الجمعة, نوفمبر 22
Banner

تعديلٌ حكومي أو إستقالة!

يترسّخ الإقتناع بأن الإشتباك السياسي – القضائي سيطول ويزداد عنفاً، ورغم كل “الحوصة” الجارية فإن الحلّ في غير المتناول، لأمرٍ بسيط يتمثّل بعدم القدرة على تحديد الخاسر. وخلافاً لما يبدو للبعض، فإن تحديد هذا الخاسر مسألةٌ فيها حسابات، لذلك يتحاشى أركان السلطة ومنهم صاحبُ الدهاء في تدوير الزوايا، الدخول إلى عميقها، لانها ستفرّغ طبعاً عن أضرارٍ جانبية قد يبدو أن أحداً لا يتحمّلها! لكن عاجلاً أو آجلاً ستنتهي القصة، ولن يطول الأمر حتى يغدو الحلّ متوازناً بين القضيتين، ولو شاء أصحاب المشكل تشتيت الأنظار.

تأسيساً على ذلك، يُصبح “المشكل” مرشحاً لبلوغ مداه، وما يتسرّب من الأقنية لا يبشّر بالخير، وإنما يوحي باشتباكٍ موضعي عريض سيتقدم إلى صدارة المشهد عند عودة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من سفره، تحت عنوان الإشتباك بينه وبين “حزب الله”. فبينما الأول يدفع لإنجاز حلٍّ يكفل انعقاد مجلس الوزراء، يُتهم الحزب من جانب الأول بأنه “يفخّخ” انعقاد الجلسة عبر “كدسات” من الشروط التي يبعث بها، وهكذا كلّه لا يخرج عن مفهوم النزاع الدائر حول عنوان: “من سيدفع الثمن”؟ وفي النتيجة لا بدّ للأزمة أن تنطوي على إظهار خاسرٍ ما ، يُقدّم بصفة مضحّي أو عاجز، ولحينه لم يتم تصريف هذا الفعل لغياب الفاعل.

حتى “العلاج بالحقن” عبر صبحية 22 تشرين الثاني لم تسفر عن شيئ سوى المزيد من التعقيد للملفات ، لينفضّ الإجتماع على وعودٍ وآمالٍ، حملها ميقاتي في بدايته لتتلاشى حين انفضّ الجمع عن بكرة أبيه، وغدا الأطراف في مستهل العودة إلى “دشمهم” السياسية. وهكذا تكون لعنة الرئيس ميشال عون، التي تحول بينه وبين الحكم قد سقطت أيضاً على نجيب ميقاتي، الذي أضحى رئيساً من دون عمل. رئيسٌ أقرب إلى “مانيكان” أو “حانوتي” يدير فصيلاً من الموتى، يجول في دول الخارج من دون صلاحية يتمّمها في الشكل عبر جلسة صريحة ورسمية لمجلس الوزراء.

نظرياً، الرئيس نجيب ميقاتي معطوب سياسياً، وهو بات يذهب في تفصيل قراءته السياسية لما يحدث نحو توافر رغبة في إيذائه معنوياً وسياسياً، إلى حدّ دفعه شعوره نحو الإعتقاد باحتمال سقوط التفاهمات والضمانات التي أتت به رئيساً ومدى انعكاس ذلك على وضعية الحكم . وهل صحيح أن العلاقة ما بين الضاحية وباريس قد تضرّرت لأمرٍ ما، فقضى الظرف بأن يتمّ صرف النظر عن الحكومة؟

سؤالٌ موضعي لا بدّ لميقاتي من أن يحصل على إجابة عنه في الخارج حيث هو الآن، في وقتٍ يرجّح البعض أن يتأخر الجواب حتى يتمخّض عن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرياض شيئ.

