موريس متى – النهار
تباينت الآراء والمواقف حيال اقتراح قانون “الكابيتال كونترول” الذي لم يمر بصيغته النهائية التي وصلت الى اللجان النيابية المشتركة، إذ اعتبر البعض ومنهم رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابرهيم كنعان ان هذا القانون “استجد من خارج السياق النيابي والنظامي وكاد ان يكرّس الاستنسابية من جديد على حساب حقوق المودعين”.
اجتماع اللجان المشتركة شهد تناقضا واضحا بين أفكار الكتل النيابية، فيما رفض العديد من الكتل ان يغطي قانون “الكابيتال كونترول” كل ما ارتُكب بحق المودعين، علماً ان الاقتراح المقدم لم يتطرق الى مصير الاموال المحوّلة الى الخارج بعد 17 تشرين الاول 2019. بالفعل، تم إسقاط قانون “الكابيتال كونترول” بصيغته المطروحة في اللجان النيابية في ظل ما وصفه الكثير من النواب بالشوائب والفِخاخ والثغرات التي تعتري الاقتراح. وأكد النائب كنعان بعد جلسة اللجان أن “قانون الكابيتال كونترول الذي استجد من خارج السياق النيابي والنظامي والذي كاد ان يكرّس الاستنسابية من جديد على حساب حقوق المودعين، لم يمرّ”. وقال: “نحن مع الكابيتال كونترول مبارح قبل اليوم، لكن على ان يكون من ضمن ارقام واضحة على مصرف لبنان والحكومة ان يلتزما احالتها الى المجلس النيابي ضمن خطة واضحة”. ووصف الاقتراح الحكومي في شأن “الكابيتال كونترول” بأنه “عملية تهريب منظمة ومرفوضة تقضي بإناطة الصلاحيات بمصرف لبنان لتنظيم السحوبات والتحويلات وتحديد الشروط والسقوف”، مشيراً في تصريح لـ”النهار” الى أن الاقتراح “يقضي على ما تبقى من أمل للمودعين في استعادة ودائعهم، لاسيما الودائع بالعملات الأجنبية، ويضعها في عهدة مصرف لبنان والمصارف ممن سبق لهم أن أمعنوا في اقتطاع نسب لا تقل عن 80% من هذه الودائع عن طريق ابتكار بدع من مثل التعميم 151 والتعميم 158”.
وفي قراءة قانونية ودستورية لاقتراح القانون الرامي الى وضع ضوابط موقتة واستثنائية على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية، اي اقتراح قانون “الكابيتال كونترول”، يصف رئيس منظمة جوستيسيا والمرجع القانوني الدكتور بول مرقص إقتراح القانون بأنه “مقدم بسوء صياغة تشريعية رهيب وتناقض واستنسابية وغموض لن يكون بنّاءً”. نبدأ أولاً بتدرّج هرمي من المواد المهمة التي تناولها اقتراح القانون المذكور، والتي لدى البعض تعليقات عليها لجهة دستوريتها وقانونيتها، ومن ثم نظرة موضوعية على الاقتراح. ينطلق مرقص من المادة /8/ تحت عنوان “طابع النظام العام”، “حيث إن القانون الذي يتسم بطابع النظام العام يجب ألّا يمسّ بأي حق من الحقوق الفردية والمجتمعية، والذي في حالة هذا القانون هي الحرية الفردية، فهذه المادة شملت الدعاوى والمنازعات التي لم يصدر بها حكم مبرم، ويجب الإشارة الى أن ذلك يشكلّ تدخلاً في عمل السلطة القضائية من قِبل السلطة التشريعية، وبالتالي مخالفة مبدأ الفصل بين السلطات المكرّس في الفقرة “ه” من مقدمة الدستور. كما أن المفعول الرجعي المستغرب الذي جاءت المادة على ذكره سيؤدي الى نتائج كارثية ووخيمة على الدعاوى القضائية التي سبق أن تم رفعها سواء في لبنان أو في الخارج قبل إقرار هذا القانون، وذلك لأن حقوق المتداعين ستضيع وسط هذه الفوضى وستتعطل الدعاوى التي هي قيد النظر أمام القضاء. وعدم إمكانية المراجعة وفقاً لهذا القانون يناقض مبدأ وحق كل شخص في أن يتم النظر بدعواه، والمكرّس في المواثيق والتشريعات العالمية الى جانب الدستور اللبناني، الملتزم هذه المواثيق والتشريعات الدولية استناداً الى الفقرة “ب” من مقدمته”. وفي هذا السياق، يعتبر مرقص أن هذه المادة “تشرّع المسّ بالوديعة وفقاً لإرادة المصارف، الأمر الذي ينتهك بشكل صارخ حق الملكية الفردية المكفول صراحةً بموجب المادة /15/ من الدستور اللبناني، إضافةً الى المادة /17/ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 وغيرها من التشريعات الدولية. ولا يمكن تطبيق القانون على الأحكام الصادرة في الخارج واعتباره من النظام العام، فإن ذلك من شأنه المسّ بالقوة التنفيذية للأحكام الأجنبية في لبنـان، ومخالفة للاتفاقات الدوليـة التي تسمو على القوانين الداخليـة بحسب هرمية القواعد القانونية، وبالتالي، سلوك لبنان مساراً قضائياً مختلفاً عن النظم القضائية الإقليمية والعالمية”.
