الأحد, نوفمبر 24
Banner

الـ LDA تنتشل سوق الأدوية من الفوضى… فهل تكون فريسة المحاصصة؟

سلوى بعلبكي – النهار

ليست الفوضى الحاصلة في سوق الدواء وليدة الساعة، فالأسواق الدوائية اللبنانية مشرعة لكل أنواع الأدوية التي قد يحتاج إليها المريض بطريقة غير منظمة، خصوصاً في الفترة الأخيرة عندما أوقفت شركات استيراد الأدوية عمليات الشراء من الخارج، فيما عزز غياب الرقابة آفة تهريب ما هو مدعوم إلى خارج لبنان الذي كان يتباهى بامتلاكه أدوية غير متوافرة في دول مجاورة مستفيداً حينها من دعم الليرة، وتثبيت سعر الصرف.

في حياة اللبنانيين الكثير من الشقاء والمعارك المتسلسلة يخوضونها مجبرين لا مخيّرين، للدفاع عن أدنى مقوّمات الحياة والعيش الكريم. لكن ما استجدّ أخيراً من فقدان للأدوية بسب التهريب والتخزين، مضافاً إليه مصيبة مضاعفة أسعاره عشرات المرات، وضع المرضى والمصابين بأمراض مزمنة، في حالة صراع يومي مع البقاء، وفي دائرة من الضياع والعجز لا حلول لها لدى الدولة على المدى المنظور لارتباط الموضوع مباشرة بسعر صرف الدولار، لكون 80% من الأدوية مستوردة، فيما تستورد المصانع معظم مكوّناتها من الخارج بالعملة الصعبة أيضاً. من هنا أهمية إقرار قانون الوكالة الوطنية للدواء والبيانات الغذائية التي تعمل عليها لجنة الصحة النيابية منذ أكثر من عامين. مع التأكيد أنه “لو كانت هذه الوكالة موجودة قبل اندلاع الأزمة لوفرت علينا ما نراه اليوم من تضخم وعشوائية في الأسعار، ولكان مصرف لبنان استمرّ في سياسته الداعمة للدواء فترة أطول، علماً بأن آلية عمل ومهام الوكالة يمكن أن تسهم بخفض الفاتورة الدوائية، خصوصاً أنها ستركز على الادوية التي يحتاج إليها لبنان مع التركيز أكثر على استيراد أدوية الجنيريك”، وفق ما يقول عضو لجنة الصحة النيابية النائب فادي علامة.

وفي التفاصيل، تهدف الوكالة الوطنية للدواء (LDA Lebanese Drug Agency) وفق ما يشرح علامة لـ”النهار”، الى رسم السياسة الدوائية والمستلتزمات الطبّية والمتمّمات الغذائية، ودرس أنواع الأدوية الموجودة في السوق لتحدّد على أساسها الأدوية التي يحتاج إليها اللبنانيون، خصوصاً في ظلّ وجود كمّ هائل من الأدوية المسجّلة في وزارة الصحة يفوق عددها الـ5 آلاف دواء، وهذا ما أسهم بزيادة التضخم والإنفاق الصحّي. وفي الوقت عينه، سيكون من مهام اللجنة الإشراف على عمل المختبر المركزي المغيب منذ فترة، وهذه الخطوة أساسية لأنّها تساعد في فحص عينات كل دواء يدخل الى لبنان وصلاحيته ونوعيته”. كما ستركز الوكالة على تشجيع الأدوية المصنّعة محلياً وأدوية “الجنيريك” وانتقاء الجيد منها خصوصاً أن “الأطبّاء يتذرّعون دائماً بأن هذه الأدوية غير فعالة ويفضّلون وصف الادوية البراند”، وهو ما يفسّر برأي علامة وجود الكمّ الهائل من الأدوية البراند في السوق اللبنانية التي تتخطى نسبتها 80% فيما نسبة أدوية الجنريك 20% وهو أمر غير مقبول”.

يلاحظ أن ثمة فجوة كبيرة بين عدد الأدوية التي تدخل السوق وتلك التي نحتاج إليها، وهذا يعود وفق ما يقول علامة الى “الكمّ الهائل من الأدوية المستوردة التي لا نحتاج إليها في لبنان، وتالياً نأمل أن يسهم عمل الوكالة بخفض عدد الأدوية المستوردة الى النصف، على أن يصبح القسم الاكبر منها من الجنيريك وخصوصاً تلك المصنّعة محلياً بما قد يساعد على خفض عجز الميزان التجاري”.

بالنسبة لمصادر الاستيراد، يشير علامة الى أن القانون حدّد معايير علمية كفيلة بعدم استيراد الأدوية التي لسنا في حاجة إليها والمصادر الموثوقة التي يمكن أن نعتمدها، لافتاً الى أن الوكالة وإن كانت تعمل تحت وصاية وزارة الصحّة “فإنه إن كان ثمّة تباين في الآراء بين الجانبين في ملفّ محدّد يُحوّل الى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار النهائي”.

