كتبت “الجمهورية” تقول: كيف يمكن للبنان أن يتحرّر من هذا الطوق الخانق الذي يزنّره من كلّ الجهات؟ وهل ثمة باب للخلاص، ام أنّ كلّ أبوابه قد أُقفلت، وليس امام اللبنانيين سوى أن ينتظروا بئس المصير؟
كلّ الأسئلة السوداء باتت مشروعة أمام الإنهيار الذي يهوي بوتيرة مرعبة تنذر وكأنّ النهاية المفجعة لهذا البلد، قد دنت، وأنّ المسافة الفاصلة عن لحظة السقوط المشؤوم صارت تقاس بالأمتار. وفي طريق الجلجلة هذه، يتبدّى جلياً إفلاس القابضين على السلطة من حكّام وسياسيين، ولم يعد للشعب اللبناني المنكوب سوى ان يشارك البابا فرنسيس تضرّعه الى الرب بأن يأخذ لبنان بيده ويُنهضه مما هو فيه. مع الإشارة الى انّ البابا قد جدّد في برقية تهنئة لرئيس الجمهورية ميشال عون بعيد الاستقلال «تعلّقه بلبنان واللبنانيين وبدور وطن الارز الفريد في الشرق الاوسط، وقدرته على تخطّي الإنتماءات الطائفية للسير نحو شعور وطني مشترك».
كذلك، التقى البابا فرنسيس أمس، في الفاتيكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث «تحدثا بإسهاب عن ضرورة استمرار المساعدات الإنسانية للبنان مع التأكيد على ضرورة إجراء الإصلاحات الضرورية في البلاد».
وعلّق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على اللّقاء كاتبا في تغريدة: «إنني على ثقة أنه بفضل النوايا الطيبة والعمل الدؤوب لإثنين من أصدقاء لبنان، قداسة البابا والرئيس ماكرون، سيتمكن لبنان من الخروج من أزمته».
لا ضوابط
المفجع في الوضع الداخلي أنّه أصبح متفلّتاً، فمن جهة عاد وباء «كورونا» ليجتاح المجتمع اللبناني، ويحصد مئات الإصابات يومياً، حيث بدأت الارقام تأخذ منحى تصاعدياً خطيراً، حيث سُجّل امس 1474 اصابة و8 حالات وفاة، ومن جهة ثانية، كل سقوف الضوابط، سواء في السياسة او الاقتصاد، قد تداعت بالكامل. ففي السياسة انقسام وخلافات مفتوحة على مصراعيها، وفي المقابل دولار يكمل إجهازه على الليرة مقترباً من سقف الـ26 الف ليرة، مطوقاً اللبنانيين بمخاوف اضافية وملقياً بهم من جديد في مهبّ الغلاء وجنون الاسعار.
جهات مشبوهة
كل ذلك يحصل، وسط عجز فاضح من السلطة الحاكمة، التي تبدو مصابة بالخرس حيال ما يجري، إذ ليس لديها ما تقوله او تفعله، طالما انّ الازمة خلعت عنها ورقة التوت وكشفت حقيقتها جثة منعدمة الشعور والإحساس والمسؤولية امام ما يصيب البلد وشعبه.
واكّد مرجع مسؤول لـ»الجمهورية»، انّه «طالما انّ الخلافات السياسية قائمة، وانّ سبيل التفاهم ولو على الحدّ الأدنى مفقود بين المكونات السياسية، فلا امل بلجم ارتفاع الدولار».
ووسط هذا الجو، تخوّف المرجع المذكور من أن يبلغ ارتفاع الدولار مستويات جنونية من الآن وحتى آخر السنة الحالية»، لافتاً في هذا السياق الى جهات مشبوهة داخلية وخارجية، تسعى الى دفع الامور في لبنان الى الانهيار القاتل».
يتقاطع ذلك، مع تأكيد خبراء اقتصاديين على «انّ الارتفاع المريب لسعر الدولار، هو خارج عن اي سبب اقتصادي او مالي، بل ارتفاع سياسي متعمّد تدفع اليه بعض الغرف السوداء». وقد اشار الى ذلك صراحة «مصرف لبنان» بقوله، انّ «تطبيقات مشبوهة وغير قانونية كثير منها موجود خارج لبنان، وراءها مصالح منها سياسية ومنها تجارية».
