جاء في صحيفة “الجمهورية” : أحيَت زيارة موفد الرئيس الفرنسي باتريك دوريل للبنان المبادرة الفرنسية التي كانت تراجعت أو جمدت على أثر اعتذار الدكتور مصطفى أديب، في اعتبار انّها ليست كناية عن نص وبنود ملزمة، إنما عن رعاية فرنسية مباشرة كان لها الأثر الإيجابي على أثر انفجار 4 آب، وكاد الرئيس إيمانويل ماكرون ان ينجح في تحقيق الخرق الحكومي المطلوب من خلال زياراته ولقاءاته واتصالاته المتواصلة مع السياسيين اللبنانين. وقد تبيّن، منذ تكليف الرئيس سعد الحريري إلى اليوم، انّ مفاوضات التأليف تدور في حلقة مفرغة، وانها ما تكاد تتقدّم حتى تعود إلى نقطة الصفر، فتبيّن انّ هناك حاجة الى تدخّل فرنسي من أجل الدخول على خط التأليف مباشرة في محاولة لِحلحلة العقد التي تراوح وتحول دون إخراج التأليف من عنق الزجاجة في ظل الشروط والشروط المضادة. وإذا كان من الثابت انّ زيارة موفد ماكرون تؤكّد المؤكّد أنّ باريس مهتمة بالملف اللبناني وحريصة على إنجاح المبادرة الفرنسية، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه بقوة اليوم هو: هل سينجح هذا الموفد الرئاسي الفرنسي حيث فشل ماكرون نفسه في فكفكة العقد الحكومية، فضلاً عن انّ اللحظة الحالية باتت أكثر تعقيداً من السابق مع دخول العقوبات على خط التأليف ومن بعبدا هذه المرة؟
قالت مصادر واكبت زيارة الموفد الفرنسي لـ الجمهورية” أنّ “الرجل لا يملك عصا سحرية، وانّ الكلام عن تهويل باريس باستخدام عصا غليظة ليس في محله، وإنما ستكتفي بتحذير المسؤولين من المصير الذي سيَلقاه لبنان في حال استمرت المراوحة في التأليف بسبب الأزمة المالية وعدم قدرة الدولة على فَرملة الأزمة المتدحرجة من دون المساعدات الخارجية، خصوصاً مع دخول واشنطن في مرحلة انتقالية في انتظار دخول الرئيس الجديد البيت الأبيض. وبالتالي، من المصلحة اللبنانية الدخول في ستاتيكو التأليف بدلاً من “ستاتيكو” الفراغ وكلفته الغالية على لبنان”.
واشارت المصادر الى انّ إطلالة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله “جاءت لِتُعمِّق مأزق التأليف حتى لو لم يقصد ذلك، لأنه من خلال إشادته بشجاعة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل وتثمينه موقفه وصموده في مواجهة واشنطن وعقوباتها عليه بسبب تحالفه مع الحزب، أوحى بوقوفه خلف باسيل في التأليف، أي أنه لن يرضى بأيّ تشكيلة لا يرضى عنها رئيس التيار الذي يشترط في وضوح تسمية الوزراء والاحتفاظ بوزارة الطاقة وتوسيع الحكومة إلى 20 وزيراً من أجل انتزاع “الثلث المعطّل”، ومع شروطٍ من هذا النوع لا يستطيع الرئيس المكلف سعد الحريري أن يؤلف حكومة قادرة على انتزاع ثقة المجتمع الدولي بما يفتح باب المساعدات أمام لبنان.
وفي موازاة غياب الاتفاق على شكل الحكومة وطبيعتها، يكثر الحديث عن انّ العهد يريد حكومة تحدٍ في مواجهة واشنطن رداً على العقوبات، وحكومة من هذا النوع لا يستطيع ان يترأسها الحريري، إلّا أنّ فرَص الاختراق تبقى ممكنة من 3 زوايا: منع انهيار لبنان على وقع الأزمة المالية، قطع الطريق على العقوبات المتدحرجة لكي لا تهزّ الاستقرار، التهيّؤ لضربة أميركية في المرحلة الانتقالية بين رئيسين ومرحلتين وإدارتين، وبالتالي هل يمكن تحقيق الاختراق الحكومي من زوايا الخوف من المجهول الآتي؟
إستطلاعية
وفي رواية أخرى لـ”الجمهورية”، بحسب مصادر لحركة دوريل، “انّ زيارته هي استطلاعية اكثر منها مهمة، وقد شدد في لقاءاته حتى الآن على استمرار المبادرة الفرنسية ونية الرئيس ايمانويل ماكرون عقد مؤتمر لدعم لبنان خلال هذا الشهر او الشهر المقبل، لكنه ربط ما بين تنفيذ فرنسا وعودها وبين تشكيل الحكومة، متمنياً التعاون مع الرئيس المكلف لتذليل العقبات المتبقية من امام ولادة الحكومة التي رأى انّ توقيتها اصبح اكثر من ضروري وداهِم”.
