الجمعة, نوفمبر 22
Banner

القوى المسيحية المعارضة: ما موقف الحريري من حزب الله؟

هيام القصيفي – الاخبار

علاقة الرئيس سعد الحريري بالمكوّنات المسيحية المعارضة دخلت في متغيرات كثيرة. بعض حلفائه السابقين وخصومه ينتظرون تفسير قراره، كي يبنوا على الشيء مقتضاهانشغلت القوى السياسية، منذ أسابيع، بالتكهنات حول انسحاب الرئيس سعد الحريري من الحياة السياسية، فلم يُتح لها درس تداعياته العامة، مع انغماس غالبيتها في التحضير للانتخابات، وحصر اهتمامها بدرس مفاعيله في انتخابات بيروت والأصوات السنية في بعض الدوائر. قلة قليلة تعاطت مع خطوة الحريري على قدر ما تستحق، في وقت يعيش لبنان حالة توتر تحمل كثيراً من عناصر التفجير الاجتماعي والأمني، وبما تتركه من تأثيرات في الوضع الداخلي وعلى الحالة السنية في لبنان، والعلاقة مع المكوّنات الأخرى.

سيكون خروج الحريري مدوّياً لتأثره بعوامل إقليمية تتعلق بالواقع السني الذي يعيش حال تخبّط وانقسامات، ولاحتمال رفعه درجة التوتر السني – الشيعي، وهو الهاجس الذي كان رئيس الحكومة السابق يلتقي مع الثنائي الشيعي على حصره.

مسيحياً، هل تستطيع القوى المسيحية القفز فوق هذا الموقف إذا ما أخذ في طريقه واقع الانسحاب الكامل لتيار المستقبل والقيادات السنية؟

كان البطريرك مار نصرالله بطرس صفير مقلاً في خروجه من الصرح البطريركي، يحصر زياراته بما هو مهم وضروري ومؤثّر في الحياة السياسية العامة، كما حين قام بمصالحة الجبل. لكنه حين خرج عام 2005 إلى قريطم، وهو الذي كان على خلاف سياسي – اقتصادي مع الرئيس رفيق الحريري، وضع حدث الاغتيال في منزلة فاصلة، وأعطى إشارة أساسية إلى تعامل بكركي مع الحدث السياسي ومع عائلة الحريري. وقد حفظ سعد الحريري لصفير ما قام به، وأعطى العلاقة بين بيت الوسط وبكركي حقها الوافي، وقت كانت مجموعات من شخصيات فاعلة في قرنة شهوان ولاحقاً 14 آذار تسند الحريري.

احتضان القوى المسيحية للحريري، شخصياً وسياسياً، ختم جروحاً بين السنة والمسيحيين نتجت من الحرب أولاً، وعن سوء تطبيق الطائف ثانياً. حفظ الحريري موقعاً له عند المسيحيين، وكان أساسه الشخصيات المستقلة، انطلاقاً من علاقة الراحل سمير فرنجية والنائب السابق فارس سعيد ومجموعة مستقلين، قبل أن تتطور في اتجاه الأحزاب كالقوات اللبنانية وحزب الكتائب. وقد ربطته علاقة شخصية ببعض شخصيات 14 آذار، كما مع النائب الراحل بيار الجميل وجبران تويني، ومن ثم توطدت مع رئيس حزب القوات سمير جعجع. لكن الانتخابات والسياسة المحلية والإقليمية فرّقت الحلفاء. بدأ العتب أولاً على مسار اتخذه الحريري، بعد انتخابات عام 2005، لكن تدريجاً صار الفراق حتمياً، بعد انتخابات عام 2009، والنصر الذي حققته هذه القوى على قوى 8 آذار، وإصرار الحريري على تسوية مع الثنائي الشيعي. اختلافات بالجملة والمفرق تركت بصماتها على العلاقة بين الحريري والمكوّنات المسيحية، تتحمل مسؤوليتها شخصيات بالقرب من الحريري ومنها «مستشارون مسيحيون»، علماً أنه ترك الكثير من الأخطاء تتفاعل من دون أن يتدخل لتصحيحها.

لم تكن مفاعيل استقالته من الرياض وحدها مسؤولة عن الافتراق الحادّ بينه وبين المكونات المسيحية. وهو يخرج من الحياة السياسية بعد 17 عاماً على خلاف حادّ مع التيار الوطني الحر، بعد تسويات وترتيبات وملفات مشتركة، وعلى خلاف مع القوات اللبنانية والكتائب والشخصيات المستقلة، فيما علاقته جيدة مع طرف واحد هو تيار المردة، بعدما كان رشح رئيسه سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية.

