كتبت صحيفة نداء الوطن تقول: مع خروج رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من قصر بعبدا أمس، بدأت تتكشّف معالم “الصفقة – التسوية” التي طبخت في الكواليس، تحت زخات المواقف النارية والاتهامات المتبادلة، ليتكشّف المشهد عن مسار لإعادة تحريك عمل المؤسسات الدستورية على قاعدة “أعطيني لأعطيك”… والنتيجة كما في كل مرة، تلاعب الطبقة الحاكمة بمصير اللبنانيين واستغباء عقولهم وحرق أعصابهم وتجييش عصبهم الطائفي والمذهبي حتى إنضاج تسويات ترضي جميع أركانها، مع “رشّة” مساعدات اجتماعية لتورية طعم المحاصصة في “الطبخة”.
فما هو مسار “الصفقة – التسوية” الجديدة والتي اتخذت في هيئتها الراهنة شكل “المقايضة” في التواقيع الرئاسية بين بعبدا وعين التينة؟ وصل ميقاتي في الصباح الباكر إلى قصر بعبدا حيث كان في انتظاره رئيس الجمهورية ميشال عون مع “وريقات صفراء” وضعها على الطاولة أمامه وكان قد دوّن عليها ملاحظات وعبارات مفتاحية للنقاش، فاستمر اللقاء 35 دقيقة، خرج بعده ميقاتي مرتاحاً جداً، إيذاناً بانطلاق عجلة التسوية، ومفتاحها توقيع مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، تبدأ بشكل فوري إلى حين حلول موعد الدورة العادية، مقابل انعقاد مجلس الوزراء فور تسلمه مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2022، وبالموازاة يتم الإفراج فوراً عن الاستحقاقات المالية وخاصة للموظفين في القطاع العام والإدارات العامة.
وما لم يُعلن عنه ميقاتي تُرك لرئاسة الجمهورية، التي اعلنت لاحقاً عن توقيع رئيس الجمهورية 16 قانوناً أقرها مجلس النواب في جلسته الأخيرة، وهو ما كان طالب به رئيس مجلس النواب نبيه بري، أما باقي الصفقة فيفترض أن تكرّ سبحته من خلال إفراج بري عن مرسوم ترقية ضباط دورة 1994 يقابله إفراج عون عن مراسيم لناجحين في مجلس الخدمة المدنية ومرسوم مأموري الاحراش، على أن يجدد مجلس النواب قانون رفع السرية المصرفية لسنة إضافية تجاوباً مع مطلب عون باستمرار التدقيق الجنائي.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا كاف لكي يقبل الثنائي الشيعي عودة مجلس الوزراء للانعقاد من دون الشرط الملزم بنظره، وهو تطيير المحقق العدلي القاضي طارق البيطار؟ لا شك في أنّ الإجابة على هذا السؤال ستكشفه الأيام القادمة، الا أنه بحسب الأجواء المسربة فقد جرى تحييد مصير البيطار إلى أجل لاحق يتم الاتفاق عليه بين أركان السلطة، على أن يستمر وزراء الثنائي الشيعي، باستثناء وزير المالية، في مقاطعة جلسة إقرار الموازنة العامة، لتأكيد الإبقاء على معادلة ربط النزاع قائمة بين استئناف أعمال مجلس الوزراء و”قبع” المحقق العدلي، وسط معطيات تشي بالعمل على استعجال إصدار القرار الظني في جريمة المرفأ كي تصبح الأمور في عهدة المجلس العدلي فيفصل حينها في الاتهامات ويبت الصلاحيات في ملفات المتهمين… ولهذا ثمن آخر، وهو سلة التعيينات التي يريد رئيس الجمهورية أن يختتم بها عهده بما يدعّم موقع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ويشكّل له رافعة معنوية قبل الانتخابات النيابية.
وانطلاقاً من امتهان أركان الأكثرية سياسة الصفقات والتسويات في إدارة شؤون الدولة، ذكّر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بالصفقة التي جرى الإعداد لها في ملف انفجار المرفأ عشية اتخاذ المجلس الدستوري قراره بالطعن الذي قدمه “التيار الوطني الحر” بتعديلات القانون الانتخابي، لكنها سرعان ما فشلت “ولننتظر لنرى الصفقة المقبلة”، مشدداً في مقابلة عبر قناة “سكاي نيوز” على أنّ مصير لبنان متوقف على ما ستفرزه الانتخابات النيابية المقبلة هذا العام، على اعتبار أنّ “المجلس النيابي الذي انتخبناه في العام 2018 أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم وبالتالي علينا أن نقرر مصيرنا في العام 2022”.
وإذ أكد أنه مرشح “بالمعنى الطبيعي” لرئاسة الجمهورية، بصفته رئيس أكبر حزب مسيحي في لبنان في الوقت الراهن، لفت جعجع إلى أنّ “القضية الأهم اليوم قبل الوصول إلى الرئاسة هو إيجاد جمهورية فعلية”، جازماً بأنّ ما حصل في “اتفاق معراب” كان نتيجة “تقاطع ظروف معينة في حينها… وذلك حدث يحدث مرة بالألف”.
أما عن تهجّم الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله على المملكة العربية السعودية، فأشار جعجع إلى أنّ حديث نصرالله “كان مليئاً بالمغالطات كما الأكاذيب”، متسائلاً: “من أوجد “داعش” على الساحة السورية؟ إذ إنّ كل المتطرفين السوريين تم إطلاق سراحهم من السجون السورية والعراقية في لحظة من اللحظات”. وأضاف: “كثر من قيادات تنظيم “القاعدة” إذا ما احتاجوا إلى وثائق بهدف التجول يلجأون إلى إيران وبالتالي فإنّ اتهامات نصرالله للسعودية مردودة لأنّ من خلق “داعش” هو المحور الآخر المتطرف، ووجود الديكتاتورية والتطرف يترافق مع وجود “داعش”… فما الخيار المتاح اليوم في سوريا؟ إما الأسد أو النفوذ الإيراني، وبالتالي سيختارون الأسد، ولطالما “الطحشة” الإيرانية مستمرة سنشهد نشوء “داعش” جديد على مدى استمرار هذه الطحشة”.