السبت, نوفمبر 23
Banner

موازنة “إدارة الانهيار”: “تشقيع” أرقام… وضرائب مموّهة بالدولار الجمركي

سلوى بعلبكي – النهار

لا شك في أن الشروع بإعداد مشروع موازنة في لبنان، في هذا التوقيت العاصف سياسياً واقتصادياً، يشكل تطورا ً إيجابياً، يعيد ولو بمشهد جزئي حضور الدولة في إدارة الأزمة الاقتصادية، ويستجيب لمطالب الاقتصاديين والمؤسسات الدولية، التي تراقب عن كثب خطوات الحكومة المرتقبة في الشأنين المالي والاقتصادي، لتبني على الشيء مقتضاه، في ما يتعلق بالمنح والتسهيلات والمساعدات التي يعوّل عليها لبنان كثيراً.

هذه الخطوة، إذا ما كُتبت لها النهاية السعيدة، وعبرت قطوع مجلس النواب، ستعيد ترتيب الكثير من الأوضاع المالية والنقدية، وتفتح الباب أمام بعض الانفراجات الاقتصادية والاجتماعية، وإلا فستعود “حليمة” السلطة، الى عاداتها المتأصّلة في سلوكها وأدائها، وهي الإنفاق على القاعدة الاثني عشرية، التي أوصلت البلاد الى فوضى مالية ملحوظة منذ عام 2006، حيث كانت الدولة تُدار من دون موازنة عامة أو قطع حساب، بما أدّى الى استشراء العشوائية في الصرف والاستدانة، والاتكال على المساعدات الخارجية، والهندسات المالية، لشراء الوقت، على نحو عبّد الطريق نحو الانهيار الكبير. في قراءة أولية لمشروع الموازنة العامة، يمكن وصفها بأنها “موازنة إدارة الانهيار” لا الخروج منه. هي موازنة “تشقيع أرقام” وفارغة من أدنى شروط بناء موازنة علمية لبلد جميع قطاعاته قيد الإفلاس، ومواطنوه يستجدون ودائعهم في المصارف، التي بدورها، بعد تقلص حجمها وإمكانياتها تحوّلت الى صرّافات آلية، وكأن من صاغ هذا المشروع غفل كلياً عن حدّة الأزمة الاقتصادية وتداعياتها على الواقع المعيشي المؤلم، واستسهل فرض عدد كبير من البنود الضريبية التي تعوق النموّ، وترفع أسعار السلع والخدمات الأساسية، وتزيد في إفقار الناس المحرومين أصلاً من أيّ شبكة أمان اجتماعي وصحّي.

قانصو: موازنة الضرائب وتقويض القدرة المعيشية

وإن كان زير المال يوسف خليل أكد في تصاريحه الأخيرة أن لا ضرائب جديدة في موازنة 2022 وربما يقصد في ذلك المادّتين 28 التي تحدد المعدلات الضريبية على أرباح المهن التجارية والصناعية وغير التجارية، والمادة 33 التي تحدد المعدلات الضريبية على الرواتب والأجور ومعاشات التقاعد، يرى مدير الأبحاث في اتحاد أسواق المال العربية الدكتور فادي قانصو أن موازنة 2022 “هي موازنة الضرائب والرسوم بامتياز، وإن كانت هذه الموازنة لا تتضمّن الكثير من الضرائب الجديدة، ولكن تعديلها عبر رفع سعر الدولار الضريبي إلى نحو 20 ألف ليرة للدولار يشكّل بحدّ ذاته جريمة اقتصادية في وقت يعاني فيه الاقتصاد من انكماش حادّ، بما يعني المزيد من التضخم المفرط في أسعار السلع والخدمات والمزيد من التآكل في القدرة الشرائية.

أمّا الموادّ الضريبية الواردة في الموازنة، فهي كالآتي: المادتان 102 و103: إلزام أي معاملة من المختار بوضع طابع بقيمة 5000 ليرة، المادة 56: تعديل تعرفات الفواتير والإيصالات الناتجة من بعض المؤسسات العامة، المادتان 104 و105: زيادة رسوم جواز السفر والأرقام المميزة، المادة 57: فرض رسوم خروج على المسافرين اللبنانيين بطريق الجو أو البحر، المادة 78: رسم مقطوع على المستوردات الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة باستثناء مادة البنزين والمعدات الصناعية والمواد الأولية المستعملة للصناعة والزراعة، المادة 81: فرض رسم جمركي على السلع والبضائع التي يتم استيرادها ويُصنع مثيل لها منها في لبنان، المادة 85 التي تزيد من رسوم المرافئ والمنائر، المادة 86: زيادة رسوم المطارات، المادة 91: زيادة العديد من الرسوم العقارية، المادة 100: رفع نسب الاستثمار في المناطق الصناعية، المادة 41: ضريبة على الأشخاص الطبيعيين عند تفرغهم عن أسهمهم في أنواع معينة من الشركات المساهمة، المادتان 44 و45: زيادة الضريبة على شركة الهولدنغ لضريبة سنوية مقطوعة، المادة 110: تجيز للإدارات المحلية فرض رسوم لتغطية كلفة نقل جميع النفايات ومعالجة النفايات الصلبة، المادة 30: إعادة تقييم للأصول الثابتة للمكلفين بضريبة الدخل والعقارات على أن تخضع الفروقات الإيجابية الناتجة عن عملية إعادة التقييم لضريبة نسبية جديدة معدلها 5% من قيمة هذه الفروقات بعد أن كانت 2% وفق موازنة 2019/ المادة 51.

