الإثنين, ديسمبر 23
Banner

أضخم جيوش التاريخ وأكثرهم قسوة ورعباً.. ما قصة الجيش الأحمر الروسي؟

تدق طبول الحرب بين موسكو وكييف، وفيما تنتشر في الأثناء القوات المسلحة الروسية في أقاليم ومناطق متفرقة حول العالم، في إطار مهام عسكرية مختلفة، تستحضر الذاكرة تاريخ الجيش الأحمر الروسي، الذي كان قبل عقود يُعد أقوى جيوش العالم وأكثرها تسلحاً.

رغم مرور عقود على طي صفحته نهائياً، فإن الأحلام تبدو أنها لا تزال تراود الروس اليوم باسترداد القوة الضخمة التي كان عليها الجيش الأحمر، والذي كان ذاع صيته ولمع نجمه بين شعوب العالم، باعتباره قوة عسكرية ضخمة، تمكنت من هزيمة الأساطيل والجيوش التي لا تقهر.

وفي ظل كثير من المتغيرات، وعلى الرغم من تغيير اسمه من الجيش الأحمر إلى الجيش السوفييتي لاحقاً، فإن المسمى بقي واحداً. فقد اشتهرت هذه القوة المسلحة، على مر السنين، بارتكابها أفظع المجازر البشرية، إلى جانب ممارسة العنف المبالغ فيه، وبث الرعب في الكثيرين داخل روسيا وخارجها.

ولكن، مع انهيار الاتحاد السوفييتي، أُغلقت صفحات الجيش الأحمر، الذي تفكك بدوره وحلت محله آنذاك القوات الروسية، وانتهت بذلك حقبة لأقوى وأعنف جيش في التاريخ.

الجيش الأحمر.. بذرة الثورة البلشفية

نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية، انطلقت عام 1917 احتجاجات عارمة في روسيا، أدت إلى اندلاع الثورة الروسية (الثورة البلشفية) بقيادة فلاديمير لينين، وتوجت بإسقاط الإمبراطورية الروسية القيصرية، وتفكك جيشها وجميع مؤسساتها.

وفي أعقاب الثورة، اندلعت حرب أهلية دامية في روسيا، بين البلاشفة ومعارضيهم من حراس الجيش الروسي القديم الملقبين بالحرس الأبيض، وأسفرت الحرب حينها عن سقوط نحو 12 مليون قتيل. ولم يكن ينضم إلى البلاشفة في ذلك الوقت سوى بعض المتطوعين من الحرس الأحمر وبعض وحدات النخبة.

فقرروا على الفور امتلاك آلة حرب قوية، وذراع عسكري، لمحاربة جميع القوات المعادية لهم داخل البلاد وخارجها، وإرساء دعائم قوة حكمهم الجديد.

وبموجب مرسوم أطلق يوم 28 يناير/كانون الثاني 1918، أعلن عن إنشاء نواة جيش العمال والفلاحين الأحمر، الذي أطلق عليه اختصاراً اسم “الجيش الأحمر”، ويعتبر الأحمر هنا دلالة على لون الدماء.

وفُتح، انطلاقاً من ذلك التاريخ، الباب لانضمام المتطوعين، ولاقى الأمر بالفعل استجابة على نطاق واسع. وكانت أول مشاركة عسكرية للجيش الأحمر، في فبراير/شباط 1918، حين انتصر على القوات الألمانية في الحرب العالمية الأولى، وأصبح ذلك التاريخ عيداً وطنياً للسوفييت.

وكانت تدرك القيادة جيداً في ذلك الوقت بالرغم من الانتصار الذي حققوه، بأن عناصر الجيش الأحمر تفتقر إلى الخبرة العسكرية وتحتاج إلى تدريبات كثيرة للاستجابة للتحديات التي تواجهها.

فتولى ليون تروتسكي، مفوض قيادة الحرب في البلاد، وأحد أبرز قادة ثورة البلاشفة، والذي أصبح لاحقاً مؤسس وملهم الجيش الأحمر، مهمة الإشراف على التدريبات العسكرية التي أصبحت إجبارية بموجب قرار رسمي.

