الجمعة, نوفمبر 22
Banner

إرتفاع الأسعار العالمية للسلع والمواد الأولية… تداعيات مُتفاوتة على ‏الإقتصادات العالمية

كتبت صحيفة ” الديار ” تقول : مما لا شكّ فيه أن الإقتصاد العالمي تهاوى أمام الصدمات المُتتالية التي تلقّاها من متحوّرات كورونا. ‏التراجع الكبير في النشاط الإقتصادي والناتج عن الإقفال الذي طال مُعظم دول العالم، دفع إلى تراجع ‏النمو الإقتصادي العالمي بنسبة 3.36% في العام 2020 بحسب البنك الدولي (بلغ الناتج المحلّي ‏الإجمالي العالمي 87.3 تريليون دولار أميركي في العام 2019 و 84.5 في العام 2020).‏

فعّالية اللِقاحات ضد فيروس كورنا ونسبة التلقيح التي واكبت هذه العملية (نصف سكان العالم تلقوّا ‏جرعتين بحسب المعلومات المتوفّرة) سمح للإقتصاد بالعودة إلى نشاطه المُعتاد خصوصًا أن مُتحوّر ‏أوميكرون الأخير، يقترح (بحسب منظمة الصحة العالمية) المرحلة الخطرة لوباء كورونا. وهو ما دفع ‏بالتوقّعات الإقتصادية إلى الإرتفاع بشكلٍ مُلفت مع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العالمي بنسبة ‏‏5.7% في عام 2021، وبنسبة 4.8% في عام 2022.‏

هذا الإنتعاش الإقتصادي الذي شهده العالم في العام 2021، والسياسات النقدية والمالية والتوسّعية التي ‏قادتها حكومات الدول ومصارفها المركزية أدّى إلى وفرة السيولة وهو ما رفع الأسعار خصوصًا أسعار ‏السلع الأساسية الأولية (طاقة، سلع زراعية، معادن صناعية، ومعادن ثمينة) التي إرتفع مؤشرها من 139 ‏نقطة في أول العام 2021 إلى أكثر من 170 نقطة في أخر العام 2021 (أرقام البنك المركزي في سانت ‏لويس)، وهو ما يُمكن ترجمته بإرتفاع أسعار الطاقة ما بين 50 و60% والسلع الزراعية أكثر من 20% ‏والمعادن الصناعية ما بين 18 و22%.‏

هذا الإرتفاع في أسعار السلع الأساسية، يعود بالدرجة الأولى إلى العوامل التالية:‏

أولًا – زيادة في الطلب: وتأتي هذه الزيادة لتؤكد عودة النشاط الإقتصادي إلى طبيعته وهو ما أعاد الطلب ‏إلى مستوياته ما قبل الأزمة خصوصًا على صعيد النفط الذي إرتفعت أسعاره من 50 دولارا في بداية ‏العام 2021 إلى 76 دولارا في نهاية العام مع وصوله إلى قمة فاقت الـ 82 دولارًا. وهنا يظهر القطاع ‏الصناعي كمُحرّك رئيسي لهذا الطلب سواء على صعيد الطاقة أو على صعيد المعادن.‏

ثانيًا – نقص في العرض: فقد أدّى الإقفال إلى نقص كبير في المخزون الذي تمّ إستهلاك قسم كبير منه، ‏حتى أن الرئيس الأميركي بايدن أعطى تعليماته بإستخدام جزء من الإحتياطي الإلزامي من النفط. ‏وبالتالي، فإن إعادة تكوين المخزون يُشكّل طلبًا إضافيًا في الأسواق يلعب بإتجاه رفع الأسعار. أضف إلى ‏ذلك توقيف العديد من المنشآت المُنتجة للمواد الأولية بسبب إرتفاع الكلفة، وكذلك إتفاق دول أوبك بلس ‏الذي لجم الكمية المُنتجة يوميًا من النفط.‏

