السبت, نوفمبر 23
Banner

الأديب الناقد عماد الدعمي يكتب قراءة في (مرايا الشمس) مجموعة شعرية للشاعر اللبناني محمد حسين بزي

إن النص الشعري المؤثر تكمن قوته في هز وجدان المتلقي أيا كان غرضه وهذا التأثير يحتاج قوة شعرية هائلة لا تزول على مدار السنين والدليل أننا ما زلنا نستشهد بالشعر في كل حين ، وقد يمر حينٌ طويلٌ لتستشهدَ الأجيالُ بشعرِ الشعراءِ المعاصرين .
وما يلفت الإنتباه حينما تقف على الشاعر العربي ستجد ذلك الحزن الطاغي على أشعاره ولستُ مستغربا لذلك، لما يمر به الوطن العربي من نكبات وأحداث ومجريات تعود سلبا بكافة مفاصل الحياة وأخص منها الاجتماعية المؤثرة على الذات الشاعرة ، حينها تتقدُ القريحة الشعرية فتفيض حزنا ، ورغم أن الأوضاع السياسية التي تمر بها بلداننا العربية قد أثرت على نفسية الفرد العربي سلبا، إلا أن المتلقي العربي مازال يتذوق الشعر وقد يُحسب ذلك للغة الساحرة وقوتها ومدى حيويتها ، فقد ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن من البيان لسحرا ومن الشعر لحكمة )) . وقد يُحسب لتأثير الشعر ومدى سطوته على النفس ، ناهيك أن الشعر العربي يعد مصدرا مهما من مصادر اللغة العربية لما فيه من حكمة وموعظة وتعليم وتهذيب وتوثيق وقائع وأحداث ومجريات مهمة وبهذا يتحقق بأن الشعر ديوان العرب من دون منازع .
( مرايا الشمس ) عنوان جدير لمجموعة شعرية كان علينا أن نتمعن فيها لنستخرج ذلك النور المعكوس من تلك المرايا .
قال في قصيدة ( هي النساء جمعيا ) ص ١٧
وكيف يغفو الذي عيناهُ تٌشبهني
يساهرٌ الليلَ حتى ينزوي القلقٌ
ويجتبي من معين العشق منهلهُ
ومن خوابيه زهوُ العمر يندلقُ
من لي بعشتارَ تغفو عند ناصيتي
إذا الصبابة اغوتها فتنعتقُ
من قال إن الأضاحي جلُّ مملكتي
ففي رحابي تآخى السيفٌ والعنقُ
إني أرى الشعر سيفُ العشق شفرتُه
والخمر ديدنُهُ والريحٌ والألقُ ….
إستفهام جميل بكيف ، ثم تجسيد القلق للطرفين فهما معا في ذاك العشق المندلق ثم الإنتقال إلى أمنية قد لا تتحقق بصيغة السؤال فهو الباحث عن عشتار آلهة الحب بطريقة رائعة وللغاية ثم تصوير تآخي السيف والعنق وهي كناية عن السلام الذي يعيشه ويقطن بداخله، ثم تشبيه للشعر الذي يفك شفرته العشق والخمر والريح والقلق . تمعن في التوظيف ستجد البراعة .
محمد حسين بزّي في مرايا الشمس كان عاشقا عذريا وفي أحيان صوفيا محلقا في مدارات عالية بعيدة عن عالمنا المشحون بالوجع وقد دلّت لغته على ذلك ..
قال في قصيدة ( العشق الحرام ) ص ٢٣
امرأةٌ تسكنُني بجنون الروحِ
لتشعلَ قنديلا من زيت الإحراقْ
والحِسُ بدا فوضى …
العمرُ يزورك ثانية
دبت في أعماقي أنفاس الليمونْ
وانتفضت أشجار البستانْ
ببقايا شجرة …..
كان للطبيعة حركية صورية في المقطوعة موظفها بطريقة جميلة .. القنديل .. الليمون .. الأشجار ، كما للعنوان العشق الحرام دلالات عميقة تدل على العذرية التي تسكنه.
لا بد من التطرق إلى عملية الإشتغال عند الشاعر فالبزّي كان مشحونا بطقوس عالقة بذهنه ومصدر تلك الطقوس هو الحب العالق بذاكرته حتى أنه استشهد بعشتار الأسطورة لأكثر من مرة ، للعلم أن الذاكرة المشحونة بحدث يكون نتاجها وفيرا لتأثيرها على الأنا الشاعرة .
قال نثرا تحت عنوان ( هيّا ارقصي ) ص ٩٦
وغلالُ قلبي بين يديك وفيرةٌ
فمتى يأتي الحصاد ؟
وأنا القاصدُ فيكِ ما فات من عمري
وشعري الذي لم يقرأ بعد
بين تمتمات اللوز التي كانت بيننا
توزع الهمس فوق شفتينا
واحلامنا التي كانت تلهو ببحار الحكايا ..
خطاب سيرذاتي سرد فيه ما بات مخزونا في الذاكرة متلاعبا بالزمن المفعل بالحياة ، فالغلال في الماضي بعدها ينتظر الحصاد في المستقبل بإستفهام جميل ثم القصد وذاك الشعر الذي جزمه بأن لا يقرأ ، وتلك التمتمات التي كانت بينهم وهي توزع الهمس في الماضي ولكن بلغة الحاضر وتلك الأحلام التي مضت مع حكايات المبحرين .
ذاكرة مشحونة وظفها بجمالية عالية بواسطة الأفعال الحركية التي جسدت ورسمت وعبرت عن الكثير مما بداخله .
لقد أشتغل محمد حسين البزّي في مجموعته الشعرية على عدة محاور منها الذاكرة كما ذكرنا وفي أحيان الانفعال الداخلي الذي صاحب الأنا الشاعرة وعلى وعاء التجربة التي رافقته ومنحته هذا النتاج المملؤء بالتساؤلات الدالة على تجربتة والتي كشفت لنا تلك الطاقة الشعرية الكبيرة وتلك الآفاق التي ساهمت في تفعيل فعاليته الشعرية.
لم تخلُ مجموعته الشعرية من صور بلاغية رائعة كالإستعارة والكناية والتقديم والتأخير .
وكان للتشبيهات الأثر الواضح في جماليات المجموعة،  ناهيك عن سلاسة اللغة وزج القليل من الرمزيات الباعثة للتأويل .
صدر المؤلف من دار الأمير بيروت لعام ٢٠١٦ ووقع في ١١١ صفحة موزعة على قصائد عمود وقصائد تفعيلة وما يسمى بالنثر .
مبارك وإلى مزيد من التألق .

Leave A Reply