وهكذا، تعود الحالة اللبنانية من بوابة الحكومة والأزمة الحالية إلى عنق التدويل، بالتوازي مع تدويلٍ من نوع آخر يلفح الإنتخابات، وتدويل يطال قضية التحقيق في تفجير المرفأ، وتدويلٍ لا يقلّ وطأةً وضرراً يتسلّل إلى قضية التنقيب عن الغاز في البحر، والذي بات موضع تسابقٍ ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وروسيا وحلفائها من جهة أخرى وبينهما الإمارات الباحثة عن “فلتة شوط” للإستفادة منها..

الوضعُ الماثلُ أمامنا بشكلٍ عام، لا يوحي عن حلول قد يكون لبنان في صدد الإستفادة منها، إذ أنه في غياب التفاهمات الداخلية، لن يكون في مقدور الإدارة السياسية العمل والإنتاج، ممّا يفتح الباب على احتمالات أخرى أكثر عنفاً كمثل “الفصل” الذي افتتحه الرئيس ميقاتي على هامش صبحية “عيد الإستقلال” حين أشار تلميحاً إلى “أبغض الحلال” كحلّ للعلاقات المتأزّمة وصعوبة العيش تحت سقف واحد. فهل بات ميقاتي يفكر جدياً في الإستقالة والخروج من دوّامة الحصار وقلّة الفعالية؟

ثمة من ينقل الجواب إلى الأسابيع المقبلة. هذا التحديد مردّه إلى إشارةٍ بأن الأزمة لن تبلغ مداها الأقصى، بل إن “خرقاً” سيحدث في المشهد، يبقى أن طبيعة هذا الخرق تدور ما بين السلبي والسلبي جداً.

وفي وقتٍ تنحو الأزمة إلى بواطن غير تقليدية، يدور عصفٌ حول مخارج “مطروحة على التشاور” وقد تفيد في غرض إحداث فجوة تُعيد تنظيم صفوف المتحاربين، ولا تخرج عن المفهوم اللبناني الدارج، “التوازن في التنازلات”. بهذا المعنى، إرتفع الحديث في الأيام الماضية عن حلٍّ – مخرج يتمثل في إجراء “تعديل وزاري” يشمل مجموعة من الوزراء لا تتعدى الـ 4، موزّعة على أركان الحكم الأساسيين، يبدو أن الغاية منه تأمين مخرجٍ “ناعم” لخروج وزير الإعلام جورج قرداحي من الحكومة، لا يأتي على قدر استفزاز مرجعيته وحلفائه الذين بلغوا السقف الأقصى من الدعم، ويأتي عبر ضمّ آخرين إلى رزمة الحلّ بشكلٍ متوازن.

وبينما غابت التقديرات عن طبيعة الوزراء الذين سيشملهم الحلّ بصفتهم “ضحايا” وهم في الحقيقة “الطرف الأضعف” في الأزمة، استغرب مرجعٌ هذا الحلّ باحثاً عن “صاحب هذه الفكرة العبقرية” ، على اعتبار أن ما بلغ الوزراء أكثر من اجتماعين، فعلى أي أساس يريدون إجراء تغيير وما هي معايير هذا التغيير؟ وكيف يُمكن لنا أن نقدّر أن هذا الوزير سيئ ويجب تغييره” مستخلصاً أن القضية “فيها ظلم، وغير مقبولة لأنها تساوي بين الجلاّد والضحية”. على هذا الأساس، أعاد طرح قضية بديلة، تبدأ من “الضمّ والفرز” في القضيتين عبر حلّ الأولى تمهيداً لبلوغ الثانية، على قاعدة المخرج القانوني للأولى عبر فكّ الإرتباط والفصل بين ملفي الوزراء والنواب و الموظفين العاديين، و طرح الثانية على النقاش ضمن مجلس الوزراء في حالة انعقاده الديموقراطية، والتوصّل إلى حلٍّ موضعي يكون بين استقالة الوزير المعني من تلقاء نفسه أو إعلان اعتكافه النهائي وتعيين “مسيّر للأعمال” عنه بصفته وزير.

 

عبدالله قمح – ليبانون ديبايت

Follow Us: 

 

Leave A Reply