كتب خالد ابو شقرا – نداء الوطن : دفعت الأزمة الاقتصادية بالأغلبية الساحقة من المواطنين إلى البحث عن السعر الأدنى. وسواء كان المنتج غذائياً أساسياً أم كمالياً، فإن ما يحدد حجم الطلب عليه هو قيمته المادية. حتى لو كان ذلك في الكثير من الاحيان على حساب الجودة والتنمية المستدامة.
“سلوك المستهلك” المقيم في لبنان لم يعد متمايزاً بشكلٍ عام. جولة على متاجر بيع التجزئة والسوبرماركت تظهر تشابهاً كبيراً في “قرارات الشراء”. الإقبال الكثيف يتركّز على تبضّع السلع المدعومة. من بعدها يتوجه المستهلكون إلى بقية الرفوف حيث يلاحظ ميلهم إلى إختيار السلع بناءً على السعر. وهنا تنقسم الخيارات؛ فمنهم من يبحث عن أدنى الأسعار بغض النظر عن جودة المنتج أو شكله أو مصدره أو حتى ضرره على البيئة. ومنهم من يختار السعر الأدنى من المنتج نفسه بناء على طريقة التغليف. فينتقون الحليب المجفف من العلامة التجارية نفسها، الموضوع في كيس وليس المعلّب في عبوات تنكية. كذلك الأمر بالنسبة إلى القهوة سريعة التحضير من ماركة معينة، حيث يتركز الطلب على الأكياس بدلاً من العبوات الزجاجية. ويتكرر الأمر نفسه في المياه المعدنية والبزورات والمخللات وغيرها الكثير من الاصناف. الأمر الذي يدفع إلى الإفتراض بان تخفيض اكلاف التغليف ممكن أن يكون حلاً لتخفيض الاسعار مع المحافظة على جودة المحتوى، خصوصاً بالنسبة للمنتجات الوطنية.
إنعكاس التغليف على كلفة المنتج
كلفة التغليف أو التعليب قد تصل إلى حوالى 70 في المئة من قيمة المنتج النهائية. وقد تفوق تكلفتها في أحيان كثيرة قيمة المحتوى كعبوات المياه أو البيرة الزجاجية. حيث يبلغ سعر زجاجات المياه ضعفي سعر العبوة البلاستيكية للحجم نفسه والماركة نفسها. وهو ما يجعل منها “منتجاً مختلفاً في الشكل والمكانة ولو ان المحتوى نفسه”، بحسب نائبة رئيس منظمة التغليف العالمية ومديرة “Liban pack” سهى عطالله. وعليه فان “أفضل ما يمكن ان تقوم به الشركات والمؤسسات هو تقديم المنتج نفسه بأشكال مختلفة ليراعي ميزانية مختلف الأذواق والقدرات الشرائية. مع الانتباه إلى موضوع أساسي هو ان هدف التغليف حماية وحفظ المنتج وأن يكون صديقاً للبيئة”. فاذا كانت إمكانيات الشركات وموازناتها تسمح لها بتنوع أشكال التغليف تكون قد حفظت مكانة منتجاتها من جهة، وأمّنت سلعاً ذات جودة عالية بأسعار أقل من جهة ثانية، وتحديداً في السلع الغذائية حيث يفوق سعر المعلبات من ذرة وفطر وهليون وغيرها الكثير من الاصناف الموضوعة بعبوات زجاجية تلك التي توضع في عبوات تنكية أو حتى أحياناً في اكياس نايلون. وبحسب عطالله فانه “طالما الشروط الصحية والبيئة محفوظة لا يوجد تغليف أفضل من تغليف، إنما يوجد إختلاف بطريقة التقديم وبالأسواق المستهدفة ونوعية المستهلكين ورغباتهم وطبقتهم الاجتماعية والصورة التي يريد المنتج ان يخلقها”.
التغليف أساسي لحماية الجودة
الخطأ الذي يقع فيه المستهلكون برغبتهم، أم مكرهين نتيجة تراجع قدراتهم الشرائية، هو التوجه إلى شراء الأصناف الرخيصة المعلبة بطريقة غير صحية. كأن نشتري “الكاكاو” الموضوع بأكياس نايلون شفافة (فلت). أو نشتري مواد غذائية تنتج أنواعاً من الأسيد مغلفة موضوعة بأكياس نايلون وليس في الزجاج. و”هذا يخالف أبسط قواعد التغليف”، بحسب عطالله. “وما نوفره اليوم سندفعه مضاعفاً في المستقبل سواء على الفاتورة الصحية أو الضرر البيئي الذي قد تنتجه السلع التي تراعي التنمية المستدامة”. وبرأيها “إن لم تكن الشركات قادرة على خلق أكثر من منتج فعليها التخفيف من أكلاف الدعاية لا أن تخفض نوعية التغليف، مع ضرورة المحافظة على الشروط الصحية والجمالية التي يمكن تأمينها بكلفة منخفضة”.
طريقة أخرى برزت لتخفيض الأسعار تتمثل في تصغير حجم المنتجات. وهذا ما يلاحظ بشكل أساسي في الكثير من اصناف الأجبان والسكاكر والمعلبات والزبدة، خصوصاً تلك التي تعتبر أسعارها مرتفعة جداً بالمقارنة مع غيرها من المنتجات. إلا ان تخفيض الثمن بهذه الطريقة لا يعتبر إقتصادياً، وقد يكون في الكثير من الأحيان على حساب زيادة نسب النفايات، ما ينعكس ضرراً أكبر على البيئة.
الصناعات التغليفية مستثناة من الدعم
تخفيض أكلاف التغليف بالنسبة للمنتجات اللبنانية “ممكن، لكن إلى حد معين”، يقول أحد الصناعيين. “إلا انه على الأكيد لن يؤثر على أسعار السلع المنتجة بطريقة جذرية بسبب اضطرار المصنّعين أو المنتجين إلى شراء المواد الاولية من الخارج بأسعار السوق الثانوية، أي على دولار 8 آلاف ليرة”. فعلى عكس الصناعات التصديرية، لم يجر دعم كلفة شراء المواد الأولية بالنسبة للصناعات التي لا تصدر والمخصصة للسوق المحلية، ومنها الصناعات التغليفية. ولهذا ستبقى كلفتها مرتفعة جداً. وبرأيه فان “الرهان هو على صندوق أوكسيجين oxygen fund الذي سيؤمن الدولار للصناعات التي لا تصدر بأسعار أقل من السوق. وإذا نجحت التجربة فانه من الممكن عندها أن تتراجع كلفة التغليف أكثر وتتراجع معها أسعار السلع”.
التغيرات الجذرية التي تخلقها الازمات قد لا تكون بالضرورة كلها سيئة، فمن الممكن ان يؤدي إرتفاع أسعار السلع المستوردة إلى تطوير الصناعة اللبنانية وتقديمها منتجات بجودة عالية وكلفة منخفضة. ولكن يبقى الأمر منوطاً برأي الخبراء بمقدار الوعي الرسمي لأهمية تطوير الانتاج اللبناني ودعمه في مواجهة كل التحديات ليستمر ويتطور.