عماد مرمل – الجمهورية
مع إعلان رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية رفضه المشاركة في طاولة الحوار الوطني «لانتفاء جدواها في ظلّ غياب الفريق الآخر»، تستمر رقعة الطاولة في التقلّص والإنكماش، ما يدفع الى التساؤل عمّا إذا كان الرئيس ميشال عون سيبقى مصراً على التئامها بمن حضر أم انّه قد يصرف النظر عنها كلياً.
إلى حين اتضاح الصورة، أكّد رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لـ»الجمهورية»، انّه حَسَم أمره منذ البداية، ولن يشارك في طاولة الحوار «لأنّها بلا جدوى».
ويضيف: «ماذا ستناقش طاولة الحوار؟ الاستراتيجية الدفاعية رُفضت والنقاش فيها عقيم، لأنّ الطرف الآخر رفضها منذ ايام الرئيس ميشال سليمان، وعندما حاولنا تجديد البحث فيها «ما مشي الحال»، اما الشأن الاقتصادي والمالي المتعلق بما سُمّيت خطة التعافي، فهو من شأن مجلس الوزراء، وكذلك الأمر بالنسبة إلى اللامركزية، ولذا، الأجدى هو اجتماع الحكومة بدل الهروب الى طاولة حوار لن تخرج بنتيجة».
ويتابع: «الامتحان الحقيقي يكمن في التعاطي مع المؤسسات الدولية وصندوق النقد الدولي، وأيام حكومة الرئيس حسان دياب أعطى «حزب الله» إشارة خجولة الى انّه لا يمانع الاتفاق مع صندوق النقد «ثم ضاعت هذه الاشارة لاحقاً».
ويشدّد جنبلاط على أنّ المهم وقف انهيار البلد، «وهذه بالدرجة الأولى مسؤولية مجلس الوزراء الذي يجب أن يجتمع فوراً».
ومن نافل القول انّ هناك بين خصوم عون و»التيار الوطني الحر»، كـ»القوات اللبنانية» و»تيار المستقبل»، من رفض الدعوة الرئاسية، انطلاقاً من الاقتناع بأنّ لا مصلحة في منح العهد وتياره «تبرعات سياسية» وهدايا مجانية، من شأنها تعويمهما او تلميعهما، قبل أشهر قليلة من الانتخابات النيابية وانتهاء الولاية الرئاسية. فـ»القوات» تستعد لمعركة كسر عظم في صناديق الاقتراع سعياً الى انتزاع الأكثرية المسيحية، وليس هذا وقت الجلوس الى جانب الجنرال وجبران باسيل، و»المستقبل» لديه حساب طويل مع رئيس الجمهورية والتيار، بعد سقوط التسوية الرئاسية ومن ثم اعتذار سعد الحريري عن تشكيل الحكومة، وليس في وارد تبرئة ذمتهما الآن.
وربطاً بهذه المقاطعة، هناك من يعتبر انّ الحوار سيكون اصلاً بلا جدوى حقيقية، اولاً بسبب غياب «نصفه الآخر» المعارض، من سمير جعجع الى سعد الحريري ووليد جنبلاط، إضافة إلى الغياب البديهي لرئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل بعد استقالته ونواب حزبه من مجلس النواب، قبل أن ينضم «المعارض» من الداخل سليمان فرنجية الى لائحة المقاطعين، وثانياً نتيجة طبيعة جدول الأعمال المحدّد، الذي وعلى الرغم من أهميته، فإنّه سيكون من الصعب التوافق عليه خلال وقت قصير في هذا التوقيت والظرف، من الاستراتيجية الدفاعية الى اللامركزية الادارية والمالية الموسّعة مروراً بخطة التعافي المالي والاقتصادي.
ويفترض أصحاب هذا الرأي، انّ الأجدى من طاولة الحوار المبتورة، هو الرجوع إلى المؤسسات الدستورية وعلاج الأسباب التي تمنع الحكومة من الاجتماع، وبالتالي الدفع في اتجاه معاودة جلسات مجلس الوزراء، الذي هو المكان الطبيعي للنقاش، خصوصاً انّ القوى الممثلة فيه هي ذاتها ستشارك في الحوار، مع فارق فقط في مستوى التمثيل.
ووفق أصحاب هذه المقاربة، إذا كان لا بدّ من حوار منتج في هذه الفترة فهو يجب أن يكون على الأخص بين عون والرئيس نبيه بري، لحماية انتظام عمل مؤسسات الدولة وتحييده عن خلافاتهما التي ادّت الى تداعيات على السلطتين التنفيذية والتشريعية، «وكل حوار خارج هذه الدائرة تحديداً هو كالسعي الى اصطياد السمك في حوض السباحة».
لكن المتحمسين لطاولة الحوار يعتبرون انّها اكثر من ضرورية في هذه المرحلة، حتى يتحمّل الجميع مسؤولياتهم في مواجهة التحدّيات والاستحقاقات، بدل الاكتفاء بالتنظير والمزايدات.
ويستغرب هؤلاء القول، إنّ التوقيت غير مناسب، متسائلين: إذا لم يكن الحوار الوطني ملحّاً وضرورياً في مثل هذه اللحظة المصيرية والمفصلية المثقلة بالأزمات الوطنية وتداعيات الانهيار فمتى يكون كذلك؟
ويلفت أنصار الحوار الى انّه عندما تعصف بالدول أزمات عنيفة فإنّ مكوناتها السياسية تترفّع عن الحسابات الصغيرة والضيّقة وتتشارك في السعي الى إيجاد حلول، بمعزل عن الاصطفاف التقليدي بين الموالاة والمعارضة او حسابات المعارك الانتخابية، «وهذا ما يحتاج اليه لبنان حالياً بدل ان يلجأ البعض الى السلبية نكاية برئيس الجمهورية تحت شعار «منع تعويم العهد في أشهره الأخيرة» في حين انّ المطلوب هو تعويم لبنان».
وينبّه دعاة الحوار الى خطورة مقاربته من زاوية الاعتبارات الانتخابية او الكيدية السياسية، مشدّدين على انّ من الواجب منحه فرصة للنجاح قبل إصدار أحكام مسبقة عليه، «ويكفي في كل الحالات كسب شرف المحاولة».
ويستهجن هؤلاء كيف أنّ المنادين بمعالجة ملف سلاح «حزب الله» يقاطعون طاولة حوار ستناقش الاستراتيجية الدفاعية وتعيدها الى دائرة الاهتمام، عوضاً عن ان تظل مسألة السلاح مادة للاستهلاك السياسي والشعبوي، «وكذلك الأمر بالنسبة إلى خطة التعافي التي يجب أن تكون هناك شراكة وطنية في مقاربتها، لأنّها تتعلق بمستقبل لبنان المالي والاقتصادي، إضافة إلى مسألة اللامركزية التي لحظها اتفاق الطائف، ويمكن ان تشكّل حلاً لمشكلات معقّدة يعاني منها اللبنانيون».