من هنا يمكن قراءة تداعيات العزوف على علاقة القوى المسيحية، ولا سيما من الحلفاء السابقين. لم تعبّر القوات أو الكتائب، عن أي رد فعل في انتظار إعلان الحريري قراره رسمياً، علماً أن الجميع في انتظار أمرين: ماذا سيقدم الحريري من تبريرات، وماذا سيكون عليه موقف المسيحيين من المقاطعة السنية الشاملة إذا حصلت؟

في النقطة الأولى، فإن خطاب الحريري لتبرير الانسحاب له أهمية مع احتمال أن يكون تصفية حسابات سياسية مع حلفائه وخصومه، وتحميلهم مسؤولية وصوله إلى هذا القرار. وهو سبق أن تحين مناسبات وطنية أو سياسية للتصويب على حلفاء سابقين له، كما فعل مع الأمانة العامة لقوى 14 آذار ومع القوات والكتائب، ولاحقاً مع التيار الوطني الحر. فيما لم يقم بجردة حساب داخلية لتقويم الأخطاء التي قام بها وتياره. فهناك فارق بين المقاطعة المسيحية عام 1992 وأسبابها المتعلقة بالنكسة التي أصيب بها المسيحيون واستهداف سوريا لهم وإخراج العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع من المعادلة، وبين أخطاء الحريري في السياسة وإدارة الأزمات والتعثر المالي، ودخوله في تسويات سياسية مع الثنائي. وهناك انتقادات تتعلق بسلوك الحريري و«حرده» في كل مرة، كما حصل بعد 2011، وانقطاعه عن لبنان، لسنوات أو أشهر، ما سمح بتعزيز أوضاع قيادات سنية رديفة، فيما كل الزعماء الآخرين على اختلاف طوائفهم لا يبرحون لبنان. وثمة مأخذ عليه أنه لا يستطيع، لأسباب شخصية ونتيجة سوء إدارة داخلية وتنظيمية، أن يأخذ السنّة إلى مواقف غير مسبوقة في وقت عصيب، فيما هو الذي ساهم في صياغة تسوية مع التيار الوطني الحر، وبنى علاقة جيدة مع حزب الله.

من هنا يأخذ تبرير الحريري منعطفاً أساسياً في رد الفعل تجاهه وحيال المقاطعة الانتخابية والسنية الشاملة. فاستجابة المسيحيين لقرار المقاطعة تأتي تبعاً لشروطها. وإذا كان العنوان الذي سيعلنه الحريري يقتصر على الانسحاب فقط من دون تعليل واضح وتحميل تبعات ما جرى لحزب الله، فإن القوى المسيحية ستكون أمام درس متأن لكيفية مقاربتها موقف الحريري. أما إذا كان سيعلن انسحابه من ضمن مشروع مواجهة مع حزب الله، فهذا سيفرض مقاربة أخرى. علماً أن الحريري لم يظهر هذا الاتجاه في رسائله الأخيرة في لقاءاته البيروتية، لا بل بدا حريصاً في الدرجة الأولى على تحييد الرئيس نبيه بري وعدم استفزاز حزب الله الذي ظل متمسكاً به رئيساً للحكومة إلى اللحظة الأخيرة. علماً أن أحداً ينتظر منه أن يصل إلى حد ملاقاة «المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان» الذي يضم شخصيات تدور في فلك المستقبل. وموقف الحريري يضع جميع خصوم حزب الله في موقف متساوٍ حيال خروجه من دون برنامج سياسي أو عنوان واضح للانسحاب، واستطراداً للمقاطعة. فإذا حصلت، من دون أسباب سياسية موثقة، فإنها قد تؤدي إلى نتيجة معكوسة، بمعنى سيطرة حزب الله وحلفائه على المجلس النيابي. في حين أن المطلوب تشجيع الناخبين على الاقتراع لفرض واقع نيابي جديد.

والانتظار كذلك هو لمعرفة رأي المرجعيات السنية الأخرى، كدار الفتوى والمجلس الشرعي ورؤساء الحكومات السابقين، وعما إذا كانت خلافة الحريري سياسياً ستكون تتمة لسياسته في السنوات الأخيرة، أو وفق ما كان الرئيس فؤاد السنيورة يعتمده منذ 2005. وعلى هذه الأجوبة المنتظرة ستبنى كثير من المواقف والسياسات التي ترسم حداً فاصلاً للسنة في لبنان وعلاقتهم بالمكونات الأخرى في مرحلة مصيرية.

Leave A Reply