السبت, نوفمبر 23
Banner

ما سقف ارتفاع الدولار… ومن يتحكّم به ؟

من يتحكم بسعر صرف الدولار في لبنان؟ وهل سيخف جنونه؟ وما سبب قفزاته الفجائية؟

أسئلة كثيرة تطرح، والإجابات عنها تختلف حدّ التناقض دائماً، وذلك تبعاً للهوى السياسي لمن يقرأ ويحلّل.

ومن يتابع أخبار السياسة في لبنان، يرى موجات صاخبة من الإستنكارات والتنديد من السياسيين إزاء تدهور القيمة الشرائيّة لليرة اللبنانية وحالنا معها، وكلّ يلقي كرة الاتّهام في ملعب الآخر. أمّا المواطن الذي أصبح أسير القلق اليومي من تذبذب سعر صرف الدولار، وما يتكبدّه من قهر نفسي وعجز مادي، فيعرف الإجابة جيّدا، فالتناحر السياسي هو علّة العلل في لبنان منذ قيامة هذا البلد.

واقعياً، اللااستقرار السياسيّ هو السبب، فيما التطبيقات الافتراضيّة هي الآلية العملية لاضطراب الدولار، فأصبح عالم من الوهم هو المسؤول عن جعل واقعنا اشبه بسراب يفوق ذلك العالم أحجاماً.

تطبيقات المصرف!

وفي هذا المجال ، قال الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور وسام إسماعيل لـ «الديار» ان آليتين تتحكمان بسعر الصرف:

– الأولى ترتبط بمصرف لبنان وهي إرادية عن طريق التطبيقات الإلكترونية، مؤكدا أنّ هناك رأسا واحدا يتحكم بها، بدليل وجود سعر صرف واحد للدولارعليها يرتفع وينخفض بالقيمة واللحظة نفسيهما، شارحا أنّ مصرف لبنان يعاني من أزمة سيولة، وهو الوحيد الذي يحق له قانونيا أن يضخ ويسحب الدولار أو الليرة من والى السوق.

– الآلية الثانية غير إرادية ترتبط بالظروف السياسية، فالدولار يتأثر بحجم الثقة والأمان عند الناس بالمحطات السياسية كتشكيل الحكومة أو عدمه، لافتا إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية بإمكانها أن تتحكّم بسعر دولار لبنان عن طريق منع التحويلات عنه، كما المملكة العربية السعودية من خلال التهديد بمنع تحويل الودائع إليه.

ومن تداعيات رفع الدعم على سعر الصرف، أوضح إسماعيل أنّه أدّى الى زيادة الطلب على الدولار، فالشركات أصبحت بحاجة لسحب الدولار من السوق، ولوحظ حين تحدث حاكم مصرف لبنان أنّ على شركات النفط تأمين 10% من قيمة النفط بالدولار كيف أثر ذلك في سعره، فالمشكلة هي أنّ سياسة مصرف لبنان عنوانها رفع الدعم وليس تعديل آلية رفع الدعم، ما معناه أن المصرف لن يضخّ الدولار في السوق، ما سينعكس على سعر الصرف.

الدولار والانتخابات

يتخوّف الناس من أن يكون إرتفاع الدولار مرتبطا بالإستحقاق الإنتخابي، وما إذا كان الأخير سيستمر في الإرتفاع حتى موعد إجرائها، لذلك توقع إسماعيل ألا تُهدّىء القوى الدولية -التي تريد كسر حزب الله- الوضع قبل الانتخابات النيابية، وأنّه ليس لمصلحتها، علما أنّ ليس من مصلحتها ايضا أن ينفجر الوضع وينزل الناس الى الشارع منعا لتطيير الإنتخابات، ولفت إلى من يدير عملية الضغط وتأزيم الاقتصاد كمن يسير على حافة الهاوية، لأنّه في أيّ لحظة يمكن الا يبقى هو المتحكم في مسار الأمور.

من المسؤول عن جنون الدولار؟

الباحث الإقتصادي وخبير مخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي إستعرض لـ «الديار» عوامل إقتصادية وسياسية مســؤولة عن ارتفاع الدولار، الأولى تحدد سعر الصرف لجهة العرض والطلب، فيما الثانية تدخل في سياق السياسات النقدية والإستقرار المالي في البلاد، ولبنان يفقد كل ذلك، فيما يتجاوب المواطن اليوم مع ما يتم تداوله على المنصات الموجودة على وسائل التواصل الاجتماعي وكل ما يتوافر من معلومات عبرها هو سعر صرف، مؤكدا عدم وجود منطق اقتصادي يحرك سوق الصرف السوداء او السوق الموازية.

ويعيد فحيلي إنشاء سوق لمحتكري الدولار في لبنان، إلى إستغلال خوف المواطن، ورأى أنّه عندما يتوافر إستقرار سياسي يستقر سعر الصرف، وعندما يحدث أي توتر سياسي تحصل قفزات، وأعطى مثالا حول انخفاض سعر الصرف إلى 13000 ليرة ، حين تشكلت الحكومة، بالتلازم مع تصريحات سياسية ايجابية، مشيرا إلى أنّه حين انتفت هذه الايجابيات بسبب التعاطي مع ملف تحقيق المرفأ بيروت وأحداث الطيونة وعلاقة لبنان بدول الخليج وتصريحات سياسية لم تترجم عمليا كالبطاقة التمويلية وغيرها، عاد عامل الخوف فأشعل المحتكرون سعر الصرف مجددا، مشددا على أنّ المعالجة تتمثل بالقضاء على عامل الخوف، ولافتا الى أن لحظة الدعوة واجتماع مجلس الوزراء سيهبط السعر، والأمر نفسه عند انطلاقة البطاقة التمويلية.