ولكن بما أنه يناط بمجلس الوزراء مهمة تعيين مجلس إدارة الوكالة، فإن ثمّة خوفاً من أن يخضع تعيينهم للمناكفات والمحاصصة، بيد أن علامة أكد أن “القانون لحظ معايير وشروطاً محدّدة يجب توافرها بأعضاء المجلس على أن يكونوا من أصحاب الاختصاص. هذه المعايير والشروط ضرورية على نحو يمكن أن يبعد عنها شبح المحاصصة والاستنسابية”، لافتاً الى أن “القانون يحدد كيفية التقدم الى منصب رئيس الوكالة والشروط الواجب توافرها فيه، فيما سيكون العاملين فيها من الأطبّاء والخبراء والمتطوعين”.

هل ستبصر الوكالة النور قريباً؟ يؤكد علامة أن قانون إنشاء الوكالة لا يزال بحاجة الى توقيع رئيس الجمهورية ومن بعدها نأمل أن يعدّ وزير الصحّة المراسيم التطبيقية في أسرع وقت ممكن علماً بأن موادّ القانون تخفف قدر الإمكان من المراسيم التطبيقية، وما إن تنجز المراسيم التطبيقية حتى يقرّها مجلس الوزراء فور انعقاده.

حدّد القانون النقابات المعنية التي ستتمثل في هذه الهيئة الاستشارية التابعة للوكالة، ومن بينها نقابة مستوردي الادوية التي شاركت مع لجنة الصحّة النيابية في التحضيرات لإعداد القانون.

ويوضح نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة لـ”النهار” أن الهيئة الاستشارية لا تشارك في اتخاذ القرارات وإنما تبدي رأيها في الملفات، وهو ما يحصل حالياً مع وزارة الصحة التي تستأنس برأينا في القرارات التي تصدرها من دون أن يكون هذا الرأي ملزماً. ويلفت جبارة الى أن النقابة لطالما كانت تطالب المعنيين الذي يعملون في القطاع الدوائي بوضع هذه الوكالة موضع التنفيذ أسوة بكلّ الدول في العالم، المتقدّمة منها والنامية على حدّ سواء، إذ ليس من مهام وزارات الصحة الاهتمام بشؤون الدواء بل ثمّة هيئة مستقلة تتولى هذا الأمر، فهناك فصل بين السلطة التنفيذية والسلطة الناظمة للقطاع”.

إقرار قانون وكالة الأدوية كان موضع ترحيب من جبارة الذي يقول “بدل أن يبقى القطاع الدوائي رهن التغيرات والتبدلات في الوزارة إن كان حيال الوزير أو فريق العمل التابع له والتغييرات التي يمكن أن يضعها هؤلاء على القرارات والسياسات التي رسمها أسلافهم خصوصاً إن كانوا من توجهات سياسية مختلفة”.

ولكن في النهاية تعمل هذه الوكالة تحت سلطة وزارة الوصاية أي وزارة الصحة؟ لا ينفي جبارة الامر ولكنه في المقابل لا يقلل من أهمية دورها “صحيح أنها تعمل تحت سلطة وصاية وزارة الصحة، ولكن دورها أساسي ولها حيّز مهم من الاستقلالية بقراراتها… وإلّا فلا نفع لها، مع الأخذ في الاعتبار أن أعضاءها هم من الاختصاصيين ولا علاقة لهم بالسياسة ويضعون سياسات مستقلة لا علاقة للأحزاب بها”. إذن أهميتها وفق جبارة هي في “الاستقلالية والاستمرارية والاختصاصيين، والتركيز على القطاع الدوائي فقط لكي يحصل لبنان على الأفضل على هذا الصعيد”.

من جهته، رحّب رئيس الهيئة الوطنية الصحية “الصحة حق وكرامة” الدكتور إسماعيل سكرية في بيان، بإقرار قانون الوكالة الوطنية للدواء “التي ننادي بها من سنوات، والمفترض بها أن تنظم حركة سير الدواء استيراداً وتسجيلاً وتسعيراً، كما تقييمه مخبرياً من حيث نقاؤه وأمانه وثباته وتوافره الحيوي وتركيبة مكوّنه وسمّيته، من خلال هيئة مستقلة عن وزارة الصحة”.

وبما أن الموضوع علمي بامتياز فإن جوهره وأساسه وفق ما يقول سكرية يتوقفان على دقة الفحوص المخبرية وصدقية تقاريرها التي إن تُركت للمختبر المركزي الممسوك تنفيذياً من وزارة الصحة فقد يعرّض التجربة كما سابقاتها للتسييس والمحاصصة وأعمال فساد، تهدّد التجربة وتجهض أهدافها الصحّية الإنسانية.

وطالب الحكومة عند إصدارها مراسيم تنظيم القانون بأن “تأخذ أولوية علمية الموضوع في الاعتبار، وتشرك المختبرات الجامعية الاكاديمية صوناً لدقة الفحوص ومناعتها. ولنأمل ببداية سياسة وطنية للدواء لم تطبّق سابقاً”.

Leave A Reply