عبدالله قمح – ليبانون ديبايت
سلسلة أحداث حصلت يوم أمس وصبّت في إطار إنهاء الإجراءات السعودية/الخليجية المتصاعدة تجاه لبنان، وقد تراءى بشكلٍ أبعد أنها مقدمة لبنانية من أجل إنهاء ذيول المقاطعة، مدعومةٌ من كوكبة من الدول المؤثّرة التي طرحت في بيروت فكرةً، قوامها تأمين ظروف استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، بصفته سبباً مباشراً للأزمة وكمقدمة علاجية من الجانب اللبناني، ولتترك الأمور بعدها للمعالجة.
اذاً فالإستقالة مطلوبةٌ، كعنصرٍ محرّكٍ لـ”مشايخ الصلح” ، وبعضهم بات يرى في التعقيدات السياسية السعودية تجاه لبنان، أن مداميكها تُبنى على استمرار بقاء قرداحي في منصبه. وطالما الأمر كذلك لماذا لا نقطع عليهم الطريق؟
في الحقيقة، لا زال الشعور هو نفسه لدى الجماعة غير المؤيدة لاستقالة قرداحي، وهي أن السعودية لن تقبل بها كخاتمة للأحداث، بيد أنها في وارد الطلب أكثر.
وبعيداً عن هذه اللغة، بدأت المعالم الأولى لمحاولة “فكّ الحصار السياسي والديبلوماسي السعودي” بالتمظهر، ما يوحي بأن ثمة تفاهماً داخلياً لبنانياً قد أُبرم أو أنه يكاد، بالتعاون مع المرجعيات الرئاسية الثلاث وبالتفاهم مع القوى السياسية الرئيسية، وقد استرعى الإنتباه يوم أمس، طلبُ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من الوزراء، دراسة الملفات التابعة لهم ولوزاراتهم وإعدادها لتكون جاهزة للعرض على طاولة أول جلسة لمجلس الوزراء.
تلك الإشارة التي أوحت بقرب إنضاج الحلّ، جرت مواكبتها بزيارة ميقاتي إلى قصر بعبدا ولقائه رئيس الجمهورية ميشال عون. التسريبات المحدودة ، صبّت في اتجاه إبلاغ ميقاتي لعون، بقرب دعوته لجلسة لمجلس الوزراء دون أن يحدّد موعداً، وفي مكانٍ آخر، كان يردد في مقر الإتحاد العمالي العام الذي زاره، بأن على جدول أعمال مجلس الوزراء أكثر من ١٠٠ بند بحاجةٍ إلى درس وإقرار.
كل هذه الأجواء التي توحي بالحيوية السياسية، زاد من احتمال بلورتها موقفان، الأول صدر عن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، الذي باع الخليج موقفاً يمكن استثماره في مجال تأمين التهدئة، حيث عبّر عن اقتناعه ثم موافقته على استقالة قرداحي كمبادرة للحل. في المقابل حاول التمايز سياسياً عن “حزب الله”، موحياً بأنه لا يشاطره النظرة تجاه ما هو خارج لبنان، قاذفاً الحزب بعبارات الإعتراض العريضة التي لا تُقرأ بتاتاً من زاوية التمايز وإنما إظهار التباين، وقد ختمها بمحاولة لتبرير مواقف سابقة حيال الخليج كان قد اتخذها أو أدلى بها، وما يمنح كل ما قيل وذُكر قيمةً، أنه أتى على صدر صحيفة خليجية كويتية، بينما الموقف الثاني صدر عن القرداحي نفسه حين أوحى بجهوزية لترسيخ حلّ علاجي.
إعادة التموضع تلك، لم تشمل باسيل وحده وإنما قرداحي الذي أزلف موجوداته ضمن “التسوية” المفترضة، حين ركن إلى اقتراح الحلّ الذي كان مرفوضاً سابقاً من قبله والقائل بعرض القضية على جلسةٍ رسمية لمجلس الوزراء، أي الإستقالة، دون أن تُطرح على التصويت وانما للإستئناس برأي الوزراء حيالها، فإن أبوا الإستقالة صُرف النظر عنها، وإن قبلوا مضى قرداحي نحوها باعترافٍ ضمني منه، غابت عنه الشروط التي كانت قد طُرحت سلفاً أو تلك التي كانت تطرح عادة، ما يوحي بأن الرجل قد تراجع خطوةً إلى الوراء، دون معرفة الثمن الذي كان ينادي به عادةً، وهل نالته الدولة أو أنها تقدم خطوتها على أمل نيله لاحقاً؟
وإعلان قرداحي بأنه جاهزٌ لدرس الإستقالة على طاولة مجلس الوزراء واتخاذ القرار اللازم في شأنها بضوء المواقف، يمثّل عملياً إعلاناً لمقدمة التسوية المطروحة، ويعدّ خرقاً في مجال تأمين مخرجٍ للأزمة.
وعلى وقع هذه التطورات التي يُفترض أن تتبلور صورتها النهائية خلال الأسبوع المقبل، تنامى لأحد المعنيين، أن ميقاتي تحرك بشكلٍ متلازم مع ورقة الضغوطات الخليجية الصادرة من الكويت، وملؤه خشية من الثمن الذي سيتكبّده لبنان في حال طالت الأزمة. وكان يطرح دائما مبادرة “مخرج” يستهلّها الجانب اللبناني ولو كلّف ذلك تكبّد الثمن من “الجيبة السياسية”، ولو كلّف اتخاذ “قرار أحادي” لأن المُقبل قد لا يكون أسهل. فهل فعلت “الخطوة الكويتية” فعلها لدى السياسيين سيّما وأن كثراً منهم تجمعهم بالإمارة علاقات فوق الطبيعية؟ عند هذه النقطة تولّد سؤال وإنما قناعة فحواها أن اللجوء إلى “المساعدة الكويتية” لم يكن عبثياً أو اعتباطياً، وإنما لعلمٍ وإدراكٍ سابق لما تمثّله الأخيرة من وزن عند عليّة القوم في بيروت.