عبدالله قمح – ليبانون ديبايت
وجد رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، أن ميزان التفاهم بينه وبين “حزب الله” قد اختلّ، ولم يعد هناك من ضرورة لإبقاء الأمور في موضعها، فرمى إلى إجراء مناورة بالذخيرة الحية قدّرت رشاقتها بنحو 4500 كلمة من أوزان مختلفة، اختلطَ فيها حابل التحالف بنابله وتوزعت على أكثر من جبهة، ولو أنها لم تصب الضاحية بمقتل، وفق ما يشتهي الحلفاء والخصوم…
هذه المرة، قرّر باسيل نقل النقاش مع الحزب، إلى خارج الغرف المغلقة، معاكساً بذلك رغبة الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله. وهكذا، عبر عن هواجسه ومكنوناته ومضى إلى طرح مجموعةٍ من الأسئلة والمواضيع على السيد حسن “يللي إلو عندي مكانة خاصة بالقلب والعقل” قبل ساعات من إطلالته، منتظراً منه على ما يبدو “أجوبة” حول قضايا “مفصلية” ما عادت قابلة للنقاش بالنسبة إلى جبران، بل تتطلّب حسماً.
في الواقع، يعتبر باسيل أن الميزان في التحالف مع الضاحية قد اختلّ لمصلحة عين التينة، وبالتالي، أصبحت هذه الأخيرة تستفيد من ورقة التفاهم المعقودة بين “التيار “و “الحزب”، لافتتاح خطوط عسكرية تعود عليها بالفائدة، بينما “التيار ” هو أقلّ المستفيدين من التحالف القائم، إن لم يكن أكثر المتضررين منه، في ضوء ما حصل ويحصل مؤخراً. بناءً على ذلك، يبحث رئيس “التيار “عن إعادة التوازن في التحالف بالحد الأدنى، أو “إسترداد الحزب” إلى ميرنا الشالوحي، ويعتقد بأن إعتماد مسار “التسخين السياسي” بمعنى استهداف حركة “أمل” على نحوٍ خاص يتيح له “فكّ الشيء الكثير” الطاغي على التحالف “المعزّز” بين الحركة والحزب، ولو أن هذا الكلام لا يستسيغه الحزب ربطاً بأن الأخير قد تعامل مع “أوراق باسيل” من إتفاق معراب إلى صفقة بيت الوسط “بتفاهم كلي، فلماذا يصرّ على عدم تفهّمنا؟”. إلى جانب طرح فكرة “تطوير التفاهم” مع الحزب، والذي يأتي بناؤه على قواعد مختلفة تصلح لإعادة التوازن المُشار إليه، ما دام أن باسيل قد حسم رأيه بأنه “لن يمضي إلى تمزيق الورقة”.
قالها باسيل ولم يستحِ: “نحن عملنا تفاهم مع حزب الله مش مع حركة أمل”. بناءً عليه، يكون قد أخرجَ الحركة من دائرة التعاون السياسي مستقبلاً، وكان قبل ذلك قد أخرج نفسه من أي إمكانية للتعاون مع الرئيس نبيه بري إنتخابياً، في موقف يبدو أنه مُتّخذ من قبل “التيار” ولا رجوع عنه، وهذا يؤشّر إلى مرحلة جديدة محتدمة ومختلفة عن النزاع السياسي التقليدي بين الجانبين وقد ظهرت تباشيرها الأولى عبر وسائل التواصل غداة انتهاء المؤتمر الصحفي. والكلام أعلاه الذي أطلقه باسيل بحقّ الحركة ورئيسها لن يعبر من دون تعليق. ويُتوقع أن يكون بيان المكتب السياسي “الحركي” اليوم، تصعيدياً.
هذا كلّه، يعني أننا دخلنا مبدئياً في مرحلة الحملات الإنتخابية، والمؤشرات الحالية لا تختلف كثيراً عن حقبة 2018. يومذاك، دشّن باسيل حملاته باستهداف بري “البلطجي”، أما اليوم فيدشّنها باستهداف الحركة والحزب ليس بعيداً عنها، ولو أنه لم يختر فكّ التحالف معه، وإنما شدّد على التعاون الإنتخابي وقل أنه “مُتّفق عليه”، لذا سيكون باسيل في مقام الفصل مع الحزب ما بين ما هو انتخابي وسياسي.