واوضح المصرف، «أنّ الأسعار الواقعية لسعر الدولار الأميركي مقارنة بالليرة اللبنانية هي تلك المعلنة يومياً من مصرف لبنان بناءً على التداول الجاري في السوق والمسجّل على منّصة «صيرفة». وانّ «التطبيقات التي تعلن عن الأسعار من دون أن تشير إلى حجم العمليات التي أدّت إلى هذه الأسعار، تقود الأسواق ولا تعبّر عن واقع السوق وحجمه الحقيقي».
مشهد أسود
أمام هذه الصورة، من غير المعروف ما هو الأقسى والأصعب على المواطن اليوم؛ هل استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار، بلا رقيب أو حسيب، الامر الذي أدّى الى تدهور اضافي في القدرات الشرائية للناس، وزاد نسبة الفقراء؟ أم هو مشهد الفراغ القاتل، حيث تبدو مظاهر الدولة في انحلال تام، حتى بات اللبناني يشعر انّه متروك لمصيره. لا دولة، ولا من يحزنون.
فسعر صرف الدولار تجاوز امس الـ25 الف ليرة، في مشهد سوريالي، حيث أصبح معه الحدّ الأدنى للاجور حوالى 27 دولاراً. وأصبح بذلك لبنان من افقر الدول في العالم، إن لم تكن الدولة الأكثر فقراً. وبما انّ معيار الفقر المدقع بالنسبة الى البنك الدولي هو دولاران في اليوم، فهذا يعني انّ اللبناني الذي يتقاضى الحدّ الأدنى للأجر، يعيش تحت مستوى الفقر المدقع بأشواط. وهذا يعني انّ قسماً كبيراً من اللبنانيين باتوا يعانون الجوع بمفهومه الحقيقي، ويكتفون بوجبة طعام واحدة في اليوم.
على انّ ما ينبغي لحظه في هذا المشهد الاسود، هو انّ ما يجري اليوم قد جرى مثله في الصيف الماضي، فهل نسي اللبنانيون انّ سعر الدولار سبق ووصل الى 24 الف ليرة، في تموز الماضي، قبل ان يتراجع بعد ذلك، ويصل الى 14 الف ليرة عقب تشكيل الحكومة، ليعود ويقفز تباعاً الى 25 الف ليرة، وقد يستمر في الارتفاع. ولماذا الاستغراب لوصول الدولار الى هذا السقف؟ فهل انّ الوضع اليوم افضل سياسياً ومالياً واقتصادياً مما كان عليه في تموز الماضي مثلاً، لكي يأمل المتابعون ان يتوقف الدولار عند حدٍ معيّن؟
بطاقة تمويل… وأجور
في السياق، ولكي يكتمل النقل بالزعرور، يبدو انّ مشروع البطاقة التمويلية الذي كان يفترض ان يقي الفقراء شرّ الجوع، يتلاشى يوماً بعد يوم، وتحول الى قصة ابريق الزيت. كل طرف يرمي المسؤولية على الطرف الآخر، والنتيجة ان لا بطاقة تمويلية في الأفق.
أما زيادة الاجور التي تتباهى الحكومة بأنّها حرّكت لجنة المؤشر من اجلها، فقد تآكلت قيمتها بما يفوق المساعدة المطروحة، وبالتالي، ستأتي، اذا أُقرّت، متأخّرة وبلا اي نتيجة، بما يعني عملياً انّ مؤسسات الدولة برمتها ستبقى مشلولة كما هي الآن، حيث لا ادارات رسمية تعمل، سوى في ظروف استثنائية جداً. وكل معاملات المواطنين معطّلة، والعمل الرسمي غائب، ولا من يسأل. انّها دولة اللادولة، والآتي أعظم.
السياسة.. غموض
سياسياً، على رغم الانصراف العام الى ترقّب ترجمة نتائج ما اتفق عليه الرؤساء الثلاثة في لقائهم الاخير في عيد الاستقلال، الا ان مصادر سياسية مسؤولة اكدت لـ»الجمهورية» ان لا مؤشرات ايجابية حتى الآن حول اي انفراج على الصعيد الحكومي، وكل ما قيل في هذا السياق لا يعدو اكثر من فرضيات غير مبنية على اسس جدية».
ولفتت المصادر الى ان «الوضع الحكومي ما زال مطوقاً بالعقبات ذاتها التي حالت دون انعقاد مجلس الوزراء، سواء في ما خص التحقيق العدلي في ملف مرفأ بيروت ومصير المحقق العدلي طارق البيطار، اضافة الى العقدة الكبيرة التي استجدت مع القطيعة السعودية والخليجية مع لبنان على خلفية تصريحات الوزير جورج قرداحي».
