خالد أبو شقرا – نداء الوطن
إنعدام القرارات الاقتصادية الرسمية منذ اندلاع الأزمة في تشرين الأول 2019، قابله سيلٌ من التعاميم الأساسية والوسيطة من مصرف لبنان. تعاميم متراصة حكم بها “المركزي” البلاد والعباد، ونثر بأرقامها المحفوظة عن ظهر قلب “ملح” تخفيض سعر الصرف على “ثلج” الودائع المجمّدة في برادات المصارف. فاستحالت ليرات بلا قيمة، تعلو وجوه أصحابها نظرات فارغة وسؤال واحد من “عنتره” علينا مفوضاً إياه تكبيلنا بالفقر، وإطلاق يد البنوك الشريكة في سلب حقوقنا وحماية المنظومة والرضوخ لها؟ ليأتي الجواب الافتراضي: “تعنترت وما حدا ردني”.
14 تعميماً أساسياً أصدرها مصرف لبنان منذ مطلع العام 2020. أضيف فوقها 10 تعاميم وسيطة، في العام 2021. في الشكل، ظُهّرت القرارات على أنها خدمة للمودعين، ومحاسبة للمصارف المخلّة لاعادتها إلى “الصراط المستقيم”، فيما انعكست في المضمون مزيداً من الانهيار في سعر صرف الليرة واتاحة المجال أمام البنوك للاستنسابية وعدم التقيد بالقواعد والقوانين.
في 3 نيسان 2020 واستجابة لـ”فرمان” السياسة والسلاح أصدر مصرف لبنان التعميمين 148 و149. قضى الأول بتسديد الودائع التي تقل عن 3 آلاف دولار أو 5 ملايين ليرة بـ 2600 ليرة لبنانية مقابل الدولار في الوقت الذي كان فيه السعر الحقيقي للصرف 3000 ليرة. فيما نص التعميم الثاني على خلق “المنصة” لتحديد سعر الصرف بشكل يومي. الهدف كان التخلص من نحو 61 في المئة من الحسابات، التي تعود بغالبيتها إلى رواتب موطنة، بكلفة تصل إلى 340 مليون دولار. أما النتيجة فكانت تضخيم الكتلة النقدية بالليرة وزيادة الطلب على الدولار بشكل مباشر وغير مباشر والامعان في ضرب الليرة. ولم يخل هذا التعميم بالطبع من مشاكل لا تعد ولا تحصى بين المودعين والمصارف. ولا سيما مع إجراءات الحجر وتخفيض الطاقة الاستيعابية التي كانت معتمدة في تلك الفترة.
فصل “الفريش” عن “اللولار”
في 9 نيسان 2020 أصدر مصرف لبنان التعميم رقم 150. وقد أعفى بموجبه البنوك من إجراء توظيف إلزامي لدى المركزي مقابل الأموال المحولة من الخارج و/أو الأموال التي تتلقاها نقداً بالعملات الأجنبية بعد تاريخ 9/4/2020 بشرط ترك حرية استعمال هذه الأموال للعميل إيداعاً سحباً وتحويلاً. هذا التعميم ميّز رسمياً للمرة الاولى بين الاموال الجديدة “الفريش” والقديمة “اللولار”، قائلاً بصورة مباشرة أنه من المستحيل استعادة الاموال القديمة بالدولار.
التعميم 151
في 21 نيسان 2020 أصدر مصرف لبنان التعميم الأشهر 151. التعميم الذي تزيّنت به الصرافات الآلية وأصبح على كل شفة ولسان سمح لاصحاب الودائع بالدولار الذين لا يستفيدون من التعميم رقم 148، اجراء سحوبات وفقاً لسعر السوق (2600 ليرة وقتها). وترك للبنوك حرية تحديد السقوف. هذا التعميم الذي سرعان ما طور إمكانية السحب على 3900 ليرة، ومن ثم 8000 ليرة مؤخراً، كان بحسب الخبراء التمهيد لتحرير سعر الصرف رسمياً. وقد حل مكان السياسات الحكومية المولجة تحديد سعر الصرف وكيفية تحديد الخسائر وتوزيعها. كما أنه أعلن بشكل فاضح وقف التداول بالدولار بشكل نهائي بعدما كانت المصارف تقطّر الدولارات للمودعين بـ 100 دولار اسبوعياً. والأهم أنه صب في مصلحة المصارف وخفف الضغط على ما تبقى لديها من سيولة بالدولار. وكان سبباً لزيادة الطلب على الدولار وارتفاع سعر صرفه بشكل كبير. خصوصاً أنه ترافق مع طلب المركزي مع شركات تحويل الأموال التسديد بالليرة على سعر صيرفة وبيع الدولار له.