في الواقع، إختار باسيل من بين “السلوغونات” الموجودة واحداً نافراً ليكون عنواناً للحملات الإنتخابية البرتقالية. طرح خلال ظهوره عنوان: “التغيير الكبير” وربط الخوض فيه ضمن هذا المستوى لكونه كـ”عهد وتيار” لم تكتمل لديهم سابقاً “شروط” هذا المشروع. ويبدو أن “المشروع” سيعمّم لاحقاً على الحالة السياسية، ومن المحتمل أن يبلغ حدود فرضه كعنوان للتعديلات التي يطمح إليها التيار على ورقة التفاهم مع “حزب الله”، بالإستفادة من الضغط الشعبي الذي أشار إليه باسيل خلال مؤتمره تحت عنوان “الشرخ” الذي يعتري علاقة القاعدة العونية مع الحزب، والذي حاول أن يُنبىء الحزب إليه ويلفت النظر حوله، والذي يبدو أن “الحركة” – من وجهة نظر باسيل – تتسبّب به. لذلك، بات من شبه المحسوم أن جبران قد دفن النسخة القديمة من “ورقة التفاهم” رسمياً، وبدأ المفاوضات تحت النار لإبرام النسخة المقبلة، والتي يشتهي أن تكون مختلفة جذرياً. وحول العنوان نفسه، يمضي “التيار” نحو إجراء “تعديلات حاسمة” حيال وجهة نظره بطبيعة التعاون مع الفرقاء الآخرين، وهذا ينسحب على “تكتلات المجتمع المدني”، ويأتي من خلفية نتائج “إعادة قراءة” خلُص إليها “التيار” مؤخراً.
من جهة أخرى، اعتبر باسيل أن طرح “تغيير النظام” على البارد قد سقط، قاصداً بذلك “إقتراح الحوار” الذي تقدّم به رئيس الجمهورية ميشال عون خلال إطلالته الأخيرة، وهي رسالة واضحة بأن الإقتراح قد بات بحكم الميت. وعليه، باشر “التيار” عملياً بتفعيل “الخطة البديلة” ،ألا وهي محاولة التغيير “على نحوٍ ساخن” من دون أن يحدّد درجة السخونة تلك، ووفق أية أدبيات سيجري اعتمادها. يبقى المحسوم الواضح، أن موضع إطلاقها يأتي من الإنتخابات. وطالما أن الشيء بالشيء يُذكر، أعاد باسيل تجديد “الروح” بطرح الرئيس حيال الإستراتيجية الدفاعية تحت عنوان” ما منقدر نخسر الدولة كرمال المقاومة”، وبهذا يكون “يلعب هجوم” في منطقة جزاء الحزب، و يعيد الإعتبار لطرح الرئيس، وبالتالي، يحاول إنضاج ظروف التغيّرات المفترضة على ورقة التفاهم، والتي سيكون هذا الموضوع عنواناً رئيسياً فيها.
في المقابل، أبقى الحزب نفسه بمعزل عن ردود الفعل على خطاب باسيل، طالما أن “السيد” حدّد إطلالته اليوم. وبصرف النظر إن كان الأخير في وارد الإجابة على تساؤلات باسيل أو الردّ على هواجسه أم لا، كان الحزب يتوقّع سقفاً أرفع من الخطاب “الباسيلي” تجاهه، فأتت الجرعة على قدر ما يمكن هضمه بشهادة أوساط مقربة من الضاحية، التي أبدت تقبّلاً وتفهّماً حيال ما طرحه باسيل خلال ظهوره، وفي النتيجة “الحزب” لا زال يتموضع في المنطقة ذاتها: “الغرف المغلقة”.
بالنسبة إلى تلك الاوساط، لا مجال للشك حول أن باسيل “مزروك” سياسياً في أعقاب ما حصل في المجلس الدستوري وقانون الإنتخاب. تبعاً لذلك، يحاول رفع الصوت إلى أقصاه، ليس بالضرورة لتحصيل شروطٍ معينة يرمي إليها، وإنما لإبلاغ الحليف بضرورة “المحافظة بالحدّ الأدنى على وضعيته” إن لم يكن يريد تعزيزها. من هنا، كانت الإشارة إلى “الثمن” الذي تكبّده باسيل “عن سابق إصرار” من جراء علاقته مع الحزب. صحيحٌ أنه أعاد تذكير الحزب بالثمن المدفوع ربطاً بالعقوبات الأميركية، وكأنه أوحى بأنه يطلب “ردّ الإعتبار” حزبياً إليه، لكن الصحيح أيضاً – وفق رؤية الاوساط – أن باسيل لم يطرح العنوان على بازار التفاهم، طالما أنها قضية بات مفروغاً منها، وسبق للحزب وأن توقف عندها وعلق عليها ورد التحية، وإنما أتى تذكير باسيل بها من مقام “استعطاف الحزب” وإسقاطها في المقارنة “بين ما دفعنا وما دفعوا” قاصداً حلفاء الحزب الآخرين.
يبقى المثير أن باسيل كرّر “لطش” الحزب بأنه ساهم في ضرب العهد، أي العهد الذي يتُّهم الحزب به، وهذه، وإن تمّ تفهّمها على اعتبار أن قائلها “محشور”، لكنها لم تحمل أية ردّات فعل من جانب الضاحية ما دام أن باسيل أبقى نفسه ضمن منطقة التموضع الإستراتيجي التي ينظر إليها الحزب بدقة و يدرجها على قائمة أولوياته بإعلانه استعداده للذهاب إلى سوريا “قبل الإنتخابات”، في شيء أشبه إلى طرح نفسه كـ”بديل” شرعي حيال حلّ الملفات العالقة مع دمشق ومنها ملف النازحين ما دام أن الوساطات الدولية قد أثبتت عدم جدّيتها.