كاد حاكم “المركزي” رياض سلامة في معرض تبريره الارتفاع “الجهنمي” في سعر الدولار أن يستعير القول الشهير للرئيس جمال عبد الناصر ويقول: “لا صوت يعلو فوق صوت” منصة SAYRFA، بدلاً من “المعركة”. فكما أطلق الأخير الشعار في العام 1967 ليكمّ الأفواه ويمنع مراجعة الأخطاء والتقصير الذي أودى للهزيمة، كذلك يفعل سلامة اليوم. فأصدر بياناً عن مصرف لبنان اعتبر فيه أن “صيرفة هي المنصة الوحيدة التي تعلن عن سعر الدولار”، متغاضياً بذلك عن سنوات من سياسة تثبيت سعر الصرف بشكل غير قانوني، وعرقلة التدقيق الجنائي، والتقصير الفاضح في إقرار قانون “الكابيتال كونترول”، وتغطية فشل المنظومة ودعمها لعدم القيام بالاصلاحات، وانتهاك الاحتياطي الإلزامي، وطبع الليرات من دون هوادة.
“هذه الأسباب التي أودت بالليرة إلى الانهيار وليس GOOGLE و FACEBOOK وغيرهما من المواقع التي حمّلها البيان مسؤولية الانهيار نتيجة عدم حجبها تطبيقات سعر الصرف”، يقول خبير اقتصادي، لافتاً إلى أنه “أمام الانعدام المطلق للثقة بالمنظومة السياسية والمصرفية، والحاجة الكبيرة للدولار لتأمين المستوردات الأساسية من مشتقات نفطية وأدوية وأغذية… يصبح ارتفاع سعر الصرف القاعدة وليس الشواذ”. وما قد يثير الاستغراب في ظل هذه الظروف هو انخفاض الدولار وليس تحليقه عالياً بـ”جناحي” العوامل الموضوعية والظروف النفسية. مصادر التجار تفيد بأن الطلب على الدولار في أوجّه لدرجة تدفعهم كل يوم إلى رفع السعر لتأمين المبالغ المطلوبة، وإلا لا يحصلون من الصيارفة على ما يحتاجونه من عملة صعبة لتأمين مستورداتهم التي يقدر متوسطها بـ 50 مليون دولار يومياً. في المقابل يلفت أحد الصرافين إلى أن المواطنين يحجمون عن بيع الدولار في مرحلة الارتفاع إما لخوفهم مما قد تحمله الأيام القادمة، وإما لتأملهم بالمزيد من الإرتفاعات. وعلى هذا الأساس يصبح الطلب أكثر من العرض فيرتفع السعر تلقائياً.
في المقابل “كذبت” المنظومة السياسية والنقدية على المواطنين بمنصة صيرفة و”صدقت كذبتها”. معتبرة أن طلباً بين 4 و9 ملايين دولار على “المنصة” من دون أي عرض هو كل ما يحتاجه السوق اللبناني. في حين أن ثلاثة أرباع المصارف، وكل محلات الصيرفة لا تسجل عملياتها على المنصة. ولو أرادت فعلياً أن يكون للمنصة دور لكان “المركزي” ضمنها كل العمليات التجارية والفردية من دون استثناء. مع العلم أنه بحسب الخبراء فانه حتى مع مثل هذه الخطوة فان الطلب على الدولار سيبقى أعلى بكثير من العرض ولن يتأثر السعر كثيراً، إنما الفرق يكون عندها بالشفافية.
مع حالة عدم اليقين التي تسيطر على السياسة والإقتصاد، من المتوقع أن يستمر سعر الصرف بالارتفاع من دون استبعاد أن يلامس عتبة 30 ألف ليرة قبل نهاية العام. وعندما يصل إلى هذه المرحلة من “النضج” أو الإشباع ويصبح الوقت ملائماً لـ”القطاف”، يستفيد من أي حدث إيجابي مصطنع أو طبيعي، ليبدأ بالتراجع، متغذياً من ارتفاع عمليات البيع. فيرتد إلى الرقم الأقصى الذي وصله قبل الارتفاع الصاروخي، كما يقول دائماً الأمين العام السابق لاتحاد البورصات العربية والخبير المالي د. فادي خلف. و”هذا الرقم يختلف بحسب السقف الذي ممكن أن يصله، من دون الاستبعاد أن تكون “الردة” على رقم يتراوح بين 23400 و25 ألفاً. مع التأكيد أنه لن ينخفض عن 21500 ليرة. هنا، يرتاح قليلاً على هذه الدرجة ليستأنف مشواره التصاعدي جرياً على عادته منذ بداية الأزمة”.
أمام العوامل الموضوعية وانهيار الثقة يصبح الصاق تهمة ارتفاع سعر الصرف بالتطبيقات كمن يحاول “تغطية السماوات بالقبوات”. وعدا عن أنه يستحيل تغطيتها فان “هذه التبريرات دليل قاطع على انعدام النية بالاصلاحات”، بحسب ما يعتقد الخبراء.
نداء الوطن