خالد ابوشقرا – نداء الوطن
تداعيات الانهيار النقدي غير المحدودة بالمكان أو الزمان، طالت “الصحن” الضريبي. فتحوّل في نهاية العام الثالث على الأزمة إلى ما يشبه وجبة “المخلوطة”. ولا يُعرف من يضع فيه العائدات، وكيف تخرج منه النفقات. ساعدت بذلك التعقيدات الإدارية، وتفضيل “التوظيف” على “التبسيط”. خصوصاً لناحية الضريبة على القيمة المضافة، وما ترافقها من محاولات لتعقيدها أكثر، ورفض إحلال الضريبة على المبيعات الأسهل والأكثر عدالة، مكانها.
من اللافت للنظر في أغلبية المؤسسات احتساب سعر صرف الدولار على 1515، على الرغم من أن التسعير يتم على سعر صرف السوق الموازية أي 23300 ليرة وربما أكثر. الأمر قد يبدو طبيعياً إذا اعتبرنا أن القانون يفرض وضع السعر بالليرة اللبنانية، لكنه من الجهة الأخرى يثير التساؤلات عن كيفية تطبيق القرار 893 الصادر في 31/12/2020 الذي ينص على احتساب الضريبة على القيمة المضافة TVA على سعر السوق، وليس على سعر الصرف الرسمي. أكثر من ذلك فان التدقيق في عائدات TVA المنشورة على صفحة وزارة المالية يُظهر ارتفاع العائدات لغاية أيار العام 2021 إلى ألف و482 مليار ليرة، مقارنة مع 745 مليوناً في الفترة نفسها عن العام 2020. “هذا الفرق الكبير الذي نتج بشكل أساسي من ارتفاع الأسعار، تحمّله المستهلك النهائي وحيداً رغم عدم إدخال أي تعديلات على الأجور”، بحسب خبير المحاسبة المجاز والعضو في “جمعية مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد” الاستاذ جوزف متّى، “خاصة أن الإدارة الضريبية سمحت باحتساب الدولار بين التجار والموردين على سعر 1515، ورفعته على سعر السوق بالنسبة للمستهلكين. ما يدل على أن زيادة حجم ما تتقاضاه الإدارة الضريبية من جيوب المواطنين قد زاد عن إمكانياتهم بشكل كبير. ولا سيما في الوقت الذي انهارت فيه القيمة الشرائية بنحو 90 في المئة”.
إمكانية التلاعب واردة
تعمد المؤسسات إلى تسعير البضائع على 1515، وTVA على سعر صرف السوق، من ثم تحتسب السعر النهائي بالدولار وتتقاضاه في النهاية بالليرة اللبنانية على سعر صرف السوق، أو على أساس 25 ألف ليرة “لتبقى بالوسعة”. هذه العملية المعقدة المترافقة مع ضعف في رقابة الإدارة الضريبية تتيح ربما لبعض التجار إمكانية الاحتفاظ ببعض العوائد الضريبية الناتجة عن تحصيل القيمة المضافة، وعدم التصريح بها لوزارة المالية كل 3 أشهر كما ينص القانون. الأمر الذي يفوت على الخزينة مبالغ طائلة كان من الممكن الاستفادة منها لاعطاء زيادات غلاء المعيشة وتحسين وضع موظفي القطاع العام.
تتضمن سوء نية
اللافت للنظر في موضوع الضريبة على القيمة المضافة أن عائداتها لا تظهر بحسب فئة المكلف. فالحصيلة النهائية المحصلة لا تصنّف بحسب مصدرها. أي أن العوائد الضريبية من الأدوات الكهربائية أو الملبوسات أو المواد الغذائية او مواد التجميل… وخلافه الكثير تدخل إلى النظام دكمة واحدة من دون تبويب. وهو ما يعتبره المدير العام للاستثمار والصيانة السابق في وزارة الطاقة، غسان بيضون الذي عمل في أكثر من جهاز رقابي منها ديوان المحاسبة، أنها “تتضمن سوء نية، فهي تعتّم على حجم الحصيلة الفعلية لكل قطاع على حدة. ما يعقد المراقبة من جهة، ويعطي صورة ملتبسة عن كيفية تطور عائدات الضرائب من الجهة الأخرى”. فعدم ارتفاع العائدات على المواد الغذائية في السوبرماركت والافران بالتوازي مع ارتفاع سعر الصرف “قد يكون مؤشراً جدياً ليس فقط على تراجع الاستهلاك، إنما ايضاً التهرب من دفع الضريبة”، بحسب بيضون، خصوصاً مع الزيادة الهائلة في الأسعار.