هل يمكن أن يتجاوز الدولار 30 أو 50 ألفا؟

يشرح فحيلي أنّ الحديث عن سقف لسعر الصرف يصحّ في حال وجود معطيات اقتصادية معينة، فالمعطى الاقتصادي الوحيد الموجود في السوق اليوم هو طلب مصرف لبنان من تجار المحروقات تأمين 10% من الفاتورة بالدولار لتمويل فاتورة استيراد المحروقات، وهذا لا يشكل عاملا قويا لتبرير الإرتفاع المفاجىء لسعر الصرف، متوقعا أن تكون حدود ارتفاع الدولار أكثر أو أقل بقليل من 25 الف ليرة، على أن يعود للإنخفاض مجددا، وليس بالضرورة هبوطه سعر الصرف لـ 9000 أو 12000 ليرة.

وفي رصد لحجم التأثيرات الإقتصادية لتذبذب سعر الدولار، يقول فحيلي إننا كنا نملك اقتصادا بحجم 60 مليار دولار، وودائع بحدود 170 مليار دولار واستيراد بين 22 و25 مليار دولار سنويا، ألا أنّ كل هذه المؤسسات تضخّمت، فأهملت الدولة إيراداتها وانخفضت الودائع لما دون الـ 100 مليار، فهبط الناتج القومي من 60 الى 18 مليار دولار، وفي ظل هذا الواقع لا يمكن أن تبقى هذه المؤسسات على حجمها، ويجب أن تتقلّص، وإلا لن يقدر الإقتصاد على تمويل ذاته.

ماذا يريد صندوق النقد الدولي ؟

يوضح فحيلي أنّ هدف صندوق النقد الدولي عند التفاوض مع أي دولة، أن يتأكد من عدم تكرار أداء السلطة السياسية الذي أوصل البلد لأزمته وذلك عبر الإصلاحات، والتأكد من قدرة الدولة على تسديد قروضها، وأن يشهد تعزيز الدولة لايراداتها وترشيد نفقاتها من خلال التعاطي المسؤول مع أملاكها البحرية واقرار نظام ضريبي وترشيد الإنفاق، واعتبر أنّ الوقت حان لتباشر الدولة الاصلاحات وتقدّم انطباعا إقتصاديا ايجابيا، ما سينعكس بدوره على سعر الصرف فتنطلق عجلة الاقتصاد، حينئذ يطمئن المجتمع الدولي ويلمس الصندوق جدية السلطة، فيعطيها براءة ذمة ما سيشجع دولا كثيرة على مساعدة لبنان .

ويؤكد فحيلي أنّ » ما في شي إسمه تثبيت أو تحرير سعر الصرف»، فهناك إصلاحات يجب أن تقر وتنفذ، ما يؤدي الى استقرار سعر الصرف ويعطي انطباعا وكأنّه ثابت، لافتا إلى أنّ تثبيت سعر الصرف على 1500 ليرة هو خارج التداول نهائيا سواء من جهة صندوق النقد الدولي أو من أيّ جهة.

وعمّن يقول إنّ السعر الحقيقي للدولار هو بين 6000 و7000 أردف فحيلي:» لا اعرف من أين يأتون بهذه الأرقام 6000 او 7000 ليرة كسعر دولار؟» وتابع بأنّه اذا كان لا بدّ من تحديد سعر للدولار في ظل استقرار سياسي يكون نحو 13000 ليرة أقرب إلى الواقع من 6 و7 آلاف ليرة.

وما يساعد على هبوط سعر الدولار، تبعا لفحيلي، يتمثل باستعادة النشاط والنمو الاقتصادي وبناء الثقة بالقطاع المصرفي، فالاصلاحات هي المفتاح لكل شيء. وشدد على أنّ الإستقرار السياسي هو مفتاح استقرار الدولار، مؤكدا أنّ الحديث اليوم يجب أن يكون حول استقراره وليس هبوطه، فإذا استقر على 7000 أو 12000 او 25000 سيحمل الإيجابية نفسها، فذلك سيمكن التاجر من تثبيت سعر البضاعة وسيتمكن المواطن من موازنة إستهلاكه ليتناغم مع قدرته الشرائية، وستتمكن الدولة من إصلاح الرواتب.

وتمنى على المواطن ألا يدخل في أي مضاربة، فلا يشتري أو يبيع الدولار كي يربح لأنّه لا يتغير بطريقة منطقية، مؤكدا أن يصرّف دولارات وفق حاجته لعدم تشجيع اصحاب المؤسسات على التمادي بتسعيرالبضائع بالدولار سواء كانت محلية أو أجنبية .

وحول احتمال استمرار ارتفاع سعر الصرف الى حين الانتخابات النيابية، تمنّى فحيلي ألا تؤجل السلطة السياسية الاصلاحات حتى موعد الانتخابات، فهذا يعني استمرار اللااستقرار على الساحة السياسية، ما سينعكس اضطرابات بسوق الصرف والساحة مفتوحة على كل الاحتمالات!

يمنى المقداد – الديار

Follow Us: 

 

Leave A Reply