ثالثًا – وفر السيولة مع ضخّ السياسات المالية والنقدية التوسعية خلال الأزمة وهو ما دفع المُستثمرين إلى ‏أخذ المزيد من المخاطر. كل هذا أدّى بدون شكّ إلى زيادة الضغوط التضخّمية التي يُحذّر منها صندوق ‏النقد الدولي ويُطالب الدول بأخذ الحذر حتى لا تتحوّل نسب النمو الموعودة (5.7% في العام 2021، ‏و4.8% في العام 2022) إلى فقاعات مع زيادة التضخّم.‏

رابعًا – تراجع الدولار مُقابل العملات الأخرى والذي دفع بمنتجي السلع الأولية إلى رفع أسعارهم ‏لتعويض الخسائر الناتجة عن تراجع الدولار. الجدير ذكره أن أسعار المواد الأولية مُقوّمة بالدولار ‏الأميركي وبالتالي فإن الخسارة في قيمتها تُعوّض من خلال رفع السعر.‏

عمليًا تتأثر إقتصادات الدول بشكل مختلف من هذا الإرتفاع في أسعار السلع الأولية بحسب هيكليتها ‏الإقتصادية:‏

‏1- تستفيد إقتصادات المُنتجة للسلع الأولية من إرتفاع الأسعار حيث يكون النمو الإقتصادي أكبر ويكون ‏هناك مداخيل مالية إضافية تُريح موازانات هذه الدول التي عانت خلال جائحة كورونا من إنخفاض ‏الأسعار وزيادة الإنفاق الإجتماعي.‏

‏2- فيما يخص إقتصادات الدول المُتطوّرة المُستهلكة للسلع الأولية، فإن إرتفاع أسعار السلع الأولية ‏ينعكس بالدرجة الأولى إرتفاعًا في كلفة الإنتاج وهو ما ينعكس بدوره إرتفاعًا في أسعار المبيع.‏

‏3- أمّا فيما يخص إقتصادات الدول الناشئة وفي طور النمو، فإن إرتفاع أسعار السلع الأولية ينعكس تلقائيًا ‏في أسعار الإستهلاك نظرًا إلى هيكلية إقتصادات هذه الدول وبالتالي نرى أن مؤشرات أسعار الإستهلاك ‏في هذه الدول تتأثر بشكلٍ أكبر من مؤشرات أسعار الإستهلاك في الدول المُتطورة نظرًا للوزن الكبير ‏للطاقة والسلع الغذائية التي تُعطيه الدول في طور النمو في إحتساب المؤشر الأسعار الإجمالي. وهو أمر ‏معروف في الإقتصاد حيث تكون البلدان الناشئة أكثر عرضة لارتفاع أسعار المواد الغذائية من البلدان ‏المُتقدّمة، مما يعني أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة في الدول الناشئة يؤثر بشكل مباشر على ‏التضخم العام أكثر منه في الاقتصادات المتقدمة التي تحوي هيكليتها على قطاع خدماتي مُتطوّر.‏

عمليًا من المتوقّع أن يُشكّل التضخّم في المرحلة المُقبلة تحدّيًا لسياسات الحكومات في دول العالم وذلك ‏نتيجة التوقّعات بإستمرار إرتفاع أسعار السلع الأولية في العام 2022 وعلى رأسها النفط الذي يُعدّ العامل ‏الرئيسي لإرتفاع أسعار السلع الأولية الأخرى. فالنفط يُستخدم في عملية إنتاج هذه السلع وحتى نقلها ‏وتعليبها، وبالتالي هناك تضخّم ضمني يتغلغل بشكلٍ تلقائي في كافة أنحاء الماكينة الإقتصادية ويجعل ‏الأسعار ترتفع مباشرة (ثمن الطاقة عن الإستهلاك) وغير مباشرة (إرتفاع أسعار السلع الأخرى).‏