والاهم برأي قانصو أنها “تفتقر تماماً إلى الإصلاحات الهيكلية التي تهدف إلى ترسيخ مناعة الاقتصاد الوطني وقطاعاته المالية على المدى المتوسط والطويل، والتي لطالما طولبت الحكومات المتعاقبة بضرورة القيام بالإصلاحات البنيوية المرجوّة من أجل خفض نسب العجز والمديونية العامة إلى مستويات قابلة للاستمرار خصوصاً في ظل بروز مسائل اختلالات المالية العامة على رأس قائمة أولويات مجتمع الأعمال والاستثمار في مختلف أنحاء العالم”.

الى ذلك، لا تلحظ الموازنة العامة نفقات استثمارية وهي اكتفت فقط بتحديد نفقات متدنية في قطاعي الزراعة والصناعة بقيمة 2,200 مليار ليرة من أصل 49,416 كنفقات اجمالية ما يتعارض مع إمكان وضع خطة تعافٍ اقتصادي مبنيّة على تعزيز الاستثمار في المجال الإنتاجي.

وفي مجال آخر، يرى قانصو أن الموازنة تشكل صفعة لأجراء القطاع العام “في محاولة واضحة لإقفارهم، فاتحة المجال أمام الاستقالات من القطاع العام، من خلال منع العسكريين من الجمع بين رواتبهم التقاعدية ومخصّصات أخرى، وتعديل ملاك السلك العسكري وتعديل شروط الترقية، وتقليص اعتمادات الجامعة اللبنانية. يضاف إلى ذلك، عدم منح موظفي القطاع العام تصحيحاً للأجور بل الاكتفاء بمنحهم مساعدة اجتماعية هزيلة تساوي راتب شهر لمدة سنة، كما منحت الفئات الأكثر حاجة، أي المتقاعدين، مساعدة أقل بقيمة 50% من الراتب التقاعدي، فضلاً عن خفض التقديمات التقاعدية لورثة المتقاعد وتصعيب شروط الإفادة”.

في المقابل، رصدت موازنة 2022 مبلغاً قدره 5,250 مليار ليرة لتمويل مؤسسة كهرباء لبنان، أي ما يعادل 230 مليون دولار على أساس سعر صرف السوق. وإن كان يصحّ القول إن التكلفة السنوية لمؤسسة كهرباء لبنان تبلغ نحو مليار دولار لاستيراد الفيول، فإن فاتورة الاستيراد تلك تعادل 23,000 مليار ليرة إذا احتُسبت بطريقة صحيحة. وتالياً يقول قانصو “إن الفارق بين مبلغ 5,250 مليار ليرة و23 ألف مليار سيتحمّله حكماً مصرف لبنان بالكامل، بما يعني وفق قانصو “أننا أمام استمرار لسياسة الاستنزاف في دعم قطاع الكهرباء طوال ثلاثة عقود، بدلاً من إصلاح هذا القطاع المفلس عبر بناء محطات الطاقة اللازمة وتشغيلها على الغاز بدلاً من الفيول، وتالياً تقليص الخسائر التقنية وغير التقنية”.

من الواضح أن هذه الموازنة تحاول تحييد القطاع المصرفي عن تحمّل أيّ تبعات للخسائر الناتجة عن الأزمة، وتسمح بالاقتطاع المقنّع على الودائع، مما سيضيّع حقوق المودعين تماماً. ويعطي قانصو مثالاً “المادة 132 التي تنصّ على إلزام المصارف تسديد الودائع الجديدة فقط بالعملة المودعة فيها دون ذكر الودائع القديمة مما يشرّع للمصارف ومصرف لبنان الاستمرار في عملية الاقتطاع على الودائع الدولارية ما قبل 17 تشرين، وتالياً يمهّد الطريق أمام تحويل نسبة منها من دولار إلى ليرة لبنانية”.

وفي هذا السياق تؤكد مصادر اقتصادية، أنه لا شك في أن لولرة جزء من الودائع ستكون جزءاً من الحلّ في المستقبل، إذ لا مهرب من ذلك نظراً الى الكمّ الهائل من الخسائر المتراكمة داخل النظام المصرفي والنقدي، بيد أنه “لا يجوز اتخاذ قرار كهذا خارج إطار متكامل ومتعدّد الأبعاد لتأمين توزيع عادل للخسائر يقبل به اللبنانيون ويؤسّس لإعادة هيكلة القطاع المصرفي واستعادة الثقة به مستقبلاً كما يؤسّس لنموذج اقتصادي مستدام وسليم”.

والملاحظ أيضاً، أن موازنة 2022 تحمي رؤوس الأموال على حساب المواطن “إذ استثنت عملياً أيّ زيادات ضريبية استهدافية كالتي طرحها الوزير السابق غازي وزني، أي ضريبة التضامن الوطني التي فرضت ضريبة على الثروة ضمن شطور محدّدة ولمرّة واحدة فقط”. كما كان لافتاً، وفق قانصو، أن “تكون الزيادات الضريبية محصورة بالضرائب غير المباشرة واستثناء الضرائب على الأرباح ورؤوس الأموال من زيادات كبيرة كالتي لحقت بفئات الشعب كافة، مع الانخراط بقوّة في منح الإعفاءات لرجال الأعمال وكبريات الشركات والمستثمرين، أي كلّ كبار المكلفين بالضريبة، وإعفاءات من نوع التسويات الضريبية، وإعفاءات من ضرائب الدخل لبعض الفئات مثل الشركات الناشئة، وإعفاءات على الودائع الجديدة بالعملات الأجنبية لمدة 5 سنوات، كذلك أعفيت الشركات الدامجة من ضريبة الدخل لعدد من السنوات. وبدلاً من أن تدفع الشركات ضريبة أرباح بمعدل 17% على فروقات إعادة تقييم أصولها التي تحتسبها ضمن أرباحها، أتيح لها في مشروع موازنة 2022 تسديد ضريبة 5% فقط”.

Leave A Reply