ضمن إصداراتها الجديدة للموسم الأول من سنة 2022 صدرت الترجمة العربية الكاملة والمُحقّقة لكتاب نحن وإقبال لمؤلفه الدكتور علي شريعتي عن دار الأمير في بيروت بترجمة مريم ميرزاده وتحقيق محمد حسين بزي ، والكتاب هو الجزء 32 من سلسلة الآثار الكاملة للمرحوم شريعتي والتي بدأت دار الأمير بترجمتها ونشرها منذ عام 1992. ويليه الجزء 33 وهو: علم الاجتماع الإسلامي.
يقع كتاب نحن وإقبال الذي يعد من أهم أعمال شريعتي الفكرية وأكثرها جدلًا في 344 صفحة من القطع المتوسط مع تحقيق كامل للمصطلحات والأعلام والأماكن.
وممّا جاء في مقدّمة محمد حسين بزي :
صاحب “أجنحة جبريل” لا يزال “المسافر” مع “ضرب الكليم”، باحثًا عن “أسرار معرفة الذات” بين “رسالة المشرق في “زبور العجم” و”صلصلة الجرس” في “الفتوحات الحجازية”، ولا يزال محمد إقبال (1877- 1938م.) يسأل: “ماذا ينبغي علينا أنْ نفعل” في “تجديد الفكر الديني”..؟!
أيضًا، لا يزال علي شريعتي (1933- 1977م.) يشعل النار المقدّسة في الأسئلة المحرجة لتثوير العقل الجمعي للوصول إلى نور الحقيقة التي كلفته حياته، لكنّه أشرق أكثر بعد موته، لأنّ الشعلة التي أوقدها لا تزال تنتقل من جيل إلى آخر منذ خمسة أجيال ويزيد.. هكذا يموتون لتحيا أفكارهم رغم كلّ العنف الفكري (المقدّس) الذي مُورِس ولا يزال يمارس على أفكارهم.
ولم يكن إقبال أوفر حظًا من شريعتي، فقد تعرّض علّامة لاهور لأبشع الحملات (التّضليلية) في زمانه وحتى الآن، فهذا مهر الحقيقة المرّ؛ ولا بدّ للمصلحين من دفعه.
ولا يمكن أن تكتب عن إقبال أو شريعتي دون استحضار السلسلة الذهبيّة من الآباء المؤسِّسين لحركة الإصلاح الديني على رأسهم السّيد جمال الدين الأسدآبادي أو الأفغاني (1838- 1897م.)؛ الذي أيضًا عانى الأمَرّين من الاضطهاد الفكري والجسدي، لكنّه استمر في حلّه وترحاله بين الشرق والغرب وهو ينشر رؤاه الإصلاحيّة مستنهضًا الهِمم ضدّ فساد السلطة، ولا يخفى تأثّر كلٍّ من شريعتي وإقبال بفكر الأفغاني، وهذا واضح وجلّي في منظومتهما الفكرية، خاصة في كتابنا هذا “نحن و إقبال”.
أمّا من الناحية العرفانيّة والأدبيّة فلا يخفى تأثّر الثلاثة –الأفغاني وإقبال وشريعتي- بمولانا جلال الدين الرومي (1207- 1273م.)، الذي كان له الأثر الواضح في نصوصهم، سيما نصوص إقبال اللاهوري، وهذا أمر حريُّ بالدراسة الأكاديميّة والتتبّع المعرفي، ولعلها فرصة أبثّها كنداء لأصحاب الهمم للاهتمام بهذا الأمر، خاصّة في كلٍّ من حواضر تركيا وباكستان وأفغانستان وإيران، لأنّ ما عثرت عليه من مفاصل فكرية؛ وبُنى تأسيسيّة خلال تحقيق هذا الكتاب –لأكثر من سنتين-؛ جديرة بالتأمّل والتّمحيص، ولعلّ إعمال علم اجتماع المعرفة سيكون مفيدًا. وهنا، فإنّني أتطلّع إلى الشغوفين، من شابّات وشبّان للسّير العلمي والبحثي في هذا الطريق رغم مكارهه وصعابه وتشعباته لكنّه خليق بالجهد والكد والكدح.
إنّني أتطلّع وأراهن على همّم شاهقة كالسرو، وعقول مستنيرة منطلقة كالشهب؛ وقلوب صافية كنور الحقيقة تدرس العلاقة بين الفكر الإنساني والسّياق الاجتماعي الذي نشأ فيه هؤلاء الأقطاب الأربعة (مولانا – الأفغاني – إقبال – شريعتي)، “فتعدّد الهويّات ليس حائلًا أو قاتلًا، بل المثمر على أي حال”، وحتى نقف على رؤاهم فلا بدّ من دراسة آثارهم وما أحدثتها أفكارهم من حركات وثورات فكريّة واجتماعيّة لا تزال مستمرة حتى الراهن من وقت وأمكنة. وعليه، يجب أن نعبر من كلاسيكية الثقافة إلى تكوين معرفة معمّقة تُبقي الأسئلة الأساسية مفتوحة حتى نشهد الراية في الأعالي.
وكما أنّ الشعر قيامة اللغة، والرسم قيامة الأشياء؛ فإنّ الوعي المسؤول هو قيامة التغيير والتحرير.