ولفتت أيضاً الى «ان الموقف القضائي الاخير الذي تجلّى بردّ محكمة التمييز لدعاوى مخاصمة الدولة قد يعقد الامور اكثر، داعية الى انتظار ما يستجد حيال هذا الامر خلال الايام المقبلة». مشيرة في الوقت نفسه الى ان المخرج للازمة القضائية والحكومية يقوم من خلال واحد من أمرين:
الاول، عبر مبادرة وزير العدل الى اجراء معيّن بحق المحقق العدلي، على اعتبار ان المحقق العدلي يعيّن بقرار من وزير العدل. وبالتالي، فإن صاحب الصلاحية بالتعيين بقرار، له الصلاحية بأن يعدل في هذا القرار اذا ما وجد في قرار التعيين انحرافا او اسبابا موضوعية للشك والريبة من المحقق العدلي المعين. الا ان هذا الطرح يصطدم بموقف حكومي يقول بعدم جواز التدخل في شأن السلطة القضائية ورئيس الجمهورية يؤيد هذا التوجه بقوة.
اما الثاني، فيقول بالفصل في ملف التحقيق، عبر عقد جلسة لمجلس النواب يصار فيها الى احالة المدعى عليهم (الرئيس حسان دياب والوزراء السابقون علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق ويوسف فنيانوس) الى المحاكمة امام المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وافادت المصادر ان هذا الامر جرى التداول به عميقاً في اللقاء الثلاثي بين الرؤساء ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي، وهو ما يزال محل متابعة حتى الآن، خصوصا ان ثمة من يتحدث عن امكان مبادرة الرئيس بري، وانطلاقاً من تأكيده على احترام الاصول الدستورية والقانونية والالتزام بها، الى تحديد جلسة عامة لمجلس النواب لهذه الغاية، بعد انتهاء السفرات الرئاسية، وقد يحضرها نواب تكتل لبنان القوي». واشارت المصادر الى ان هذا الامر إن حصل، سيؤسّس الى حلّ مواز مرتبط بالازمة الديبلوماسية مع السعودية وبعض دول الخليج، حيث يصار بعد الجلسة النيابية والتصويت على احالة رئيس الحكومة السابق والوزراء السابقين على المجلس الأعلى، الى عقد جلسة لمجلس الوزراء، يبادر بعدها وزير الاعلام الى تقديم استقالته، ليتم بعد ذلك تعيين وزير بدل عنه مقرّب من رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
المردة
الا ان مصادر في تيار المردة اكدت لـ»الجمهورية» اننا «لسنا معنيين بكل الفرضيات التي تطرح من هنا وهناك، والوزير فرنجية قال من البداية انه لن يقبل بأن يقدّم الوزير قرداحي كبش فداء لأحد، وبالتالي هو لن يضغط على وزير الاعلام لكي يقدم استقالته، فهذا الامر عائد للوزير، وهو يحترم اي موقف يصدر عنه، علماً ان الوزير قرداحي قد حدّد موقفه علناً بأنّ الازمة ليست متعلقة بتصريح ادلى به، بل هي مرتبطة بما هو ابعد من ذلك، وصولا الى الحكومة والوضع السياسي القائم في لبنان».
«حزب الله»
ويتناغم موقف المردة مع موقف «حزب الله» حيث اكدت مصادر كتلة الوفاء للمقاومة لـ»الجمهورية» اننا «من حيث المبدأ نحن ضد استقالة الوزير قرداحي، وقناعتنا انه لم يخطىء، وانسجاماً مع قناعتنا هذه، فإننا لن نطلب منه ان يستقيل، ولن نقوم بأي دور علني او غير علني لحمله على الاستقالة، وفي الخلاصة الوزير صاحب القرار ونحن معه في اي قرار يتخذه».
القضاء.. تململ
في هذا الوقت رسمت علامات استفهام كثيرة حول مبادرة بعض القضاة الى تقديم استقالاتهم، وتخوّفت مصادر قانونية مما سمّتها حملة لتهشيم السلطة القضائية وضرب استقلاليتها ومعنوياتها وكسر هيبتها ومصداقيتها في مقاربة اي من القضايا والملفات الحساسة.
واعربت المصادر عن خشيتها من ان تكون خلف هذه الاستقالات اصابع سياسية، وقالت إن القضاء بصورة عامة يمرّ في في هذه الفترة في أسوأ مراحله على كلّ المستويات، خصوصاً في ظلّ المداخلات السياسية وغير السياسية التي تتعرض لها السلطة القضائية من جوانب مختلفة، والضغوط التي تمارس على بعض القضاة للتأثير عليهم وترهيبهم في محاولات مكشوفة لحرف التحقيق في الاتجاه الذي يخدم مصلحة هذا الفريق السياسي او ذاك»، مشيرة في هذا السياق الى ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، «وما يحيط به من التباسات تؤثر في مجرى التحقيق العدلي».