عقب انفجار المرفأ أصدر المركزي التعميم رقم 152 الذي طلب فيه من المصارف والمؤسسات المالية في لبنان أن تمنح قروضاً استثنائية بالدولار الأميركي بصفر في المئة فائدة للمتضررين من الانفجار، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات صغيرة ومتوسطة وشركات، باستثناء المطورين، بغية ترميم المنازل والمؤسسات. إلا ان هذا التعميم بقي حبراً على ورق ولم يطبق على نطاق واسع.
“إلك معنا وما معنا”
في 19 آب 2020 وأمام تعالي صرخات ذوي الطلاب الذين يتعلمون في الخارج، من تجني المصارف، ورفضها تحويل مبالغ مالية من حساباتهم لأولادهم، اصدر المركزي التعيم 153. وقد طلب من المصارف القيام بعمليات تحاويل أموال إلى الخارج من حسابات عملائها الجارية بالعملة الأجنبية لتأمين أقساط التعليم وبدلات الايجار وكلفة المعيشة للطلاب. شرط أن يكونوا مسجلين في مؤسسات تعليمية ومقيمين في الخارج قبل نهاية 2019، وألا يتعدى السقف 10 آلاف دولار أميركي. وبطبيعة الحال وجرياً على عادتها في التعاميم 148 و151 و152 ضيّعت المصارف المودعين بالاوراق والمعاملات، واستفادت من غياب الآليات التطبيقية والعقابية لعدم تنفيذ التعميم على قاعدة “إلك معنا وما معنا”. هذا التعميم الذي ترك للمصارف حرية الاستنسابية ولم يطبق بالشكل الصحيح، وبح صوت الأهالي وهم يطالبون، كان بديلاً، أو شكلاً مشوهاً، عن الكابيتال كونترول الذي رفض الجميع إقراره. حيث خفض قيمة التحاويل المصرفية من 50 الفاً إلى 10 آلاف كحد أقصى سنوياً، لا تكفي لايجار مسكن في الدول الأوروبية، فما بالنا بالأقساط الجامعية والمصاريف. كما ميز بين المودعين بالليرة والدولار وحرم شريحة واسعة من الطلاب الذين يتعلمون في الخارج والذين يقدر عددهم بـ 10 آلاف طالب من أبسط حقوقهم.
بدعة التعاميم مع الـ 154
في 27 آب 2020 أصدر مصرف لبنان التعميم “الاشكالي” 154، الهادف لاعادة تفعيل عمل المصارف. وقد انقسم إلى شقين رئيسيين: الاول، الطلب من المصارف “حث” عملائها على ارجاع ما بين 15 و30 في المئة من الأموال المحولة بعد تاريخ7/2017/ 1 التي تفوق 500 ألف دولار. والثاني، تكوين حساب خارجي حر من أي التزامات لدى المصارف المراسلة في الخارج لا يقل، في أي وقت، عن 3 في المئة من مجموع الودائع بالعملات الأجنبية لديها كما كان في نهاية تموز 2020. وأعطى مهلة لغاية نهاية شباط 2021 لتطبيقه. عدا عن تجاوزه بالجملة للقوانين المرعية الإجراء، فان التعميم فشل فشلاً ذريعاً في استعادة الأموال المحولة. وعلى الرغم من عدم الافصاح عن الارقام، فانه من المتوقع ألا يكون الرقم المستعاد قد تجاوز بضعة مئات الملايين من الدولارات. مع العلم أن الطموح كان باسترجاع نحو 4 مليارات دولار. أما في ما خص الشق الثاني من التعميم، فقد أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في سعر الصرف نتيجة توجه المصارف إلى السوق الثانوية لشراء الدولار وتأمين متطلبات التعميم. فما كان من سعر الصرف إلا ان ارتفع متخطياً عتبة 13 ألف ليرة في الأشهر الأولى من العام الحالي.
