ابراهيم حيدر – النهار
الوباء سبب مقاطعة المعلمين التدريس ورفضهم العودة إلى المدرسة والتعليم الحضوري. السبب كان المطالبة بالتقدمات المالية ومضاعفة الرواتب ورفع قيمة بدل النقل إلى أكثر من 100 ألف ليرة يومياً. المفارقة هنا أن التمترس خلف المطالب المالية لن ينتهي ما دام البلد في حالة انهيار، إذ إن الأساتذة سيتوقفون عن التعليم عند كل منعطف يرتفع فيه الدولار مقابل الليرة طلباً للزيادات في دولة تنهار وحكومتها معطلة.
لا يكترث الأساتذة ولا أصحاب القرار من مسؤولين لمصير التلامذة والأهل خصوصاً في التعليم الرسمي، فالكادر التعليمي بتشكيلاته المختلفة يريد تقدمات ملموسة ولديهم الحق في مطالبه أمام الأزمة التي رمت الأكثرية الساحقة من اللبنانيين تحت خط الفقر، ولم يعد في إمكان هؤلاء تأمين الحاجات الضرورية وبالتالي الوصول إلى المدرسة، أمّا المسؤولون الذين بيدهم سلطة التوقيع فلا أحد منهم يتحرّك أو يبادر إلى حلّ ولو موقتاً لإنقاذ العام الدراسي والمدرسة أيضاً من الزوال.
نتوقف عند وضع المعلمين والموظفين في القطاع الرسمي. السؤال: هل يتنبّهون إلى ما قد تصبح عليه المدرسة الرسمية إذا استمرّ الانهيار وبقي الأساتذة في حالة مقاطعة؟ نحن أمام احتمال تلاشي التعليم الرسمي، إذ إن الأمر لا يقتصر فقط على تراكم الخسائر التي تضاف إلى سلسلة انهياراته. لا يمكن مثلاً تقدير أن الأساتذة نجحوا في إثبات أن الإضراب وسيلة حقيقية لانتشاله من القعر، وهم يعرفون أن لا رعاية حقيقية ولا دعم، بل توظيف سياسي وتنفيعات يمارسها أهل السلطة ويتركون الموظفين فريسة للبازار، ما دام كل تحركهم يتمحور حول المطالب المالية. لا شيء يُذكر عن التعليم وتحصينه، وتوفير مقوّماته، ليستوعب التلامذة، وان كانت أوضاع الأساتذة باتت مزرية كسائر الموظفين والعمّال، والأكثرية الساحقة من اللبنانيين.
هل ننتقم من المدرسة والتلامذة ونمارس حياتنا الطبيعية في كل المجالات، إلّا في التدريس؟ روابط الأساتذة التي يُفترض أن تكون الأدوات النقابية بنسخها المختلفة لم تقدّم برامج تسهم بحماية التعليم وصونه وهو كفيل بتأمين حقوق المعلمين باستمرار المدرسة. هذه الروابط باتت مقيّدة بالسيطرة الحزبية وترفع شعارات شعبوية وتزايد هنا وتضغط هناك تبعاً لمصالح أطرافها، فأين المصلحة اليوم بعدم العودة الى الدراسة؟ وهل المقاطعة تتطابق دوماً مع الحسابات؟
المشكلة أنه بقدر ما تتحمّل السلطة مسؤولية الانهيار ووصول الأمور إلى هذا الوضع المزري تتحمّل الروابط وجمهور الأساتذة مسؤولية الانزلاق نحو الهاوية، فعدم العودة إلى الصفوف يعني أن السنة الدراسية مهدّدة فيما الأساتذة ينتظرون في منازلهم ويقبضون رواتبهم بلا تعليم، وإن كانت لا تسدّ حاجة. هم يقاطعون ويتحرّكون بشعار واحد، عنوانه مالي، وهو مفتوح دائماً على التصعيد من دون قياس الجدوى وتقدير الخسائر والأرباح. كيف لا يُنظر الى مصلحة التلامذة وأيضاً مستقبل التعليم، فيما أساتذة الخاص قطعوا شوطاً كبيراً في إنجاز المناهج؟ تلك معضلة الشعارات، يجري رفعها والعبث بالقطاع الذي إذا سقط تنتهي معه كلّ بنية التعليم بما فيها مكتسبات المعلمين ووظيفتهم. العمل النقابي في التربية تراجع الى مستويات خطيرة، وهذا مؤشر إلى ما حلّ بالتعليم الرسمي الذي ينازع فيما أهله يرمونه بالطلقة الأخيرة. فهل يتنبّهون للأخطار ويعودون ويحتضنون مدرستهم؟