على هذا الصعيد، تلتئم منظمّة أوبك بلس وهو تحالف يضم 23 دولة بقيادة السعودية وروسيا، غدًا الثلاثاء ‏للبحث في زيادة الإنتاج بقيمة شهرية أخرى متواضعةٍ قدرها 400 ألف برميل يومياً، حيث يستعيد ضخ ‏الإنتاج الذي توقف في أثناء الوباء. وإذا كانت التوقّعات بأن يتمّ إقرار هذا الأمر، إلا أن بعض الدول ‏المُنتجّة للنفط تُعارض هذا الأمر سواء لأسباب مالية بحت (إنخفاض المداخيل نتيجة إنخفاض الأسعار) أو ‏لأسباب سياسية (لها علاقة ببعض الملفات الدولية) أو لأسباب إستثمارية (بعض الدول غير قادرة على ‏زيادة الإنتاج بسبب نقص الإستثمارات)، وهو ما قد يُعقّد الأمر بشكلٍ ملموس. من جهتها أخذت العديد من ‏الدول غير المنضوية تحت أوبك بلس (مثل كندا) قرارا برفع إنتاجها من النفط وهذا الأمر سيُخفّف من ‏الضغوطات التصاعدية على أسعار النفط العالمية مع زيادة الطلب العالمي.‏

الأسعار في لبنان

ينخرط الإقتصاد اللبناني ضمن إقتصادات الدول غير المتطوّرة وبالتالي فإن إرتفاع الأسعار العالمية ‏للسلع الأولية ينعكس بشكلٍ مباشر على أسعار المواد الغذائية والطاقة والمواد الأولية في لبنان. ومع ‏مُشكلة الدولار غير المتوفّر في الأسواق وغياب الحلول الإقتصادية بحكم تعطيل مجلس الوزراء، هناك ‏مخاوف أن يتمّ ترجمة إرتفاع الأسعار العالمية للسلع الأولية بشكلٍ كبير في فاتورة اللبناني – المُنهكّ أصلًا ‏من إرتفاع أسعار وصل البعض منها إلى أكثر من 2000%!‏

في ظل إجراءات طبيعية، كان يتوجّب على الحكومة القيام بشراء حاجاتها (خصوصًا من المحروقات) من ‏خلال عقود آجلة تسمح لها بتلبية الحاجة إلى حين إبرام إتفاق مع صندوق النقد الدولي. لكن مع غياب ‏الحكومة وفلتان السوق أمام بعض التجّار، من المتوقّع أن تشهد المرحلة المقبلة إرتفاعا في أسعار المواد ‏الأولية كافة وهو ما سيزيد من مُعانة اللبنانيين وسيجعلهم يفقدون العديد من الخدمات العامة.‏

حاجة لبنان إلى التمويل

الحاجة إلى الدولارات أصبحت مُشكلة واقعية ولها تداعيات سلبية في حياة المواطن اللبناني وهو ما يُمكن ‏مُلاحظته بشكل شبه يومي. عمليًا، هناك حاجة سنوية إضافية للتمويل تُقدّر بستة مليارات دولار أميركي ‏مطلوبة بشكّلٍ مُلح في المرحلة المقبلة وذلك بهدف تغطية حاجة الإقتصاد والمالية العامة. هذا الأمر ‏يفرض تأمينه من خلال مفاوضات مع صندوق النقد ومن خلال جذب الإستثمارات، إلا أن الشلّل الحكومي ‏الحالي يجعل العام 2022 (أقلّه النصف الأول) محفوفًا بالمخاطر. وبالتالي فإن توقّعات النمو الإقتصادي ‏اللبناني هي تراجع بنسبة تُقدر بحدود الـ 4% مع تضخّم بنسبة الـ 30% على أساس سنوي.‏

حديث الرئيس ميقاتي الأخير عن لقاء رسمي أوّلي مع صندوق النقد في منصف هذا الشهر على أن يليه ‏لقاء ثاني في أوائل الشهر المقبل للإتفاق على صيغة نهائية للبرنامج مع صندوق النقد الدولي، يدلّ على ‏أن المُحادثات – غير الرسمية – مع صندوق النقد حتى الساعة، تسير بسرعة كبيرة. إلا أن السؤال ‏الجوهري يبقى: في ظل إستمرار الأزمة السياسية الحالية وإستحالة إنعقاد مجلس الوزراء، من سيُقرّ هذا ‏الإتفاق؟ ‏

Leave A Reply