الأحد, نوفمبر 24
Banner

حصاد الكوارث: الهجرة تُفرغ لبنان من أطبائه وممرضيه

وليد حسن- المدن:

عندما سألت طبيباً عن الشائعات حول هجرة الأطباء اللبنانيين للعمل في الخارج، وعن إعلان نقابة الأطباء أن نحو 400 طبيب هاجروا إلى الخارج، عاجلني قائلاً إن الداتا التي بحوزة النقابة عن هجرة الأطباء مجتزأة ولا تعبر عن الواقع الفعلي.

أطباء للهجرة

فعلى سبيل المثال قدم نحو 400 طبيب لبناني هاجروا إلى فرنسا، طلبات لإجراء امتحان معادلة شهادتهم هناك. وكان يفترض إجراء الامتحان في الخامس من الشهر الحالي (تشرين الثاني)، لكنه أُجِّل إلى 12 كانون الأول المقبل، بسبب الإجراءات الجديدة لمواجهة وباء كورونا في فرنسا. وهذا العدد يساوي العدد المعلن عنه من النقابة. لكن هناك مئات الأطباء اللبنانيين هاجروا مؤخراً إلى أوروبا، وكندا ودول الخليج. ولا يسجل الأطباء المهاجرون أسمائهم في النقابة قبل مغادرتهم البلاد.

وأكد الطبيب أنه يعرف شخصياً عشرات الأطباء من الذين غادروا مؤخراً. وهو وزملاء له كثر، يفضلون الهجرة، لكن ما يعيق طريقهم هو عدم توفر المال اللازم للأقدام على هذا الخيار. وهناك أطباء كثر يفضلون مغادرة لبنان قبل حصولهم على عقود عمل في الخارج. لكن احتجاز المصارف أموالهم وعدم توفر الدولارات الطازجة لديهم يؤخر رحيلهم.

ويكاد لا يمر يوم لا نسمع فيه عن أن الطبيب الفلاني هاجر أو يستعد لها. ونسمع أن طبيب هذه العائلة أو تلك أبلغها بسفره للعمل في الخليج أو كردستان العراق، إضافة إلى دول أوروبية كثيرة. وهناك مرضى فوجئوا في حالات مرضية طارئة بأن أطباءهم غادروا لبنان إلى غير رجعة.

ذلك أن معاناة الأطباء والممرضين والممرضات من الأزمة المالية المستمرة منذ عام ونيف، وإقدام مستشفيات عدة على طرد بعضهم تعسفياً، لتخفيف نفقاتها، لم يجدوا أمامهم خياراً غير الهجرة. بيد أن أرقام المهاجرين المعلنة من نقاباتهم غير دقيقة. فمن تأتيه فرصة للعمل في الخارج يجمع ثيابه ويرحل، ولا تعلم به نقابته.

أبو شرف: لا أمل 

وفي حديثه إلى “المدن” أكد نقيب الأطباء شرف أبو شرف أن النقابة أحصت حتى اليوم هجرة نحو 400 طبيب. لكن هناك المئات يتحضرون للرحيل. والخطر يكمن في أن من يغادر هم خيرة الأطباء والأكفاء. فهم يفضلون تأمين مستقبل عائلاتهم وأولادهم في الخارج، بعدما فقدوا الأمل بتحسن الظروف الاقتصادية والاجتماعية في لبنان. فقد بات الأطباء في وضع مزرٍ ولم يعد ينقص الطبيب إلا البحث عن كيفية تلافي العطالة.

هذه هي الدوافع الأساسية، يقول أبو شرف، مضيفاً أن الظروف الصحية والسياسية، لا تشجعهم أيضاً على البقاء. وقد رفعت النقابة الصوت لرفع التعرفة التي يتلقاها الطبيب. فربما يشكل هذا حافزاً لهم للبقاء. فالتعرفة يجب أن تضاعف. إذ لا يعقل أن ترتفع أسعار كل شيء في لبنان أربعة أضعاف، بينما يتلقى الطبيب تعرفة تقررت منذ عشرين عاماً. لكن لا وزارة الصحة تقبل بهذا الخيار ولا الجهات الضامنة.

