الإثنين, نوفمبر 25
Banner

تغيير “سلوك” النظام

عبدالله قمح – ليبانون ديبايت

على مقربة من الإستحقاق الإنتخابي في الربيع المقبل، احتشدت الأزمات وصبّت دفعةّ واحدة، والمنظور لا يطمئن في ظل تكريس حالة اللا توازن الداخلي وانكفاء دول الخارج عن الملف اللبناني، أي الدول التي تفرض في العادة التوازن، لعيبٍ موجود في باطن التركيبة.

حركة السفراء “المطرودين” من الخليج على المرجعيات لا توحي بأن الازمة الحالية المندلعة مُقبلة على الأفول. وفي ضوء التسريبات التي تشير إلى جيل ثانٍ من العقوبات تخطط بعض الدول الخليجية لتدشينه، تصبح جولات السفراء حمّالة أوجه، تقاربها أوساط على أنها تكاد تكون “دفعة على الحساب” وتبلغ في بعض مستوياتها و مندرجاتها وما تستبطنه تصريحاتها، طبيعة “اللوبي” المتحرّك لتشكيل مروحة ضغط داخلية تؤدي بالطبع الغاية الخليجية. فهل يُعقل في دولة ذات سيادة أن يتحول سفراء مطرودون من الدول المنتدبين فيها إلى العمل لمصلحة من طردهم وفي خدمته بالدرجة الأولى؟

الخلل الذي يعتري هذه المسألة ينسحب على مختلف القضايا السياسية والإجتماعية الأخرى الفاقدة للتوازن بدورها ، نتيجة “تشعّب” الولاءات ضمن السلطة وتنافرها. في المقابل أثبتت السلطة على نحوٍ شرعي غير قابل للتأويل بتاتاً ،عقمها وضياعها في الولاء ممّا أسّس إلى ضياع في مفهوم ترجمة الأزمة وكيفية قراءتها وسبل الخروج منها. وخلال الأزمة الحالية برهنت الدول العاملة أو المتداخلة أو تلك صاحبة التأثير في المجال الحيوي اللبناني، أنها منعدمة القدرة بدورها أو في أحسن الأحوال، لا تقيم وزناً للمصلحة اللبنانية إن اعتبرنا أن هذه الدولة تعدّ بمثابة حليف. وحين طغت الأزمة وتعمّقت مع دول الخليج، انسحبت فرنسا مثلاً وتبعتها الولايات المتحدة وآخرون من مضمار السعي لإيجاد حل، وتركوا الدول الخليجية تفترس الدولة اللبنانية وتمارس فائض قوة عليها، قارب في نواحٍ متعددة وفي كثيرٍ من الأحيان الإبتزاز والإملاء، دون قدرةٍ للدولة على حفظ حقها أو ممارسة دورها في صدّ الهجمة عنها، وهذا مفهومٌ متى أن الدولة نفسها انصاعت وفي كثيرٍ من الأحيان للتخلي عن هوامش عريضة من مفهوم سيادتها على قرارها وعناصره ، لقاء دعم مالي كان يقدم من عدة دول أفقدها التوازن وبات يظهر الآن أنه لم يكن مجاناً على عكس ما تردد. ولعل الثمن المدفوع لقاء ذلك الدعم كان التخلّي عن الموقف المستقلّ والسيادة على القرار، ما أحدث حالةً من الشلل السياسي تجاه تلك الدول تكفل بجعل دولتنا بحالتها الراهنة بمثابة تابع سياسي لا أكثر.

هذا نموذج من عملية إعطاب السلطة السياسية بشكلها الراهن والتي على ما يبدو لم تعد عنصراً صالحاً لدى معظم تلك الدول المتدخّلة في المجال اللبناني. وعلى الأرجح البعض منها عقد العزم على إنجاز تغيير صريح على مفهوم تلك السلطة عبر صناديق الإقتراع، وهذه القاعدة هي السبيل الوحيد لفهم طبيعة انكفاء دول شكّلت في الماضي القريب عناصر دعمٍ صريحة لتلك السلطة.

ولم يعد يخفى عن ألسنة العديد من المراقبين السياسيين توافر رغبة وإنما رهان على إحقاق تعديل ولو طفيف على طبيعة النظام من خلال الإنتخابات النيابية. الموضوع لا يشمل إنهاء هذا النظام، وتكاد الدول التي رعته سابقاً تعلم بدقة ومدى تغوّله وتوغله ضمن البيئات الشعبية والتركيبة الطائفية ويصبح تغييره غير بسيط أو سهل، وإنما تبحث عن ترشيد هذا النظام أو التأسيس إلى بنية لتغييره على قاعدة “تغيير سلوكه” وهي العبارة المفتاح التي اعتمدت في مقاربة الأزمة السورية لاحقاً. “تغيير السلوك” بالنسبة إلى مخترعي هذا المذهب يبدأ في إنضاج ظروف ضمّ كتلة سياسية صلبة إلى مجلس النواب تتحول لشريك في السلطة، في مجلس الوزراء والإدارة لاحقاً، ويكون لها كلمة فصلٍ في قضايا متعددة. ولا تذهب الفكرة بعيداً صوب انغماس هذه الكتلة المفترضة المنوي تأمينها في “عقرب السلطة” كما ساد وحصل عند ضفة “التيار الوطني الحر” سابقاً، وإنما التمكين من كسب مشروعية وجودية تسوّق عند القواعد الشعبية على أنها بديل حيوي متاح وممكن. وطوال 4 أعوام من عمر وجودها الذي سيدوم في حال تحقق الهدف في إنتخابات 2022 إلى انتخابات 2026، يسعى لأن تكون قواعد تنشأ عنها بلورةٌ لفكرة البديل الذي يُفترض أن يقدّم ضمن تلك الإنتخابات على أنه واقعي وناجز ومعقول وقادر. ويعتقد من يقوم على هذه المفاهيم، أن حلول ذلك الزمن والمأسسة على قواعد تشجيعية قد يقود إلى إنجاز تغيير وازن في صناديق الإقتراع، لا يجعل من القوى المسيطرة حالياً على الساحة السياسية هي الممثلة للغالبية وإنما تصبح أقلية مشاركة في البرلمان دون أن يكون لديها التأثير المطلق كما هو الحال اليوم، وعندها يُتوقع أن يبدأ بنسج التغيير على طبيعة النظام!

طبعاً تبقى هذه الافكار مجرد عناوين للعمل وتسعى أكثر من جهة إلى تحقيقها، وقابلية حصولها مرهونة بطبيعة التماهي الشعبي معها والقدرة على الإنجاز. يبقى الثابت أن النظام أو السلطة بواقعها الحالي لم تعد قابلة للعيش إطلاقاً وأضحى تغييرها مشروعاً لا بدّ منه. يبقى أننا نعيش في الوقت الراهن في مخاض ذلك النظام الجديد وعلى أية أسس ومفاهيم سيتمّ بناؤه، عن طبيعة التوازنات والإمتيازات وكيف ستوزّع، عن دور الطوائف والأحزاب الكبرى… كله يخضع للدرس.

Leave A Reply