التذكير بالدولار الطالبي
في 9 كانون الأول 2020 أصدر المركزي التعميم 155 الذي أعاد تذكير المصارف بتطبيق الدولار الطالبي ولا سيما لجهة تطبيق القانون 193 تاريخ 16/10/2020 على أن يتم تأمين العملات الأجنبية من حساباتها لدى مراسليها في الخارج. وهو إن دل على شيء فعلى عدم التزام المصارف بالتعاميم والقوانين على حد سواء.
خاتمة 2020 كانت مع التعميم 156 الذي اعترف بمخالفة بعض المصارف لأصول تسويق الاسهم التفضيلية الصادرة عنها على أنها مضمونة الفائدة، من دون أن يتم الافصاح عن المخاطر المرتبطة بها. فأمام عجز المصارف عن تسديد الأرباح سمح “المركزي” لها بتكوين مؤونة خاصة بعملة إصدار السهم توازي قيمتها ثلاثة أضعاف مجموع الأرباح غير المدفوعة العائدة للأسهم التفضيلية المسوقة بشكل مخالف للأصول، وذلك إلى حين تسوية أوضاعها. وعليه فان هذا التعميم الذي يوحي بالشكل بالدفاع عن مصالح حملة الاسهم التفضيلية، يفوض البنوك بتسجيل الحقوق في ذمتها الواسعة.
عودة “SAYRAFA”
في 10 أيار 2021 أصدر مصرف لبنان التعميم 157 الذي أعاد بموجبه إحياء منصة صيرفة، مشرعاً إياها أمام المصارف والصرافين الافراد والمؤسسات على حد سواء على سعر 10 آلاف ليرة، يتحدد أسبوعياً. إلا أن هذا التعميم شهد فشلاً ذريعاً لاقتصار المشاركين بالمنصة على بعض البنوك، ووجود عارض وحيد للدولار هو مصرف لبنان، واعتماد سياسة البيع الاسبوعية للدولار.
تشريع Haircut
في 8 حزيران 2021 أصدر المركزي التعميم 158 الذي سمح باتخاذ اجراءات استثنائية لتسديد تدريجي لودائع بالعملات الاجنبية. وقد قضى التعميم بتسديد 800 دولار شهرياً لاصحاب الودائع بالدولار، 400 تدفع نقداً و400 أخرى بالليرة على سعر 12 ألف ليرة. التعميم شرع الهيركات رسمياً بعدما مهد له بالتعاميم السابقة. وقد بلغت نسبة الاقتطاع 54 في المئة وقتها. وهي ترتفع مع كل انخفاض في سعر صرف الليرة. في 17 آب 2021 أصدر المركزي التعميم 159 الذي قال فيه بصراحة: “السوق السوداء لي”. التعميم الذي حظر على المصارف شراء الدولار من السوق، خولها شراء العملات الأجنبية المحولة مباشرة من الخارج لزبائنها بسعر السوق. ومن جهة ثانية حصر الطلب الكبير الأساسي على الدولار من السوق السوداء به لتأمين غرضين رئيسيين، القدرة على تأمين طلبات المستوردين بمئات الملايين من الدولارات من السوق الموازية بسهولة. والثاني، التحكم بالسوق الموازية والضغط لتقريب سعر السوق إلى سعر منصة صيرفة والغاء الفوارق بينهما. وكان من نتيجة التعميم ارتفاع الدولار خلال الأشهر التي تلت شهر آب نتيجة طلب المركزي المتزايد على الدولار من السوق السوداء مقابل طبع الليرات.
التعميم 160
صدر في 27 تشرين الاول 2021 وهدف إلى تنظيم قيام المصارف بعمليات وخدمات إدارية.
ختام العام 2021 كان مع التعميم “النكبة” 161 الذي سمح لكل عملاء المصارف وأصحاب الرواتب الموطنة سحب أموالهم على سعر منصة صيرفة. الخطوة التي اتخذت بالسراي الحكومي، هدفت لاقفال العام على سعر صرف أقل من 30 ألف ليرة. إلا أنها مثلت دعماً لموظفي الدولة من أصحاب الرواتب الموطنة بالليرة بنسبة تراوحت بين 20 و30 في المئة من أموال المودعين. ولم تعدُ بحسب الخبراء كونها رشوة تخفف الضغط عن فشل المنظومة الحاكمة، وتمثل تشريعاً جديداً للاقتطاع من قيمة الودائع.