وذكرت المصادر انّ دوريل لم يدخل في تفاصيل هذه العقبات في لقاءاته، كذلك لم يأتِ على ذكر ما تم تداوله في الساعات الماضية عن انّ فرنسا تهدّد بفرض عقوبات على من يعرقل تشكيل الحكومة لا من قريب ولا من بعيد، لكنه شدد اكثر غير مرة على ضرورة الاسراع في تشكيل حكومة اختصاصيين من غير المنتمين حزبياً، والاسراع في تشكيل حكومة قادرة على القيام بالاصلاحات الضرورية المطلوبة لوقف الانهيار واعادة اعمار بيروت”.
واشارت المصادر الى “انّ العقدة الاساسية التي لا تزال تحول دون ولادة الحكومة هي الاختلاف على الاسماء، مؤكدةً أن لا مشكلة في توزيع الحقائب لا في وزارة الطاقة ولا في غيرها، لأنّ هذا الامر حصل حوله تفاهم مبدئي بين جميع الاطراف ولم يعد هناك مشكلة في توزيع الحقائب، إنما المشكلة الاساسية الآن هي عقدة الاسماء والتي لا تزال عند تمسّك باسيل بأن يسمّي ويختار اسماء يعتبرهم الحريري حزبيين، الأمر الذي يرفضه تماماً. ورأت المصادر انّ ما رَشح أخيراً عن رئيس الجمهورية لجهة طلبه من الحريري مراجعة القيادات السياسية والحوار معهم والتفاهم في شأن معايير تشكيل الحكومة، هو خطوة الى الوراء. وقالت: “من الواضح انّ العقوبات زادت من تَصلّب جبران باسيل في مواقفه، وهذا الامر ربما يؤخّر تشكيل الحكومة لفترة معينة”.
أجواء متناقضة
وفي رواية ثالثة لـ”الجمهورية”، نقلاً عن جهات واسعة الاطلاع، انّ دوريل كان واضحاً في بداية لقاءاته امس في توجيه رسالة من الرئيس الفرنسي، تتناول تحديداً واضحاً للعقبات التي حالت دون انطلاق مسار المبادرة الفرنسية القائلة بضرورة تشكيل حكومة مستقلة وحيادية خالية من الحزبيين ومن دون ان يكون لهم اي تأثير على عمل الحكومة في المرحلة المقبلة، وذلك من اجل ضمان نجاحها في مواكبة المراحل الاخرى المتصلة بالاصلاحات الدستورية والادارية والنقدية التي تفاهَمَ عليها ماكرون والقيادات اللبنانية في لقاء قصر الصنوبر، خصوصاً انّ ايّاً منهم ما زال يؤكد التزامه “الصادق” بمضمون المبادرة التي اطلقها ماكرون في 1 ايلول الماضي، وانّ ما جرى الالتزام به أثناء تكليف مصطفى اديب ما زال قائماً مع الرئيس سعد الحريري الذي كلّف المهمة عينها.
ولفتت المصادر الى انّ دوريل طرح في لقاءَيه مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري مجموعة الاسئلة التي شكلت عناوين المبادرة الفرنسية، فردّا عليها بأجوبة قد تكون موحدة بنحو متقارب جداً في الشكل الذي عبرت عنه المعلومات الرسمية التي نشرت عقب اللقاءين، ولا سيما منها تلك المتصلة بمصير التدقيق الجنائي والاصلاحات المطلوبة على اكثر من مستوى لملاقاة ما تقول به المبادرة في مرحلة ما بعد تأليف الحكومة.
وفيما شرح رئيس الجمهورية العوائق التي حالت دون التدقيق الجنائي المالي مؤكداً الاصرار على تحقيقه أيّاً كانت الكلفة، لفت بري الى انه ينتظر ما ستُحيل اليه الحكومة من مشاريع اصلاحات للبَت بها وتشريعها. ولكن ما كان لافتاً هو التفسير الجديد الذي سمعه دوريل عن تشكيل الحكومة بطريقة أبعدت عنها “صفة المستقلة والحيادية”، وهو ما كان ظاهراً في توضيح رئيس الجمهورية الذي تحدث عن انّ “الأوضاع تتطلب تَشاوراً وطنياً عريضاً وتوافقاً واسعاً لتشكيل حكومة تتمكن من تحقيق المهمات المطلوبة”، الامر الذي شكّل “نقزة” لديه ما لبث ان تأكد منها في لقاءاته لاحقاً، حيث سمع كلاماً يُبعد الحكومة عن الصورة التي رسمها ماكرون، وهو ما ثبت لديه عندما استمع الى الرئيس سعد الحريري الذي شرح الظروف التي تعوق مهمته والشروط التي أعاقتها حتى الآن.
