إن أخطر ما تمرُّ به التربية اليوم، هي مرحلة الغيبوبة، بعد النوم السريري لعامين متتاليين، وإن صح التعبير “الموت السريري”، الذي نعاني منه جميعًا كهيكل تعليمي، بدءًا من رأس الهرم وصولًا لأدنى قاعدته.
فما هي سبل عودة القطاع التربوي، ولو بشكل جزئي، إلى حياة شبه طبيعية؟! وهل من حلول في المدى المنظور؟!!
تطالعنا يوميًا أخبار ومقالات وآراء حول العام الدراسي وما يعانيه القطاع التربوي من مشاكل جمّة. وأولى هذه المشاكل التي لم يتناولها أحد قط، هي التعامل مع التربية باللاتربية..
أبرز المشاكل التي يعانيها القطاع التربوي، هي التعاملات اللاتربوية واللامنطقية التي يتم تسييره بها، بدءًا من المشاكل الإدارية والهيكلية، مرورًا بالهندسات المالية التي تآكلت معها المخصصات للقطاع التربوي بسبب سياسات الهدر عبر المحسوبيات، وبسبب الكونتونات الطائفية التي لها باب خاص مفصّل للهدر الطائفي، وصولًا الى عدم التعلم بكيفية التعامل خلال عامين مع جائحة كورونا، وها نحن على مشارف النصف الأول من العام الثالث، والذي ما زلنا فيه على تخبط بشكل أكبر وأكثر عما مضى !!
المشكلة الكبرى اليوم في مكان آخر؛
المشكلة اليوم في أن القطاع التربوي استنزف كل طاقاته، ولم يعد بمقدوره التحمل، بعد أن وصل لحده الأقصى، وعلى حد تعبير المثل اللبناني الشهير “طفح الكيل”، أي لم يعد يحتمل بعد، حيث إن المعلم والأستاذ والإداري والتلميذ والأهل، لم يعد لديهم القدرة الشرائية من جهة، والقدرة النفسية على التحمل من جهة أخرى للبقاء في ساحة الحرب “حرب اللولار”، والتي راح ضحيتها القطاع التربوي ككل. فالرواتب رحمها الله، والمخصصات الاجتماعية لم تعد لديها القدرة على الاجتماع على مساعدتنا، وبدل النقل بالكاد يكون قادرًا على نقل نفسه من حسابات الدولة الى أرصدة المعلمين، وكل ذلك غيض من فيض من حقوقنا المسلوبة، بوعود أقل ما يقال عنها حروف بلا قيمة، وبكلمات في النهار يمحوها الليل عندما يغشى.
نعم العام الدراسي في انعطافة تربوية خطيرة، فهو أشبه بمركبة يقودها أهوج ثمِل على منعطف وادٍ حاد، وبأي خطأ يتدهور بلا رجعة في قعر الوادي، ولا يستطيع إزالة حطامه إلا خطة محكومة من الحكومة وأجهزتها التي تدور في مدارها.
فالعام الدراسي متروك لمصيره المجهول، والمحكوم بانعقاد حكومة قائمة على كف عفريت، والمعلم مَنسي بفُتات يعتريه الخجل إن سميته “راتب”، والتلميذ محاصر بنيران التعثر والجهل من جهة أولى ونيران كورونا من جهة ثانية ونيران إضراب غير معروف مصيره ونهايته من جهة ثالثة، ومجهول يلف كل هؤلاء من جهة رابعة.
ولا أحد منا يعرف إنْ كان هناك جهة خامسة وسادسة و…من النيران، والتي تتحول الى حميم يومًا بعد يوم.
الحل في قرارات تربوية مدروسة بعيدة عن الأنانية الشخصية والتكتل المصلحي السياسي، وأيضًا في ابعاد التربية والتعليم عن المناكفات السياسية، وعدم استخدام القطاع التربوي كرهينة عند كل مفرق خلافات سياسية. فالستاتيكو يفرض على كل مسؤول أن يكون في الميدان ولا يلحق المثل “ما في بالميدان الا حديدان”. فالكل مسؤول عن اللامسؤولية التي أوصلتنا الى قلب الجحيم التربوي، لأن كل الأمور يمكن معالجتها بفترة وجيزة، إلا عجز العقول، فإنه يولد عجز المجتمع وبالتالي دماره.
ارحموا ما تبقى لنا، يرحمكم هذا الجيل في عِلمه ان وصل، وفي عَمله ان حصل.. وارحموا ما بقي لنا من أمل، وهو سلاحنا الأقوى في وجه كل طغيان وسوداوية، “التعليم والتعلُّم”.
قوموا الى مسؤولياتكم، وإلا “رحم الله العام الدراسي” هذا، ورحمَ الله جيلًا ترعرع خلف الشاشات، وبين أزقة الأحياء والمقاهي منتظرًا منكم، أن تولوا مصلحته، ولو بشيءٍ من الاهتمام، والذي هو أولى واجباتكم الإلزامية.
التربية والتعليم، هما عماد الوطن، إنْ ماتوا متّم معهم، فلا سبيل لنا جميعًا، إلا بإحيائهم، وضخ الدم من جديد في حياتهم، وإلا على مجتمعنا وعلينا “لا سلام”، ولا كلام ينفع في حضرة الأجداث، فضرب الميْت حرام.
ويبقى السؤال هل سيتم تقريب الحلول المؤجلة الى ما قبل فترة الانتخابات النيابية، ليصار إلى شد عصب العام الدراسي، من خلال ضخ الدم في القطاع التربوي ليستيقظ، ولو بشكل جزئي، من غيبوبته؟!