كتبت صحيفة ” نداء الوطن ” تقول : بفارق أكثر من عامين عن تهديده بقلب الطاولة على الجميع في لبنان والمجاهرة بنيته زيارة دمشق قبل أن تباغته ثورة 17 تشرين وتقلب الطاولة على مخططاته، بدأ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل خطابه أمس، من حيث انتهى في خطاب 13 تشرين 2019 من الحدت… فلفّ ودار وعاد إلى مربع “الممانعة” الأول، ليجدّد العزم والنية على القيام “بزيارة علنية” إلى سوريا “ولو قبل الانتخابات لأنه ما عاد إلنا مبرّر لعدم الزيارة”.
ومن العنوان السوري العريض الذي توّج به كلمته، بدا واضحاً أنّ باسيل حسم خياراته ورسم ”استراتيجيته” للمرحلة المفصلية المقبلة، فأعد العدّة لأن يلعب “صولد” ويرمي جميع أوراقه على المكشوف، ضمن إطار استراتيجية ثلاثية الأبعاد، سياسياً وانتخابياً ورئاسياً، تقوم على ”استعداء” رئيس مجلس النواب نبيه بري وشيطنته لشدّ العصب المسيحي، مقابل “استجداء” العطف والاحتضان من قيادة “حزب الله” وتحميلها واجباً أخلاقياً بانتشال “التيار الوطني الحر” من أزمته المسيحية والسياسية والشعبية، بالتوازي مع “استرضاء” الرئيس السوري بشار الأسد لإعادة تعويم حظوظه الرئاسية في دمشق وفرضها فرضاً على حلفائها في بيروت.
فبغض النظر عن كل “حشو ولغو” سيادي وإصلاحي في خطابه لزوم المشهد الدرامي ودور المظلومية الذي يلعبه أمام الرأي العام لغسل يديه من ارتكابات المنظومة الحاكمة التي شكل على مدى أكثر من 15 عاماً أحد أبرز أركان تسوياتها وصفقاتها ومحاصصاتها داخل مجلس الوزراء وخارجه، يمكن اختصار رسائل باسيل بجملة من الإشارات المشفرة وغير المشفرة، بعضها متجانس وبعضها متضارب في سياق يعكس حالة التخبط والتضعضع التي يعيشها داخل تياره، إلى درجة لم يتردد معها حتى في اقتباس شعار “المقاومة في كنف الدولة” الذي طرحه النائب الراحل نسيب لحود واقترح إدراجه في البيان الوزاري عام 2008، وحينها كان باسيل نفسه من أشد الرافضين لهذا المبدأ ومن أكثر المتمسكين بثلاثية “حزب الله”: جيش، شعب، مقاومة.
وفي صلب الرسائل والإشارات التي أطلقها، وضع رئيس “التيار الوطني” نفسه عملياً في تصرّف “السيد حسن (نصرالله)، يلّي إلو عندي مكانة خاصة بالقلب وبالعقل الله وحده بيعرفها”، رافعاً إليه كتاب تظلّم صريح بضرورة إعادة النظر في مسألة تغليب كفة “الثنائية الشيعية” على كفة “تفاهم مار مخايل” في ميزان الحسابات والخيارات السياسية، على أساس أنّ مشاكل باسيل المتراكمة سببها انحياز “حزب الله” الدائم إلى قرارات رئيس مجلس النواب على حساب “أصدقائهم الصادقين… ولمّا منسألهم، الجواب الوحيد من 3 أحرف: برّي”.
وكمن يقدم جردة حساب بالخدمات السياسية التي قدّمها لـ”حزب الله”، ذكّر باسيل بأن توقيع ”تفاهم مار مخايل” أتى منعاً لعزل “الحزب” وأنه دعمه في حرب تموز وفي حق سلاح المقاومة بحماية لبنان، مروراً بالوقوف معه “في الشارع” على مدى سنتين ضد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وعمل على إحباط كل محاولات عزل الحزب “وآخر موجاتها كانت في 17 تشرين عام 2019 بهدف رفع الغطاء المسيحي عنه” على حد تعبيره في معرض تخوين ثورة 17 تشرين بوصفها “ثورة سفارات”، فضلاً عن تعرضه لعقوبات أميركية بسبب رفضه فك الارتباط مع “حزب الله”… وصولاً إلى الاصطفاف العلني مع “حزب الله” في معركة الطيونة في مواجهة عين الرمانة والانحياز إلى “مشهد مار مخايل”، ليخلص في ضوء ذلك إلى التلميح مواربةً بأنّ وقت تحصيل “الغلّة” قد حان سياسياً وانتخابياً، لأنّ “المشكلة صارت عميقة عند قواعد التيار (…) وما بقى فينا نكمل هيك”.
وفي المقابل، شنّ باسيل هجوماً شرساً بالمباشر على بري من بوابة وصفه بممارسة “السلبطة” في مجلس النواب، حيث يحبس القوانين الإصلاحية في “الجارور”، ويحرّف تصويت النواب، ويخالف الدستور في مقاربة موضوع كتاب رئيس الجمهورية لتفسير المادة 95 من الدستور حول المناصفة بالإدارة، من دون أن يتوانى عن محاولة تأليب “حزب الله” على رئيس المجلس واتهامه بشكل غير مباشر بالعمل على تنفيذ أجندة جيفري فيلتمان ضد الحزب في لبنان، بالغمز من قناة أنّ على “حزب الله” أن يبحث بين “شركائه” عمن يقوم بتنفيذ هذه الأجندة.
ولأنّ كيل الاتهامات التي ساقها ضد بري قد طفح في أروقة عين التينة، سيكون باسيل على موعد مع ردّ عنيف اليوم من المعاون السياسي لرئيس المجلس النائب علي حسن خليل، مهدت له قناة “أن بي أن” أمس برشق ناري في مقدمة نشرتها الإخبارية، استهدفت فيه ”الفهلوي جبران” الذي لا يرقى في تحليلاته “لقناعات الناس الطبيعيين”، وردّت على محاولته ”دق إسفين” بين الثنائي الشيعي “بثلاثة أحرف: خسئ”، معتبرةً أنه تحول إلى رئيس “تيار السقوط الحر” وأنه في كل ما قاله لم يصدق إلا “بكلمة واحدة: أنا ما بفهم”.
في الغضون، وبينما تتحضر دوائر الرئاسة الأولى لتوجيه الدعوات إلى طاولة الحوار وفق جدول الأعمال الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية ميشال عون، كشف مصدر متابع لهذا الملف لـ”نداء الوطن” أن “قرار الثنائي الشيعي محسوم لجهة تلبية الدعوة إلى الحوار”، مشيراً إلى أنّ الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في إطلالته اليوم “سيجيب على الهواجس – الاسئلة التي طرحها كل من عون وباسيل بهدوء وإيجابية، خصوصاً وأنّ كليهما رفعا سقف المواقف السياسية ضمن صيغة الأسئلة والهواجس، ولم يذهبا إلى خيار المواجهة المباشرة والشخصية”.