وكانت تلك التدريبات المشددة، وفق ما أشار إليه مؤرخون ومختصون، إحدى أهم العوامل التي أدت إلى نجاح الجيش الأحمر بعد ذلك. كما أن تروتسكي، أفرج عن القادة القدامى لجيش الإمبراطورية الروسية المسجونين، للاستفادة من خبرتهم العسكرية، وسجن أهاليهم وأسرهم لضمان ولائهم.

كما فرض تروتسكي انضباطاً شديداً وسيطرة على الجيش، وأعدم الضباط الذين أدينوا بالجبن أو الغدر. ورقّى الذين أظهروا المبادرة والشجاعة. ولم يكتف تروتسكي بالتدريب والتوجيه، بل انضم أحياناً إلى الصفوف الأمامية لتشجيع القوات.

وامتدت أعداد الجيش الأحمر الروسي، وتطورت مهاراته في الحرب والقتال، وكان من اللافت آنذاك أن عناصره لا يرتدون زياً موحداً على عكس جيوش العالم.

معارك داخلية وخارجية.. وانتصارات كبرى

كانت أولى التحديات التي واجهها الجيش الأحمر عقب تأسيسه، التغلب على “الجيوش البيضاء” داخل روسيا والتي كانت تلقى دعماً دولياً من العديد من القوى الإقليمية. وبعد جولة من المعارك الطاحنة، انتصر الجيش الأحمر على الجيش الأبيض عام 1922 وتمكن من سحق المعارضة في الجزء الأوروبي من روسيا وتوسع بذلك إلى مزيد من المناطق التي كانت تحت سيطرة الجيش الأبيض.

ومع انتهاء الحرب الأهلية الدامية، انضمت المزيد من العناصر إلى الجيش الأحمر الذي أصبح عتاده يقدر بحوالي 6 ملايين جندي وقائد. واتجهت في الأثناء قيادات البلاد إلى إعطاء الأولوية والأهمية القصوى للصناعات العسكرية، استعداداً للمعارك والحروب القادمة. واستوردوا عديداً من المعدات العسكرية والدفاعية، ويشير عديد من التقارير أنهم لجؤوا أيضاً إلى استخدام الجواسيس للتعرف على تقنيات الخصوم في مجال الأسلحة والمعدات العسكرية.

وأصبح الجيش الأحمر، آنذاك أكثر جيوش العالم عتاداً وتسليحاً. وذاع صيته على مستوى دولي.

وفي عام 1939، بعد أشهر قليلة من اندلاع الحرب العالمية الثانية، شن الجيش الأحمر هجوماً مسلحاً على فنلندا عرف بـ”حرب الشتاء” واستمر 10 أيام متواصلة، لكنه مُني فيها بالخسارة الساحقة، بالرغم من الأسلحة التقليدية التي كانت بحوزة الفنلنديين، ما شجع الألمان على غزو الاتحاد السوفييتي.

وبالتعاون مع فنلندا ورومانيا وإيطاليا، نفذ النازيون بجيش يقدر عدده ب4 ملايين جندي وحوالي 3 آلاف دبابة، عملية بارباروسا لغزو الاتحاد السوفييتي عام 1941.

وكان يقدر عدد الجيش الأحمر حينها نحو 5 ملايين جندي على متن 11 ألف دبابة عسكرية وأضعاف مضاعفة من الطائرات العسكرية التي كان يمتلكها جيش المحور.

وانتهت المعركة بهزيمة النازيين، بعد معركة موسكو عام 1942. ونجح الأحمر في إفشال مخطط الألمان لغزو السوفييت.

وكانت معركة ستالينغراد هي المحطة التالية، التي حقق فيها الجيش الأحمر أيضا ًانتصاراً كبيراً.

وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن شهرة قسوة الجيش الأحمر، بلغت عدة دول وأقاليم وبثت الرعب في الكثيرين، حتى إن سكان إحدى المدن الألمانية قد نفذوا أكبر انتحار جماعي في التاريخ، عند اقتراب الجيش الأحمر منهم.

ولكن ذلك لم يدم طويلاً، ففي نهاية عام 1945 بدأ تسريح العناصر من الجيش الأحمر، ليصبح حوالي 3 ملايين جندي بعد أن كان يفوق 11 مليون جندي، وتحول اسمه إلى الجيش السوفييتي، ثم تفكك في النهاية مع انهيار الاتحاد السوفييتي.

Follow Us: 

TRT

Leave A Reply