمال، “لأن المعنيين لا يأخذون بعين الاعتبار عنصرين بالغي الأهمية”:

الأول، هو تراجع الاستيراد بنسبة 50 في المئة.

الثاني، هو ارتفاع معدلات التهرب الضريبي والتهريب الجمركي بنسبة كبيرة مع أي زيادة في الضرائب الجمركية.

وعليه فان مثل هذا القرار سيضرب مداخيل الدولة، وسيحطم الاقتصاد الشرعي والقانوني، وستذهب منافعه إلى المهربين والمضاربين على سعر صرف الليرة في السوق السوداء. وبحسب رمال فان “التجارب تبرهن أن رفع الضرائب بمرحلة الانكماش سيؤدي إلى تضخم هائل، يحد من قدرة المواطنين الشرائية. لتصبح السلع المستوردة، التي ما زالت تصنف كماليات، في حين أنها اساسيات، كالغسالات والتلفزيونات وأجهزة التكييف والهواتف وغيرها الكثير، حكراً فقط على الاغنياء”. والأخطر من وجهة نظر رمال هو أن “أي زيادة على الضريبة على القطاعات التي تصرح عن مداخيلها، ستزيد في المقابل نسبة التهريب بشكل كبير جداً. ما ينعكس سلباً على إيرادات القطاعات الاقتصادية الشرعية من جهة ويقلص مداخيل الدولة من جهة ثانية”.

الدخول في عمق الأزمة

وعي المسؤولين لهذه الحقيقة المرة يقابل بتصرفات شعبوية لا تؤدي إلى إطالة عمر المريض بالمسكنات، بدلاً من معالجته فحسب إنما إلى الغرق في عمق “بحيرة” الأزمة بعدما كنا نسبح “على ضفافها”، بحسب الخبيرة الاقتصادية د. ليال منصور. فمن بعد هذه المرحلة ستدخل السلطة في دوامة من رفع الأجور من خلال طباعة الأموال مع كل زيادة في سعر صرف الدولار. وهكذا دواليك ستنهار قيمة الليرة أكثر وتتآكل المداخيل والأجور، وسيعجز لبنان عن الخروج من التضخم المفرط الواقع به حالياً”. منصور تلفت إلى أن “لبنان صنف من قبل وكالة “بلومبرغ” على أنه يعاني من أعلى نسبة تضخم بين دول العالم. ذلك قبل البت بهذه الزيادة. فكيف سيكون الوضع في حال تنفيذها؟!.

تحليق سعر الصرف

مع إعطاء هذه الزيادات تكون الدولة قد توقفت عن مقاومة تيار الأزمة وانجرفت بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية إلى قلبها. وفي هذه المرحلة “لا يعود من سقف لارتفاع الدولار”، بحسب منصور. و”لا يعود يوجد هناك من رابط يمسك سعر الصرف على معدلات 19 و20 وحتى 23 ألفاً المشهودة حالياً. فيفلت الدولار من عقاله إلى معدلات غير مسبوقة أو متوقعة. ويلحق لبنان بركب البلدان التي أصبح فيها الدولار الواحد يساوي الآلاف وحتى الملايين من عملتها”.

الحل بالاصلاح

للمرة المليون “الحل هو بالاصلاح الاقتصادي والنقدي”، تشدد منصور. “فحق الموظفين والمستخدمين بالعيش الكريم لا يكون بزيادات وهمية تتلاشى بعد أيام قليلة نتيجة ارتفاع الاسعار من جهة وزيادة الضرائب من جهة ثانية. إنما يكون من وجهة نظرها عبر ما يعرف بـ Hard peg “نظام الربط الثابت” ووضع حد لمصرف لبنان بطباعة الليرات”. أما من الجهة الاقتصادية فالمطلوب البدء بالاصلاحات التي تبدأ من الحدود وتمر بدفاتر المؤسسات وتصل إلى اصلاح القطاع العام ومؤسساته.

إن لم يبادر لبنان إلى الإصلاح سريعاً فعلى اقتصاده “السلام”، خلاصة تشي بها تجارب عشرات الدول التي دخلت في دوامة الفساد والتعطيل والانغلاق وسيطرة الميليشيات المسلحة ولم تخرج منها. حيث يستبدل الاصلاح بطباعة العملة وزيادة الضرائب وفي الحالتين النتيجة تكون كارثية.

Leave A Reply