راجانا حمية – الاخبار
بعشرات الملايين، وأحياناً بالمئات، باتت تحتسب «فروقات» فواتير الاستشفاء لمرضى كورونا. إذ يتحمّل المرضى أكثر من 50% من قيمة الفواتير بعدما باتت الجهات والصناديق الضامنة عاجزة عن تسديد كلفة العلاج، بسبب ثبات سعر صرفها على الليرة، فيما تسعّر معظم المستلزمات والمعدات والخدمات الطبية على سعر صرف الدولار في السوق الموازية. الفارق بين السعرين أصبح اليوم فاتورة مكتملة يُجبر على تسديدها المرضى، من دون أن يعني ذلك أن المستشفيات هي دائماً الطرف الرابح
«خذوه». لم تملك زوجة المتعافي لتوّه من فيروس كورونا غير هذا الجواب، عندما طلبت إدارة المستشفى منها تسديد 480 مليون ليرة بدل «فروقات» الإقامة في غرفة العناية الفائقة لمدة شهرٍ. كانت الخيارات أمامها معدومة، باستثناء الغضب الذي فجّرته دفعة واحدة في وجه موظف المحاسبة، وهي تهمّ بإتمام أوراق زوجها تمهيداً لإخراجه. كل ما كان يدور في رأسها بعد هذه «المفاجأة»، هو كيف ستؤمن هذا المبلغ بأصفاره الكثيرة، فيما كل الاتكال على الراتب الضئيل الذي يتقاضاه زوجها.
قريب أحد المصابين بفيروس كورونا يروي أن أحد المستشفيات طلب منه 2500 دولار أميركي نقداً قبل إدخاله للمعالجة! وآخر اضطرّ للمكوث في المنزل لعجزه عن تسديد الفروقات التي باتت تتخطى بأشواطٍ كثيرة ما يمكن أن تسدّده الجهات الضامنة.
وفي وقت يتصاعد فيه عدّاد الإصابات، يواجه المصابون خطراً جديداً يطرأ مع الموجة الرابعة، هو خطر تسديد «الفروقات» التي لم تعد في متناول كثيرين، وخصوصاً في المستشفيات الخاصة. يشكو كثيرون من المصابين الذين يضطرون لدخول المستشفيات من مبالغ كبيرة تُطلب منهم، بعضها بالدولار. ولئن كانت الأسباب متعددة، ما بين تسعير جزء كبير من «الخدمات» بالدولار، إلا أن ما بات أزمة مستعصية هي تعرفة خدمات الاستشفاء لدى بعض الجهات والصناديق الضامنة، ولا سيما الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. إذ لا تزال تسعّر بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرفٍ رسمي لم يعد متداولاً. وهنا بيت القصيد، حيث بات هذا السبب الشماعة التي تعلّق عليها بعض المستشفيات كل مبرراتها.
اليوم، ينتظر المصابون بفيروس كورونا اشتداد العوارض قبل التفكير بزيارة المستشفى، إذ لم يعد الدخول إليه كالخروج منه.
بعض أصحاب المستشفيات يعترفون بتدفيع المصابين ما تعجز عنه جهاتهم وصناديقهم الضامنة، مشيرين إلى أسباب تجعل من المستحيل «المقارنة بين المرحلة الحالية وما سبق»، على ما يقول نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون. ينطلق هارون في جردته للأسباب من عاملٍ أساسي لم يكن موجوداً في المرحلة السابقة من ذروة كورونا، وهو رفع الدعم وتسعير معظم المستلزمات والمعدات وحتى الأدوية بسعر صرف الدولار في السوق الموازية. بالنسبة لهارون، تتخطى لوائح الأسعار المستحدثة أي قدرة للجهات الضامنة على سدّها، وإن عملت بعضها على زيادة الموازنة بما يخفف من الفروقات.
يلفت هارون إلى أن معظم المستلزمات الطبية التي تستخدم في علاج المرضى في غرف العناية وغرف العزل العادية ومستلزمات الفحوص المخبرية باتت في جلّها غير مدعومة، يضاف إلى ذلك مستلزمات الوقاية التي يستخدمها الممرضون والأطباء. ويمكن إضافة الجزء اليسير من الأدوية التي تستخدم في علاجات الكورونا، كدواء «أكتمرا» ACTEMRA المقطوع حالياً، والذي يضطرون لشرائه من السوق السوداء بسعر يراوح 500 و600 دولار، علماً بأن سعره لا يتعدّى مليون ليرة.
هذه الأكلاف باتت جزءاً أساسياً من الفواتير التي بات «أكثر من 50% منها على عاتق المريض». من هنا، يقدّر هارون كلفة الإقامة «اليومية» في غرفة العناية الفائقة بما بين 6 و10 ملايين ليرة، وفي غرف العزل العادية بما بين 4 و7 ملايين… وقس على ذلك طول أمد الإقامة التي لا تقل عن 8 أيام وقد تمتد لشهر في غرفة العناية الفائقة فيما لو كانت العوارض شديدة، ما يرتب أكلافاً لم تعد في متناول كثيرين من المرضى.
مع ذلك، قد تنخفض تلك الكلفة في مستشفيات أخرى إلى أقل بكثير من حسابات نقيب أصحاب المستشفيات. وفي هذا السياق، يشير المدير العام لمستشفى السان جورج، حسن عليق، إلى أكلافٍ توازي مليونين و600 ألف ليرة يومياً في غرفة العناية الفائقة ومليون و500 ألف ليرة كمتوسط يومي في غرف العزل العادية.
لكن، بغضّ النظر عن تلك الاختلافات، والتي قد تطرح علامات استفهام حول استغلال بعض المستشفيات للوضع القائم، إلا أن المرضى باتوا عاجزين عن «السعرين»، ولا سيما أن ما تدفعه الجهات الضامنة لم يعد كافياً لتغطية كلفة العلاج للمريض، باستثناء الجيش اللبناني الذي باتت تغطيته شاملة لمرضى كورونا. أما بالنسبة للبقية، فقد كانت «التحسينات» طفيفة. فوزارة الصحة العامة دعمت تعرفات استشفاء مرضى الوزارة بنسبة ثلاثة أضعاف ونصف ضعف.
أما تعاونية موظفي الدولة، فقد لفت مديرها العام، يحيى خميس، إلى «أننا نسعى لزيادة موازنة الـ 2022، بما يخفّف من الفروقات لا من إلغائها». مع ذلك، يكمن الخوف في المدى الذي تسلكه بعض المستشفيات، ولا سيما في بيروت وضواحيها، التي تحمل فواتيرها أرقاماً لم يعد الموظف قادراً على دفعها، «ليس فقط بالنسبة لمرضى كورونا وإنما بكل أمور الاستشفاء». وإذ «يتفهّم» خميس وضع القطاع الاستشفائي، إلا أنه يأخذ على بعض هؤلاء انشغالهم عن الناس «وكأنهم يعيشون في جزيرة أخرى»، معتبراً في الوقت نفسه أن الأزمة شاملة، «ومن يعيش في بلدٍ مأزوم عليه أن يحمل أيضاً مسؤولية»!