كتب خضرحسان – المدن : تقول جمعية المصارف على موقعها الإلكتروني: “إنَّ التقدم الذي أحرزه القطاع المصرفي اللبناني منذ عقد ونيّف ما كان ليتحقّق لولا الأداء التنظيمي والرقابي الصائب والملائم لكلٍّ من مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، ولولا التعاون الوثيق مع جمعية مصارف لبنان”.
تتضمَّن هذه الجملة ثِقلاً كبيراً لم تستطع المصارف نفسها احتماله. فإن قيسَ التقدّم على مستوى التطوّر الاقتصادي، فالنموذج الاقتصادي اللبناني هو مِن أسوأ النماذج. وإن اقتَصَرَ التقدّم على صعيد القطاع المصرفي، فالمصارف وإن حَقَّقَت أرباحاً هائلة، تتحضّر لدخول عملية إعادة هيكلة، تؤكّد فَشَلَ أداء القطاع على مستوىً عام. والفشل يستدعي اليوم تغيير الأداء الاقتصادي والنقدي ويستوجب إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتقليصه.
إغلاقٌ ودمج
لم تُطلَق بعد عملية إعادة الهيكلة رسمياً، لكنَّ المصارف بدأت بخطوات إجرائية على طريق إعادة الهيكلة، ومن ضمنها إلغاء بعض الفروع في المناطق وإلغاء بعض المصارف الفرعية ودمج بعضها بالمصارف التجارية الأم. فمؤسسات القطاع المصرفي تتوزّع على “المصارف التجارية الخاصة الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، والمصارف الاستثمارية والائتمانية على الأمدَين المتوسط والطويل، والمصارف الإسلاميّة، والمصارف اللبنانية والأجنبية والمختلطة”. وهذه الخطوة تعني “تحجيم بعض العمليات، وتحديداً ذات الربحية القليلة، وتلك التي كانت تستقطب الأموال الخارجية”، وفق ما تقوله مصادر مصرفية في حديث لـ”المدن”.
في المقابل، بعض الفروع والمؤسسات الموازية الخارجية، “كانت تسجّل أرباحاً غير قليلة، لكن باتت أولويات المصارف بفعل الأزمة التي تمرّ بها، هي إدخال الأموال إلى البلاد وتوظيفها في النشاط التجاري الكلاسيكي. فمن غير المنطقي أن ينشط المصرف خارجياً ويموّل نشاطات في الخارج، فيما وضع الاقتصاد اللبناني في الحضيض، ووضع القطاع المصرفي ليس أفضل حالاً، وغالبية المودعين الصغار لا تستطيع الحصول على أموالها بحرّيّة”.
إعادة الهيكلة ليست خطوة واحدة تحدث بكبسة زرّ، وإنما عملية متشعّبة فيها عدد من الإجراءات، من ضمنها ما تقوم به بعض المصارف حالياً. وبالتالي، يمكن القول إنَّ “إعادة الهيكلة بدأت من داخل المصارف، وستتبعها إجراءات إضافية، على أنْ يقوم المصرف المركزي لاحقاً بالإجراءات المتعلّقة به”. والمصارف التي اتّخذت قرارالمباشرة، تكتسب تصغير حجمها وتقليص نفقاتها وتوفير أرباحها وتأمين سيولة إضافية للمساهمة في تمويل عمليات اقتصادية يستفيد منها القطاع الخاص والأفراد، وتؤمّن عبر هذه الدائرة، أرباحاً إضافية.
تغيير في السياسات
واكتفت المصارف مُكرهةً، بسياسات مصرف لبنان التي كانت تشجّعها على جذب الأموال من الخارج والداخل ووضعها في محفظة المصرف المركزي، والاستفادة من الفوائد التي كانت تُعتَبَر مِن أعلى الفوائد عالمياً. لكن قرارها تأخّر كثيراً لدرجة أنَّها لم تعد تملك تَرَفَ اختيار الحلول، فبقي أمامها تقليص حجمها فحسب. وترى المصادر أنَّه “لو فكَّرَت المصارف منذ نحو 3 سنوات على الأقل، بإعادة هيكلة نفسها وتقليص حجمها، في وظل وضع اقتصادي ونقدي أفضل، لكانت ربحت كثيراً وأفادت الاقتصاد. ولو أنَّ المصرف المركزي دعا إلى إعادة الهيكلة، وبالتوازي أوقَفَ سياساته المرتكزة على جذب الودائع من المصارف وتمويل القطاع العام بواسطتها، ولو لم يقم بعدّة هندسات مالية أفادت المصارف فقط، لقطعنا أشواطاً كبيرة في عملية الإصلاح”.
هذه الملاحظات لم تعد تفيد راهناً. المطلوب هو تغيير جذري في السياسات النقدية، يترافق مع تغيير جذري في السياسات المالية والاقتصادية وفي قرارات الدولة وطريقة عمل مؤسساتها، وعلى رأسها السلطتين التشريعية والتنفيذية. أمّا توسيع الاعتماد الاقتصادي على القطاعات الانتاجية، فيصبّ في صلب التغيير الجذري، لأن القطاع المصرفي لن يصبح قادراً، بعد إعادة الهيكلة، على دعم الاقتصاد كلّيّاً، ولا يجب أن يعتمد الاقتصاد على القطاع المصرفي وحده، حتّى وإن تمكَّنَت المصارف من ذلك.
مصير الودائع
عرفت المصارف أنّها كانت مخطئة عبر سَيرِها في الطريق الذي رسمه حاكم مصرف لبنان، من دون وضعها خطّة تضمَن لها عودة آمنة. فما رَسَمَه الحاكم، كان بغطاء وقرار سياسي لم يغطِّ سقوط المصارف، حتى وإن حماها بشكل كبير من ردّة فعل المودعين على احتجاز ودائعهم.
وتصرُّ المصارف على تأكيد عدم تأثُّر الودائع بإعادة الهيكلة مهما كانت نتائجها. ومن الطبيعي أن لا تتأثّر الودائع لأنَّ إعادة الهيكلة هي عملية إدارية تقنيّة تبقى خلالها الودائع في محفظة المصارف. ومصرف لبنان سيستحوذ على ودائع وأموال المصارف التي قد تخرج مِن السوق، أي أنه سيضمن ودائع الناس. لكن المصرف المركزي لم يستطع حماية ودائع الناس برغم تأكيد الحاكم أنَّ الودائع مُصانة بالليرة والدولار. وما وَجَده المودعون هو العكس تماماً. لذلك، تبقى علامات الاستفهام قائمة إلى حين انتهاء إعادة الهيكلة بشكل كامل، والتأكّد من انتظام عمل القطاع المصرفي بحلّته المستقبلية. وهذا الانتظام يحتاج إلى وقت “يتراوح بين 5 و7 سنوات”.