وفي الملاحظات الاخيرة على اقتراح قانون “الكابيتال كونترول”، وفي ما يتعلّق بالمادة /2/: “حظر تحويل الحسابات والتحاويل الى الخارج وسحوبات الأوراق النقدية”، يؤكد مرقص انه “يجب أن يتم وضع سقف محدّد وواضح للسحوبات التي يمكن أن يستحصل عليها المودع بموجب القانون، لأن ترك تحديد سقف السحوبات للمصرف المركزي بشكل دوري وغير مستقرّ مثلما حصل سابقاً لهذا القانون عبر تعاميم المصرف، يفتح باباً للاستنسابية والتأويل ولا يستوفي الغاية الأساسية التي يسعى القانون الى تحقيقها وهي الخروج من الأزمة وتأمين الاستقرار للعلاقة المصرفية بين المودع والمصرف وعودة الثقة الى القطاع المصرفي. كما أن فرض سقف للسحوبات بموجب القانون يجب أن يراعي الحالة الخاصة لكل مودع، وأن يتناسب مع المودعين الكبار والصغار”.
أما لناحية حصر تسديد الودائع بالليرة اللبنانية على سعر صرف منصة “صيرفة”، فإن هذه المنصة لا تزال حتى الآن مجهولة الآلية التي يتم من خلالها تحديد سعر الصرف والسند الذي تقوم عليه، إضافةً الى أن سعر الصرف المحدّد على منصة “صيرفة” بشكل شبه ثابت لا يعكس دوماً وبالضرورة الواقع الحقيقي لليرة اللبنانية في الأسواق. ومن هنا، تخالف هذه المادة مبدأ المساواة بين المواطنين المكرّس في الدستور الى جانب المواثيق والتشريعات الدولية الراعية لحقوق الإنسان، بحيث يتم تمييز مودع عن آخر في سقف سحوباته. وفي ما يتعلّق بالمادة /3/ “الإستثناءات الدائمة”، فإن استثناء أموال المؤسسات المالية الدولية العامة والسفارات الأجنبية والبعثات الديبلوماسية والمنظمات الدولية والإقليمية والعربية دون سواها، يعزز مبدأ التمييز بين المودعين وعدم المساواة، بحسب الدكتور مرقص، خصوصاً أن الكثير من الجمعيات اللبنانية والنقابات والصناديق الاجتماعية لا تتمكن من سحب أموالها من المصارف والوصول الى المساعدات التي تُمنح لها وبالتالي تعطل عملها الاجتماعي، لذا من المهم جداً شمولها بالاستثناء، ليأتي أيضا ما ورد في المادة الرابعة لناحية الإستثناءات الدائمة، حيث إن الإستثناءات التي أوردتها المادة تشكل خرقاً واضحاً لقانون سرية المصارف بل حتى أنها تتخطاه.
شكّلت آلية التحويلات الاستثنائية الى الخارج نقطة سجال واسعة خصوصا لناحية الالتزام والشروط والعقوبات، وفي هذا السياق يرى مرقص ان إنشاء محكمـة خاصـة وعـلى درجـة واحـدة مـن المحاكمة، يشكل مخالفة دستورية لمبـدأ التقاضي على درجتين. وسنداً لأحكام الفقرة (ز) من المادة الخامسة من قانون القضاء العدلي، يجب استطلاع رأي مجلس القضاء الأعلى، فقد اعتبر المجلس الدستوري أن مخالفة هذا الموجب القانوني هو مخالفة دستورية كونه يشكّل صيغة جوهرية وذلك لتكريس مبدأ استقلال السلطات الدستورية وتعاونها.
بالفعل، إقتراح قانون “الكابيتال كونترول” المقدم يتناقض مع الأحكام القانونية التي ترعى عقد الوديعة، خصوصاً أنه يفرض استبدال الوديعة بعملة غير عملتها أي بالليرة اللبنانية، بدلاً من العملة الأجنبية التي تكون هي مكوّنة منها، أي أن المودع يحق له سحب أمواله بالليرة اللبنانية حصراً. كما أن اقتراح القانون يفرق بين الودائع القديمة والودائع الجديدة وهذا التفريق يخالف المبادئ الدستورية التي تنصّ على مساواة الجميع أمام القانون. ولفت مرقص أيضا الى اـن اقتراح القانون هذا يمنح لجنة الرقابة على المصارف سلطة مراقبة تطبيق وملاحقة المصارف المخالفة، إلا أنه من الناحية العملية ومنذ بداية الأزمة المالية قبل نحو سنتين لم يتم اتخاذ أي اجراء قانوني ملحوظ من هذه اللجنة بحق مصارف انتهكت وما زالت تنتهك القوانين. فإلى أي مدى يمكن أن يتم الاعتماد على اللجنة المذكورة لتتخذ الإجراءات المناسبة وفق ما أتى الاقتراح على ذكره؟