إلى ذلك يضيف أبو شرف مشكلة دفع الأتعاب في المستشفيات التي تتأخر لأكثر من سنتين. وسأل: لماذا لا يحصل الدفع مباشرة للطبيب، بدل أن تذهب المعاملات إلى اللجان الطبية وغيرها فتتأخر لسنوات؟ ويشدد على أن تراكم الأخطاء السابقة، وغض النظر عنها فضحت هشاشة الوضع الحالي. وعندما داهمتنا الأزمة المالية والاقتصادية، ظهرت كل المشاكل إلى السطح.

إستحالة رفع التعرفة

وتواصلت “المدن” مع أطباء وأكد بعضهم على عدم واقعية مطلب رفع التعرفة. ورغم رغبتهم وحاجتهم إلى رفع التعرفة، يدركون أنها مستحيلة.

فرفع التعرفة يعني رفع كلفة التسجيل في الضمان الاجتماعي وتسعيرة الجهات الضامنة، ورفع الضرائب على الأجراء أو رفع ثمن بوليصة التأمين. وهذا غير واقعي في الظروف الحالية.

لكن في المقابل بإمكان وزارة الصحة دفع المستحقات المتراكمة منذ سنتين للطبيب على سعر صرف منصة مصرف لبنان، بعد تحويلها من اللبناني إلى الدولار. فلا يعقل أن يتقاضى الطبيب خمسين مليون ليرة عن العام 2019 مثلاً، بعدما باتت تساوى نحو 5 آلاف دولار في السوق، عوضاً عن 33 ألف دولار، كما كانت قيمتها عندما أنهى عمله، كما قال أحد الأطباء.

الممرضات والممرضين أيضاً

والهجرة التي تضرب القطاع الصحي تظهر بين الممرضين والممرضات بشكل كبير. خصوصاً أن المستشفيات قلصت من عددهم لتخفيف الإنفاق.

وهذه نقيبة الممرضين والممرضات في لبنان ميرنا ضومط تؤكد في حديثها إلى “المدن” أن لدى النقابة أرقاماً وإحصاءات عن المهاجرين، لكنها لا تمثل ما يحدث يومياً. فالأرقام إلى ارتفاع يومي. وقالت: “في حال قلت لك أن الرقم اربعمئة ممرض وممرضة منن هاجروا/ن، غداً سيصبح العدد 420 أو أكثر”.

وشرحت النقيبة ضومط أن قطاع التمريض يضم قسمين من الممرضين: 49 في المئة من حملة الشهادات الجامعية، و51 في المئة من حملة الشهادات التقنية. ولفتت إلى أن اللذين يهاجرون بشكل أساسي هم حملة الشهادات الجامعية وذوي الخبرات المتقدمة. وهذا مخيف جداً، قالت. فهم يغادرون إلى دول متقدمة مثل فرنسا والمملكة المتحدة وبلجيكا وكندا والسعودية. وهم يرحلون مع عائلاتهم بعدما حصلوا على إقامات دائمة تمهيدا للحصول على الجنسية.

وعما إذا كانت الظروف المالية سبباً لهذه الهجرة، أكدت أن المسألة الأساسية هي أن لا سبب وجيه لبقائهم/هن في لبنان. فهم/هن لا يعملون في بيئة آمنة، وحتى أبسط الأمور الصحية غائبة. إذ لا يوزع عليهم إلا كمامتين خلال 12 ساعة عمل مثلاً. والعديد منهم بلا رواتب لأن المستشفيات باتت تتأخر في دفع المستحقات. ووضعهم المادي مزرٍ. فهم لو كانوا يتقاضون رواتبهم التي باتت ضئيلة، لربما كانوا يفكرون بالبقاء. لكن ما جرى أن أكثر من 40 في المئة من الممرضين إما طردوا من وظائفهم (يوجد نحو 9 آلاف ممرض وممرضة في المستشفيات فقط) أو يتلقون نصف راتب أو بلا راتب بالمرة.

وسألت ضومط مستغربة: هل يعقل أننا في وسط جائحة أنهكت القطاع الصحي في العالم كله، بينما المستشفيات اللبنانية تقوم بتخفيض عدد العاملين، طاردة تعسفياً مئات الممرضين والممرضات؟

وأكدت ضومط أن وزارة الصحة ووزارة العمل لا تقومان بأي دور لوقف هذه الكارثة، بحجة أن لا سلطة لهما على المستشفيات الخاصة، وقانون العمل يجيز لها ما تفعله، في ظل الظروف الاقتصادية التي تتذرع بها المستشفيات.

Leave A Reply