وقالت المصادر انّ دوريل سمع كلاماً اكثر وضوحاً وصراحة في لقاءيه مع “حزب الله” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”.
لا مؤتمر قبل الاصلاحات
وأشارت المصادر الى انّ دوريل كان جازماً في التأكيد انه لن تكون هناك مساعدات، ولن يعقد المؤتمر الموعود لدعم لبنان ما لم يُصَر الى تشكيل الحكومة في مهلة معقولة لا تتجاوز نهاية الشهر الجاري، فالمواعيد الفرنسية ضاغطة، واذا لم يضمن الرئيس الفرنسي خطوات لبنانية جدية لن يكون هناك مؤتمر مضمون النتائج.
رئيس خلية الازمة
وعلمت “الجمهورية” انّ الموفد الفرنسي أبلغ الى من التقاهم تَولّيه رئاسة خلية الازمة المكلفة الملف اللبناني في قصر الاليزيه، وذلك بغية توضيح اهمية الرسالة التي نقلها من ماكرون الى المسؤولين اللبنانيين.
وعلمت “الجمهورية” انّ الموفد الفرنسي سيستكمل زياراته اليوم للقيادات السياسية والحزبية، فيلتقي قبل الظهر رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، وينتقل عند الثانية عشرة الّا ربعاً الى بكفيا للقاء رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، قبل ان يزور عصراً رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع. وستكون له اجتماعات غير معلنة مع مجموعة من الشخصيات السياسية المستقلة.
وكان دوريل قد جالَ أمس على كلّ من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد. وقال عون خلال اللقاء، وفق بيان رسمي، “نتمسّك بالمبادرة الفرنسية لِما فيه مصلحة البلد”، واعتبر أنّ “الأوضاع تتطلب تشاوراً وطنياً عريضاً وتوافقاً واسعاً لتشكيل حكومة تتمكن من تحقيق المهام المطلوبة”.
وبدوره وصف بري لقاءه ودوريل بـ”الجيد”، شاكراً الرئيس الفرنسي الذي “يحمل هَمّ لبنان”، مؤكداً “الموقف لجهة المبادرة الفرنسية وضرورة تطبيق الاصلاحات، خصوصاً في مجال الكهرباء ومحاربة الفساد”. واعتبر “انّ المدخل والمخرج الوحيد لخلاص لبنان، هو انجاز حكومة اليوم قبل الغد، وزراؤها اختصاصيون يحظون على الثقة التي ينتظرها المجلس النيابي بفارغ الصبر من اجل العبور بلبنان الى بر الامان أمام الموجات العاتية داخلياً وخارجياً”.
الحريري
الى ذلك، قالت مصادر قريبة من الحريري لـ”الجمهورية” انه تم، خلال لقائه والموفد الفرنسي، التأكيد مجدداً على تأليف حكومة مهمة، حكومة اختصاصيين غير حزبيين لوقف الانهيار عبر تطبيق البرنامج الاصلاحي الذي تم التوافق عليه في اجتماعات قصر الصنوبر واعادة اعمار ما تهدّم من انفجار مرفأ بيروت”. وأشارت الى “ان المشاورات متواصلة في شأن التأليف الحكومي، وأن صيغة حكومة من 18 وزيراً ما تزال قائمة”.
رعد
وشدّد رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد على استمرار المبادرة الفرنسية، وضرورة التزام الحكومة الجديدة تنفيذ بنود الورقة الاصلاحية التي تم الاتفاق عليها في قصر الصنوبر. وقال في دردشة بعد لقائه دوريل: “نحن مسؤولون قدر المستطاع عن الاسراع في تشكيل الحكومة لأنّ وضع البلد لا يحتمل والوضع الاقتصادي مزرٍ”. واكد أنّ دوريل “جاء في مهمة استطلاعية في موضوع تشكيل الحكومة”، متمنياً “التعاون مع الرئيس المكلّف لتذليل العقبات”.
ودعت كتلة “الوفاء للمقاومة”، في اجتماعها الاسبوعي امس، إلى “الاسراع في تحريك عجلة التفاهم الداخلي من أجل تشكيل الحكومة لأنها حاجة سياسية وإدارية ملحة للبلاد وللمواطنين، لا تجوز المراهنات فيها أو التعاطي ببرودة مع متطلبات تأليفها”.
كورونا
من جهة ثانية وعلى صعيد “كورونا”، وقبل يومين على بدء الاقفال العام المقرر غداً، أعلنت وزارة الصحة في تقريرها اليومي أمس تسجيل 1874 إصابة جديدة (1833 محلية و41 وافدة)، ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 100703.
ولفتت إلى تسجيل 12 حالة وفاة جديدة، ليصبح العدد الإجمالي للوفيات 775.