وخلصت المصادر القانونية الى التحذير من «ان القضاء الذي يشكّل الركيزة الأساسيّة في لبنان يحدق به خطر حقيقي»، كاشفة «ان الجسم القضائي في حال تململ جدي مما آل اليه هذا الوضع، وهو امر قد لا يطول معه الوقت ليؤدي الى صرخة قضائية عالية امام الاستهداف المتمادي للسلطة القضائية».
ودعت المصادر السياسيين الى ان يَعوا هذا الواقع، والتأكيد فعلاً لا
قولاً بأنّ حصانة القضاء فوق كل اعتبار، فإذا كان القضاء محصناً، فهذا يعني ان لبنان محصن والعكس صحيح، وهذا يوجب على السياسيين رفع ايديهم عن القضاء وابعاده عن التجاذبات السياسية، والكفّ عن المداخلات وافتعال العراقيل، ومحاولة تسييس الملفات والتشكيك بكفاءة القضاة ونزاهتهم».
وفيما افيد بأنّ استقالة القاضية جانيت حنا لها علاقة بملف التحقيق بانفجار مرفأ بيروت والتدخلات السياسية في هذا الملف، وانّ استقالتي القاضيتين كارلا قسيس ورلى الحسيني تعودان الى أسباب خاصة، استنكر «نادي قضاة لبنان» في بيان «التعرض لخيرة القضاة وإطلاق التهم بحقهم جزافاً سواء في الشارع أو مباشرةً»، معتبرا انّ هذا التعرض «أصبح موضة رائجة تمسّ بهيبة القضاء وبشخص كل قاض على حدّ سواء، ففي الأمس القاضي جناح عبيد، واليوم القاضي فؤاد مراد، ومن يعلم ضحية الغد من تكون؟».
واشار الى «أن نادي قضاة لبنان لطالما ناصر قضايا المواطنين المحقّة ورفع الصوت ضد الظلم في غير موضع، وانطلاقاً من قناعاته هذه، اكد انه لا يمكنه أن يرضى بأن يطاول الظلم القاضيين المذكورين المشهود لهما باستقامتهما ومناقبيتهما، فالتاريخ المشرّف لا تلوّثه افتراءات عبثية».
ولفت في هذا السياق ما تخوّف منه «ائتلاف استقلال القضاء» ان تكون هذه الاستقالات باكورة لاستقالات جماعية أخرى تنتهي إلى «تطهير» القضاء من أفضل نسائه ورجاله».
واشار الائتلاف الى ان هذه الاستقالات هي بمثابة إنذار بليغ على ما قد يتسبب به الانهيار المالي والاقتصادي من انهيار داخل المرفق القضائي، وايضا بمثابة إنذار موجّه إلى القوى السياسية الحاكمة، من خطورة استمرار الحملات المُمنهجة ضد كل قاض يتجرأ على نظام الحصانات والإفلات من العقاب، والتي تجلّت في أوضح صورها بمناسبة قضية تفجير المرفأ».
وحذر الائتلاف «من مغبّة استمرار الحملات الممنهجة والهادفة إلى ثني القضاة عن القيام بوظائفهم وصولا إلى حماية نظام الإفلات من العقاب. فبمعزل عن المكاسب السياسية التي قد يحققها آنياً مطلقو هذه الحملات، فإن الأفق الوحيد لها هو تدمير المؤسسات والمزيد من العصبية واللادولة».
وندّد «باستمرار القوى الحاكمة في سياسة الإنكار، متجاهلة الانهيار المالي والاقتصادي وتداعياته فضلاً عن الحاجة الملحة لتدابير طارئة لضمان استمرارية المرافق العامة الأساسية، وفي مقدمها المرفق العام القضائي».
الخارجية الأميركية
وليلاً، أكّدت وزارة الخارجية الأميركية، أنّ «حزب الله هو منظمة إرهابية خطيرة تهدد سلامة المجتمع الدولي، وتقوّض سيادة الدولة اللبنانية».
ورحبت الخارجية الأميركية «باعتزام أستراليا تصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية»، مشيرة إلى أنّ «التوقف عن الفصل بين الجناح العسكري لـ»حزب الله» وبقية المنظمة خطوة مهمة للأمام».