حسن الدر ـ
لا يفوّت رئيسا الجمهوريّة عون – باسيل فرصة إلّا ويستثمرانها في اختلاق أزمات “بلا طعمة”، ولو كانت على حساب الدّستور الّذي أقسم “عون” على احترامه وتطبيق مندرجاته، فيما أمعن ويمعن في خرقه من باب النكد السياسي، تعويضا للخسارات الفادحة التي مُني بها لبنان واللبنانيون، وأملا بتعويض شيء من ماء الوجه في نهاية العهد المشؤوم!
لم يتعلّم عون-باسيل من تجاربهما ويصرّان على تقمّص شخصيّة “دون كيشوت” وصديقه “سانشو” بعدما بلغ فيه الهوس مرحلةً ظنّ معها بأنّه المنقذ الوحيد للشّعب، فأطلق على نفسه لقب “بي الكل” وراح، خلافًا للقبه، ينكّل بأبنائه من دون رحمة، كأنّه اكتشف أنهم من أب غيره، فمرّة يدعوهم إلى الهجرة، ومرّة يعدهم بجهنم، وفي المرّتين صدق معهم، وهما المرّتان الوحيدتان الّتي يعد فيهما ويفي بوعده، بعدما باع أبناءه أوهام الاصلاح والتغيير فأغرقهم في الفساد والتعتير!
وفي آخر معاركه “الدونكيشوتية”، تمسّك قبل أيّام بحقّه الدّستوري في عدم الدعوة إلى عقد دورة استثنائية لمجلس النواب، وبدأ مستشاروه والمحيطون به يروّجون لحقّه في عدم التوقيع على فتح الدورة الاستثنائية، وأنّ ذلك من صلاحيات رئاسة الجمهورية.
ولما أيقن بأنّ رئيس المجلس النيابي “نبيه بري” قادر على تأمين تواقيع كافية لعريضة نيابية تطالبه بفتح الدورة، وفق نصّ الدستور، استبق العريضة ووقع على مرسوم فتح الدورة، لكنه فخّخها بتحديد برنامج العقد الاستثنائي مستندا إلى المادة “33” من الدستور في تفسير خاص به، لم يسبق لأيّ رئيس قبله أن فعله.
فجاءه الرد من رئيس مجلس النواب:
“المجلس سيد نفسه.
ولا يقيّده أي وصف للمشاريع أو الإقتراحات التي يقرر مكتب المجلس طرحها، ويعود لرئيس الجمهورية حق الرد بعد صدورها عن الهيئة العامة الى المجلس .
هذا حكم الدستور وما استقر عليه الاجتهاد.
يقتضي التصويب!”.
وتوضيحا للجدل الذي أثاره رئيس الجمهورية والمحيطون به حول جدول أعمال البرلمان خلال العقد الاستثنائي، تقول المادة 33 من الدستور: لرئيس الجمهورية، بالاتفاق مع رئيس الحكومة، أن يدعو مجلس النواب إلى عقود استثنائية بمرسوم يحدد افتتاحها واختتامها و”برنامجها…
إذا، فالسلطة الاجرائية تحدد للبرلمان البرنامج الذي تريد بحثه في العقد الاستثنائي، لكن لا يكون عمل البرلمان محصورا بهذا البرنامج فقط، لان هيئة مكتب المجلس بإمكانها أن تضيف اي اقتراح او مشروع قانون الى جدول الأعمال!
ولان المجلس سيد نفسه فليس المرسوم الموقع من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة هو ما يحدد المواضيع التي يمكن عرضها، وانما يحدد ما تريد السلطة الاجرائية مناقشته وللمكتب في المجلس ان يضيف ما يريد وما يراه ملحًّا للبحث، لكون العقد استثنائي والبلد يمرّ أساسا بظروف استثنائية!
هذا الاصرار على افتعال الأزمات يبيّن بوضوح مدى الأزمة التي يعاني منها رئيسا الجمهورية بعدما دمّر رئيس الظل والابن الوحيد للرئيس المنتخب كل رصيد الثاني في شارعه، وبالعودة إلى رواية “سرفنتس”، ففي نهايتها يستفيق “دون كيشوت” من جنونه ويعود إلى رشده، آخذاً في لعن الفروسية؛ ويقول للمحيطين به في آخر أيّامه: “لقد كنت مجنوناً والآن صرت عاقلاً، لقد كنت “دون كيشوت دي لا منتشا” والآن كما قلت لكم عدت “ألونسو كيخانو!”.
فمتى يستفيق رئيس الجمهورية من أوهامه ويعود إلى الواقع، ويقتنع بأنّ اللبنانيين ملّوا من معاركه الوهمية وأنّ طواحين الصلاحيات الرئاسية التي تسكنه لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تهمّ اللّبنانيين الذين يبحثون عن سبيل نجاة يخرجهم من جهنّم عهده الأسوأ في تاريخ لبنان، القديم والحديث.