عبد الكافي الصمد – سفير الشمال
خَلَط الإقبال الكثيف واللافت للمغتربين اللبنانيين على تسجيل أسمائهم في السّفارات والقنصليات اللبنانية في الخارج، بهدف المشاركة في الإنتخابات النّيابية العام المقبل، أوراق جميع الأحزاب والتّيارات والقوى والشّخصيات السّياسية، بعدما تبيّن أنّ العدد فاق أغلب التوقعات، وأنّ المغتربين أكّدوا من خلال إقبالهم على التسجيل بهذا الشّكل أنْ تكون لهم كلمة مؤثّرة في الإستحقاق الإنتخابي المقبل.
فقد بلغ عدد المغتربين الكلّي عند إغلاق باب التسجيل الأسبوع الماضي 244.442 مقارنة بـ92.810 في انتخابات عام 2018، وفق البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية والمغتربين فجر يوم أول من أمس السّبت، أيّ أنّ 152 ألف ناخب قد سجّلوا أسماءهم زيادة هذا العام مقارنة بأسماء من تسجّلوا قبل أربع سنوات، ما يعني بأنّ تبدّلاً كبيراً طرأ على توجّهاتهم وعلى نظرتهم تجاه وطنهم الأمّ.
هذا الإقبال الكثيف ردّته وزارة الخارجية والمغتربين إلى “تعلّق المغتربين بوطنهم الأمّ، وأهمية مشاركتهم بهذه الإنتخابات”، معتبرة أن “التزايد الكبير في التسجيل خير دليل على هذا الحماس، وعلى رغبتهم الشديدة بالمشاركة في هذه العملية”، ومثمنة “هذا الإقبال للمشاركة في هذه الإنتخابات”، ومشيرة إلى أنّه “بعد الإنتهاء من التدقيق في لوائح المسجلين، ستصدر وزارة الداخلية والبلديات القوائم الإنتخابية الأولية ليُصار إلى تعميمها بواسطة البعثات في الخارج على المغتربين للتأكّد من صحّة القيود والبيانات”.
لكنّ حسابات الأحزاب والتيّارات والقوى السّياسية المتنوعة كانت مختلفة في نظرتها إلى تداعيات هذا الإقبال الواسع للمغتربين على تسجيل أسمائهم من أجل المشاركة في الإنتخابات المقبلة، وهي مشاركة بدأت أكثر من جهة تجري عمليات تدقيق وتقييم لها، من أجل محاولة معرفة توجّهات هؤلاء النّاخبين مسبقاً، وكيفية التعاطي معها.
القراءة الأولية لهذا الإقبال الإغترابي إنقسم الى قسمين: الأوّل رأى فيه رغبة واسعة من المغتربين اللبنانيين بالمشاركة في صنع القرار السّياسي في لبنان، وانتخاب من يرونه مناسباً لهم، بعيداً عن الضغوطات والترهيب والترغيب الذي قد يتعرضون له في بلدهم الأمّ، وعن تأثير هذه الجهة أو تلك عليهم، ووسط أجواء حرية متوافرة في الخارج أكثر ممّا هي في الدّاخل، في ظلّ أجواء نقمة على الطبقة السّياسية بأكملها التي أوصلت البلد إلى هذا الدرك، ما جعل بعض القوى ترى في هذا الإقبال خطوة قد تسهم في هزّ أركان هذه الطبقة السياسة، وصولاً إلى حدّ تحجيمها، أو حتى الإطاحة بها و”الإنقلاب” عليها سياسياً وإنتخابياً إن أمكن، إستناداً إلى العدد الكبير للنّاخبين المغتربين ممّن سوف يكون تأثيرهم كبيراً بلا شكّ في تحديد نتائج الإنتخابات المرتقبة.
لكنّ الرأي الآخر ذهب في الإتجاه المعاكس، إذ ردّ آخرون إقبال المغتربين على تسجيل أسمائهم للمشاركة في الإنتخابات إلى الحملات التي قادتها الأحزاب والتيّارات السّياسيّة في بلاد الإغتراب، وحثّت فيها مؤيديها على التسجيل، وهي خطوة يرون بأنّها جاءت بالنتيجة المطلوبة، وبأنّ هذا الإقبال سيترجم في صناديق العام المقبل، التي ستُظهر أنّ اللبنانيين في الخارج لا يختلفون عن اللبنانيين في الداخل لجهة إنقساماتهم وولاءاتهم السّياسية والطائفية والمذهبية، وأنّ ذلك سيُعزّز وضع الطبقة السّياسية، لا العكس.
أيّ الرأيّين هو الأصحّ؟ لا يمكن حسم الجواب منذ الآن، فالأمر يحتاج بعضاً من الوقت قبل أن تتبلور بوضوح توجّهات هؤلاء المغتربين كي يُبنى على الشيىء مقتضاه.