رنى سعرتي – الجمهورية
«انهيار لبنان: دولة فاشلة أو إصلاحات وتحوّل؟»، عنوان تقرير أعدّه النائب السابق لحاكم مصرف لبنان الخبير الاقتصادي ناصر السعيدي، معدّداً العوامل التي مهدت الطريق إلى الانهيار الاقتصادي، مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للسنة الرابعة على التوالي، بنسبة اجمالية بلغت 42 في المئة منذ العام 2018، مشيراً الى انّ أزمة لبنان المالية هي ثاني أشدّ أزمة وأخطرها في التاريخ بعد تشيلي (1926) التي تراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي فيها بنسبة 46.6 في المئة.
لفت التقرير، الى انّ 4 ركائز رئيسية للاقتصاد اللبناني تتعرّض للدمار: التجارة والسياحة والصحة والتعليم والمصارف والتمويل. حيث حصلت عمليات إقفال وإفلاسات جسيمة في جميع الأنشطة والقطاعات. وتخطّت نسبة البطالة الـ40 في المئة من السكان، في حين بلغت نسبة الفقر 77% وفقر الغذاء اكثر من 45% من السكان. بالإضافة الى ذلك، تهدّد الهجرة الجماعية المستمرة لرأس المال البشري في لبنان (الأطباء والمهندسون والمهنيون..) قدرة لبنان على التعافي في المستقبل.
اما الخوف الاكبر، فهو فقدان الليرة اللبنانية اكثر من 90 في المئة من قيمتها في السوق السوداء في أقل من سنتين، وبلغ معدل التضخم 144% في تشرين الثاني 2021، مقترباً شيئاً فشيئاً من ذروة حديثة بلغت 150%، مما يعني انهيار الرواتب والأجور.
واشار السعيدي، الى انّ التضخم وانهيار سعر الصرف هما بمثابة ضريبة على الدخل تخفض من قيمة الأجور الحقيقية، وبمثابة ضريبة على الثروة. لافتاً الى انّ خفض قيمة الودائع بالدولار الأميركي بنسبة 85% أدّى إلى تدمير الثروة المالية المتراكمة لعدة أجيال من اللبنانيين (بمن فيهم المغتربون).
واعتبر السعيدي انّ الأزمة المالية المندلعة، أشعلها الإغلاق غير المبرر للمصارف في تشرين الاول 2019، وليس التخلّف عن تسديد سندات اليوروبوند، حيث أدّى الإقفال الى خلق حالة من الهلع لدى المودعين الذين تهافتوا نحو المصارف التي منعت السحوبات المالية وفرضت كابيتال كونترول غير رسمي، وتمّ سحق السيولة والإئتمانات، مما ادّى الى انهيار مالي، تلاه انهيار التجارة المحلية والعالمية، في حين تعرّض إجمالي العرض والطلب الى صدمات متتالية. فكانت النتيجة انخفاضاً حاداً في الناتج المحلي الإجمالي.
من ناحية الإصلاحات المطلوبة، ذكر السعيدي في دراسته، الإصلاحات النقدية وسعر الصرف:
– الانتقال التدريجي إلى معدلات سعر صرف مرنة تستهدف التضخم، مع التسلسل المناسب للسياسات. لافتاً الى انّ اسعار الصرف المتعددة تحدث تشوهات في السوق وتحفّز على المزيد من الفساد.
– وقف جميع عمليات مصرف لبنان شبه المالية، والتوقف عن تمويل القطاع العام. يتطلب الإصلاح الجدّي، منظّماً مصرفياً قوياً وصانع سياسة نقدية مستقلاً سياسياً.
تشمل الإصلاحات النقدية ما يلي:
– إصلاح العملة: إصدار عملة جديدة («الليرة الجديدة»).
– قانون جديد للنقد والتسليف.
– إلغاء قانون السرية المصرفية.
– توحيد أسعار الصرف والانتقال إلى نظام سعر صرف مرن يستهدف التضخم.
– هيئة تحقيق خاصة مستقلة.
– المساءلة والشفافية والإفصاح: نشر الحسابات المدققة وقرارات المجلس المركزي وتقديم تقرير عن السياسات المالية إلى مجلس الوزراء والبرلمان.
– إصلاحات الحوكمة: تحديد فترات الحاكم بأربع سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة فقط؛ لا تراكم الوظائف.
– استقلالية لجنة الرقابة على المصارف بما في ذلك الميزانية والتمويل.
– تطوير الأسواق المالية.
– إنشاء محكمة مصرفية ومالية خاصة مستقلة.
الإصلاح المالي في القطاع العام:
إعادة الهيكلة والإصلاحات الهيكلية:
– معالجة التهرّب الضريبي و«الاقتصاد الاسود».
– وضع قاعدة مالية. تحقيق فائض مالي أولي كبير لوضع الدين العام على مسار تنازلي ومستدام.
– الإصلاحات الهيكلية: شركة كهرباء لبنان، والاتصالات، والمؤسسات المملوكة للدولة.
– إنشاء صندوق الثروة الوطني لإدارة جميع الشركات المملوكة للدولة والكيانات الحكومية… ونفط المستقبل وعائدات الغاز. الخصخصة ليست خياراً قابلاً للتطبيق دون إصلاح وحسن حوكمة الشركات المملوكة للدولة والكيانات الحكومية.
– الانتقال إلى الحكومة الرقمية.
– إصلاح نظام الشراء العام (صدر قانون ويحتاج إلى التنفيذ).
– إصلاح الدعم: دعم نقدي ذكي وموجّه / تحويلات مباشرة إلى الأسر.
– نظام التقاعد وإصلاح الحماية الاجتماعية (بما في ذلك شبكة الأمان الاجتماعي)
– مراجعة حجم القطاع العام. معالجة مشكلة «العمال الوهميين».
– برنامج مكافحة الفساد ومبادرة استرداد الأصول المسروقة (StAR).
– إنشاء مكتب دين عام مستقل.
ولفت التقرير الى انّ لبنان يدفع ثمن تثبيت سعر الصرف الثابت والسياسات المالية غير المستدامة. حيث كان من الممكن تجنّب الكساد العميق والانهيار المالي الذي تعاني منه البلاد حالياً، والناتج من السياسات التي انتهجها السياسيون ومصرف لبنان والحكومة، لفرض انكماش حقيقي من خلال ضريبة تضخمية والتحويل الى الليرة.
واشار السعيدي، الى انّ لبنان يشهد انفجار أكبر مخطّط «بونزي» لمصرف لبنان وأكبر اقتطاع للودائع في التاريخ وما نتج منه من نقل للثروات.
مشدداً على انّ الإصلاحات الفورية مطلوبة لتجنّب الخسائر المتزايدة والعقود الضائعة. وقال انّ لبنان يحتاج إلى حزمة إنقاذ مالي بنحو 75 مليار دولار أميركي لاستعادة الاستقرار وإعادة الإعمار: البنوك 20 مليار دولار + البنية التحتية 15 مليار دولار + التحول المالي 10 مليارات دولار + إعادة هيكلة مصرف لبنان بقيمة 10 مليارات دولار + دعم ميزان المدفوعات 5 مليارات دولار + تمويل القطاع الخاص 15 مليار دولار.
ورأى انّ دعم صندوق النقد الدولي أمر حتمي، ولكنه مشروط بالتعهد بمجموعة شاملة من الحوكمة العميقة والاقتصادية والنقدية والمالية والإصلاحات الهيكلية.