كتب ذوالفقار قبيسي – اللواء: دعوة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في لقائه أمس جمعية المودعين الى المصارف كي تتحمّل مسؤولياتها جاءت بمثابة توصيف لوضع المصارف والحاجة الماسّة لتعزيز سيولتها وإعادة تكوين التزاماتها بدءا من إعادة الأموال المحولة بنسبة ١٥ الى ٣٠% وزيادة رساميلها بنسبة ٢٠% وإعادة تكوين ٣% في حساباتها لدى المصارف المراسلة في الخارج وتطبيق تعاميم البنك المركزي بدقة… وفي الوقت نفسه تحذير بأن مصرف لبنان سوف يستحوذ على المصارف التي «تفشل» في القيام بهذه الالتزامات وتحمّل هذه المسؤوليات.
وبانتظار هذه «الوجبات الرئيسية» التي لا بد منها لتغذية أي قطاع مصرفي بالسيولة المطلوبة، يبقى الجمود «عنوان المرحلة الراهنة في الأوضاع المصرفية والنقدية والاقتصادية والمعيشية عموما، ومعه «الانتظار» لتحقيق اختراقات أساسية يفترض أن تبدو طلائعها مع تأليف حكومة تتعثر في مسيرتها، احدى أهم أولوياتها إستعادة الثقة الداخلية والخارجية والاغترابية وإرساء علاقة مع صندوق النقد الدولي لم تنتقل حتى الآن من مرحلة المباحثات الصعبة الى مرحلة المفاوضات الشاقة، إضافة الى تفعيل «الكابيتال كونترول» القابع لدى لجنة المال والموازنة ووضع صيغة عملية لإعادة أموال المودعين ومواجهة مخاطر استمرار ارتفاع الدولار خمسة أضعاف وتوسع دائرة النقد المتداول (بنسبة ٨١% منذ بداية العام!) الى كيفية اجتذاب مدخرات اللبنانيين بحوالي ٥ مليارات دولار منذ تشرين الأول ٢٠١٩ سحبها القلق والهلع من خزائن الى المصارف خزانات المنازل، الى ضرورة استئناف حركة التسليف لتنشيط الاقتصاد ورفع معدل النمو، وتقرير حجم الخسائر بتوحيد مقاربات الحكومة والمصارف ومصرف لبنان، ومصير المصارف التي لن تتمكن من تتفيذ طلب مصرف لبنان زيادة رساميلها بـ٢٠% قبل آخر هذا العام، وتزويد حساباتها بالدولار لدى مراسليها في الخارج بمبلغ يوازي ٣% من مجموع ودائعها بالعملات الأجنبية، مع وضع مؤونات احتياطية لـ«اليوروبوندز» بنسبة ٤٥% من قيمة ما تملكه من هذه السندات البالغ ١١ مليار دولار من أصل المجموع البالغ ٣١ مليار دولار إضافة الى وضع احتياطيات عن ما تملكه من سندات الخزينة بالليرة اللبنانية والبالغ قيمتها ما يوازي الـ١٥ مليار دولار وذلك بسبب تعثر الحكومة في تسديد قيمتها للمصارف. وتوحيد سعر الصرف، وجدولة الدين العام، والمفاوضات مع الدائنين الأجانب من حملة «اليوروبوندز»، الى تصوّر محدد عن الاصلاحات، وصولا الى تقرير مصير ٢٦٠٠٠ موظف في القطاع معرّض جزء منهم للتسريح بسبب ما أعلنته المصارف عن انخفاض مداخيلها، بعد أن تراجعت الودائع المصرفية منذ أول عام ٢٠١٩ بـ٣١ مليار دولار الى ١٥٠ مليار دولار وتتقلص شهريا بمعدل وسطي يبلغ ١٣٠٠ مليار شهريا، ومعها تراجع التسليفات هذا العام بـ١٧ مليار دولار.
«جيش المال الوطني»
هذا ما هو عليه اليوم في لبنان وضع «قطاع مصرفي» هو في أي بلد كما يقول Thomas Jefferson «بمثل أهمية أي جيش وطني». وبما يقترب مما أورده الكتاب الصادر عن جامعة Stanford في الولايات المتحدة عن مصارف لبنان بعنوان Banking On The State – The Financial Foundation Of Lebanon عن وصف «مجلة المصارف» اللبنانية في العام ١٩٦٤ للوحة المثبتة على جدار البنك المركزي بأنها «تشبه لوحة جلاء الجيوش الأجنبية عن لبنان». كما يورد الكتاب عن أهمية استقلال السلطة النقدية والعملة الوطنية نص عريضة صادرة في بيروت العام ١٩٥٣ عن «مجموعات رجال الأعمال والأحزاب السياسية والاتحادات العمالية» جاء فيها: «أيها اللبنانيون، لن يكون في لبنان استقلال سياسي دون استقلال اقتصادي ولا استقلال اقتصادي دون بيت مال لبناني (بمعنى مصرف مركزي حسب تفسير الكتاب الصادر في العام الماضي باللغة الانكليزية) والا فان كل صناعتنا وتجارتنا وسياحتنا في خطر».