عملية المراقبة الفعلية والملاحقة أكثر من معقدة، من وجهة نظر الأستاذ جوزف متى، “فليس إلزامياً أن يتساوى التصريح الضريبي، خاصة إن كان هناك من مرتجعات وعمليات أخرى بحسب طبيعة النشاط التجاري والقواعد والأصول التي تفرضها الإدارة الضريبية على المكلف. ومنها عدم أحقية استرداد الضريبة بعد مرور 3 أشهر على تاريخ بيع السلعة. بالاضافة إلى إمكانية وجود حسومات وغيرها الكثير من الامور”. والمراجعة في هذه القيود مرتبطة في عملية التفتيش أو الدرس الميداني التي تقوم بها الادارة الضريبية على المؤسسة. علماً أنه “إذا ثبت لادارة الضريبة على القيمة المضافة أن المكلف قبض الضريبة ولم يسددها للخزينة يعتبر بحسب القانون جرماً جزائياً، وليس مدنياً”، بحسب ما يفيد متّى، “ذلك لان الشركات والمؤسسات الداخلة في TVA تعتبر وكأنها صناديق ثانوية تجبي الضريبة لصالح الخزينة المركزية”.
الانهيار جعل أغلبية المؤسسات مخالفة
مخاطر الانهيار النقدي جعلت من معظم المؤسسات الانتاجية والتجارية في لبنان مخالفة لاحكام قانون الضريبة على القيمة المضافة، التي بدأ فرضها ابتداءً من أول شباط 2002 على جميع الأموال والخدمات المستهلكة داخل الأراضي اللبنانية، وعلى رقم أعمال يتجاوز 500 مليون ليرة. ليعود وينخفض الرقم تدريجياً إلى 100 مليون ليرة اليوم. ما يعني أن كل مؤسسة لديها حجم أعمال بقيمة 4 آلاف دولار (100 مليون ليرة على سعر صرف السوق الموازية) ملزمة بالخضوع للضريبة على القيمة المضافة، وإلا تعتبر مخالفة. في حين أن “تسجيلها يعتبر أمراً مفيداً للخزينة والمؤسسات على حد سواء”، بحسب الاستاذ متى. فـ”المؤسسات غير المسجلة بـ TVA ينخفض هامش الربح لديها لانها لا تسترد الضريبة التي تدفعها للموردين المسجلين. وبالتالي يتراجع هامش الربح لديها ولا يزيد. ومن الجهة الأخرى فانه مع الانهيار النقدي الحاصل والارتفاع الهائل في الاسعار، يطرح عدم تسجيل هذه المؤسسات مخاوف جدية من عجزها عن تغطية نفقاتها في حال لم تتسجل في الضريبة على القيمة المضافة”.
عقبات التسجيل في TVA
إلا أنه في المقابل فان دخول المؤسسات الصغيرة أمامه عقبات صعبة جداً، ليس أقلها أهمية امتلاك برنامج محاسبي ووجود مدقق. نظراً لما تتطلبه العملية من دقة لكي لا يقع المكلف في الاخطاء وتكبُده غرامات باهظة. “من هنا بدأت تطرح منذ فترة إعادة رفع سقف الـ TVA الى 400 مليون ليرة بدلاً من 100 مليون”، يقول متّى، “أو أن يصار إلى تكليف المؤسسات الصغيرة الحجم مبلغاً مقطوعاً كل ثلاثة أشهر مقابل عدم التسجيل في TVA، أو أن يصار إلى خلق خطة معينة بتسجيلها مع استثناءات أو ضوابط معينة. إلا أن هذا الموضوع لم يوضع على نار حامية”. في المقابل يتقدم متى بـ”طرح جدي يقضي بـ”اعتماد الضريبة على المبيعات”، للانتهاء من كل تعقيدات الضريبة على القيمة المضافة”.
في الوقت الذي يتكبّد فيه المكلفون مشقات عديدة للتصريح عن القيمة المضافة، لا تأخذ هذه العملية في الإمارات العربية المتحدة مثلاً أكثر من لحظات قليلة نتجية سهولة التصريح. وما التعقيدات التي أدخلت على TVA محلياً، ومحاولة رفع عدد أوراق التصريح من 3 صفحات حالياً إلى 12 صفحة أو أكثر، لتتضمن معلومات أوسع وأشمل، بما يزيد عبء الاهتمام بالتفاصيل على المكلفين، إلا “للابقاء على التخمة التوظيفية، وما يتطلبه ذلك من تعقيد للعملية من كادر بشري للملاحقة والمتابعة والتفتيش والدرس”، يختم متى.