السبت, نوفمبر 23
Banner

إبتزازٌ أميركي “نفطي” للبنان

عبدالله قمح – ليبانون ديبايت

تجنّب الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين، التطرّق إلى ملف ترسيم الحدود البحرية في آخر ظهور له مع الإعلامية هادلي كامبل. خطوة كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة لا يوجد لها غير تفسير واحد: محاولة إبعاد الإهتمام الإعلامي عن الملف وممارسة المزيد من الضغط على الجانب اللبناني، وتحصين “مشروع الصفقة” التي تُخبز تحت الطاولة.

يحاول هوكشتين الربط بين ملف ترسيم الحدود البحرية ومشروع استجرار الغاز من مصر والطاقة من الاردن. وعلى مبدأ one package ينشط في محاولته إبلاغ الساسة اللبنانيين، بأن مرور الطاقة العربية إلى لبنان يُفترض أن يُقابل بتنازل موضعي في ملف الحدود. ولذلك تتعمّد واشنطن تأخير منح القاهرة “إعلاناً صريحاً” حول استثناءات من قانون قيصر، ما يعرقل تنفيذ الإتفاق بين الجانبين المصري واللبناني.

الدليلُ على ذلك يمكن التماسه من محاولة هوكشتين، إخفاء معالم الإهتمام بمسار الترسيم بعد آخر تصريح أذاعه من تل أبيب، حول رغبته بحصول اتفاق قبل آذار. وقد ربط ذلك التصريح برغبةٍ في إبرام هذا الإتفاق قبل موعد الإنتخابات النيابية. لكن الحقيقة تستوطن في مكانٍ آخر. هدف هوكشتين الحقيقي، هو تأخير الإتفاق حتى آذار المقبل، لكي يتسنّى للجانب الإسرائيلي تأمين وصول السفينة FPSO السنغافورية، للمباشرة بسحب النفط والغاز من حقل “كاريش” ليس أكثر.

في الطريق إلى ذلك، يتعمّد هوكشتين رمي القضية على الجانب اللبناني الذي بات مطلوباً منه تقديم تنازلات أكبر، في ما خصّ إعادة إحياء المفاوضات وفق الإطار الذي ينشط لأجله هوكشتين. بهذا المعنى، يشترط الوسيط الأميركي نيل ثمنٍ لقاء العودة إلى بيروت. ووفق معلومات خاصة بـ”ليبانون ديبايت”، فإن المسؤول الأميركي الذي سبق وأعلن رغبته في العودة إلى بيروت خلال عشرة أيام من تاريخ زيارته تل أبيب، عاد وتراجع عن ذلك، بدليل عدم تلقّي الجانب اللبناني، أي طلب رسمي لتحديد مواعيد لهوكشتين أو تاريخ متوقع لزيارته. تفسير أوساط متابعة للملف، يفيد بأن المسؤول الأميركي ينتظر “تقديمات” وصفتها بـ”الملموسة” من بيروت. وتعتقد الأوساط أن هذه التقديمات في صدد التوفّر خلال مدة قصيرة، بدليل التصريحات الرسمية اللبنانية. وتنطلق من كلام رئيس الجمهورية ميشال عون من قطر، وحديث سابق لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، على قناة “الحرّة” الأميركية. فعون أعلن عدم رغبته في توقيع التعديلات على الحدود البحرية، ما دام أن المفاوضات مستمرّة، وميقاتي أعلن التزامه بالخط 23. هذه المواقف توحي بتسهيلات من الجانب اللبناني تفيد الوسيط الأميركي، الذي بات في صورة أن لبنان يتنازل عن المساحة الإضافية المقدّرة بأكثر من 2000 كيلومتر مربع، باتت تُعرف بالخط 29 و التراجع إلى حدود الخط 23. وقد صدرت عدة تطمينات عن مراجع رسمية ليس آخرهم وزير الخارجية عبدالله بو حبيب.

وعلى الرغم من أهمية ذلك، قد يبدو أن الأميركي يطلب أكثر. ويعتقد على نطاق واسع أنه يبحث عن “إعلان رسمي لبناني”، يرسّخ هذا التراجع على شكل التزام بالتفاوض على الخط 23 رسمياً، وليس مواقف صحافية يسهل التراجع عنها لاحقاً.

لكن ذلك يجعل من الرئاسات الثلاث متورطةً في الداخل اللبناني و متّهمة بما هو أكثر من التفريط بحقوق لبنانية. فعملياً، باتت منطقة الخط 29 منطقة متنازع عليها باعتراف رسمي لبناني، ولو أنه لم يجرِ توقيع التعديلات على المرسوم 6433 (بالمفهوم القانوني، يعني توقيع التعديلات إعتبار المنطقة، لبنانية خالصة وفق المنظور اللبناني) بدليل أن رئاسة الجمهورية أصدرت بياناً بتاريخ 13/10/2020 ، أي قبل يومٍ واحد من انطلاق المفاوضات غير المباشرة في الناقورة، قضى بتكليف الوفد العسكري التقني البدء في التفاوض من الخط 29، وبالتالي جعلت من الرقعة الواقعة بين الخط 23 و الخط 29 منطقة متنازع عليها في المنظور الرسمي اللبناني. بالإضافة إلى ذلك، وردت في إحدى مراسلات وزارة الخارجية إلى الأمم المتحدة تحت عنوان الشكوى، مطالبةٌ رسمية من الجهة الدولية بوقف أعمال التنقيب الإسرائيلية في المنطقة المتنازع عليها مع العدو الاسرائيلي، وهو إعلان إضافي رسمي لبناني بوضعية المنطقة القانونية. عملياً، ما يريده هوكشتين وإدارته يكمن هنا تحديداً: تراجع رسمي عن توصيف المنطقة بأنه متنازع عليها والعودة إلى الخط 23.

في المقابل، ثمة من يرصد من هو أكبر من ذلك، ويذهب باتجاه “مكر الجانب الإسرائيلي”. فعملياً، إنتظار وصول الباخرة السنغافورية لبدء الإنتاج يستبطن محاولةً لتوريط “حزب الله”، تأسيساً على خطاب سابق كان أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله، قد هدّد فيه إسرائيل في حال فكرت بالتنقيب عن النفط والغاز ضمن المنطقة المُتنازع عليها. بموجب ذلك، يصبح الحزب كمقاومة، مطالباً باتخاذ موقف من وصول الباخرة وبدء عمليات الإنتاج إن حصلت. ففي حال تجاهل الحزب المحاولة الإسرائيلية، ونجحت الأخيرة بالإستخراج، قد يخرج من يشكّك بوظيفة سلاح المقاومة الردعية، وإن تعامل الحزب مع القضية بوصفها إعتداءً، ستخرج فئة تتّهم المقاومة بتوريط لبنان. في كلتا الحالتين يُعتبر العدو مستفيداً. ما يريده الأميركيون إلى جانب ما ذُكر آنفاً، تقديم مساهمة لبنانية في مجال كبح “حزب الله” عن القيام بأي دور مستقبلاً ضمن ما بات يُعرف بالخط 29.

Leave A Reply