الخميس, ديسمبر 26
Banner

إستنفار سنّي لاحتواء “الإنكفاء”.. وقلق دولي على “اليونيفيل” ومن تعطيل الانتخابات

كتبت “الجمهورية” تقول: مطحنة الأزمة الداخلية على دورانها من سيئ الى اسوأ منذ 774 يوماً، والمناخ السياسي منذ 17 تشرين الاول 2019 ماضٍ في تناقضاته وتقلّباته، وإخضاع المشهد الداخلي لمراوحة أُقفلت فيها كل ابواب الحلول. ومع انطلاق موسم الانتخابات النيابية باتت الصورة الداخلية مؤهّلة اكثر لتقلّبات اضافية واهتزازات على غير صعيد، تُبقي البلد عرضة لاحتمالات غير واضحة المعالم.

وإذا كان «الحدث الحريري» هو الطاغي على هذا المشهد، في ظلّ القراءات المستمرة لمرحلة ما بعد قرار الرئيس سعد الحريري بمغادرته وتيار «المستقبل» الحياة السياسية، فإنّ الوقائع الداخلية، السياسية بشكل عام، والسنّية على وجه الخصوص، بدأت تشي بتوجّه نحو التسليم بمغادرة الحريري كأمر واقع، واحتواء أي ارتدادات اوانعكاسات لقراره على المشهد السياسي بشكل عام وعلى المشهد السنّي بشكل خاص.

السنّة مُستَفزَّون

ويندرج في هذا السياق حضور المراجع السنّية السياسية والدينية في صدارة هذا المشهد، حيث تؤكّد مصادر مسؤولة في هذا الجانب لـ«الجمهورية»، انّ «المستويات السنّية السياسية والدينية مستفَزَّة من بعض أطراف الانقسام الداخلي، التي بدأت تتعامل مع المكوّن السنّي وكأنّه قد فقد توازنه وتفكّك واندثر، وذلك عبر مسارعتها الى الاستثمار على قرار الرئيس الحريري، ومحاولة وراثته، وكذلك وراثة تيار «المستقبل» وجمهوره وتسخيره كعنصر ملحق بها، وسوقه في الاتجاه الذي يخدم غاياتها السياسية والانتخابية».

وبحسب المصادر عينها، فإنّ اللقاء العاجل الذي عُقد في السرايا الحكومية بالأمس بين مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، هدف الى قطع الطريق على هذا المنحى المسيء للطائفة السنّية، والتأكيد على حضورها الفاعل والأساسي ودورها الأساس في الحياة السياسية، الذي لا يتأثر بأي عوامل، او محاولات لإضعافه او تنتقص منه سواء أكانت مقصودة او غير مقصودة.

وتشير المصادر، إلى انّ زيارة المفتي دريان الى السرايا الحكومية، تنطوي على استشعار لدقّة الوضع الذي استجدّ بعد قرار الرئيس الحريري، وضرورة وقف التفسيرات والتأويلات وأي محاولة لإرباك الساحة السنّية. وفي اللقاء مع الرئيس ميقاتي تمّ استعراض التطورات الاخيرة، وتوقفا عند قرار الرئيس الحريري وما يحيط به، مع التشديد على صيانة الواقع السنّي والنأي به عن أي اختلال، وخصوصاً انّ هذا الاختلال لا يطال الطائفة حصراً بل تأثيراته ستشمل مجمل الصورة في لبنان السياسية وغير السياسية.

ووفق المعلومات الرسمية، فإنّ ميقاتي قدّر لمفتي الجمهورية «حكمته والمواقف الوطنية التي يعبّر عنها، لا سيما في هذه المرحلة الدقيقة، وبالدور الجامع الذي تمثله دار الفتوى». وقال: «إن التحدّيات الكبيرة التي تواجه لبنان واللبنانيين تتطلّب اولاً وحدة الصف الوطني بين جميع المكونات اللبنانية، ووحدة الصف الإسلامي. ونحن نعوّل على حكمة سماحته وتوحيد كل الجهود في سبيل جمع الشمل».

اما المفتي دريان فثمّن عالياً «الجهود التي يقوم بها رئيس مجلس الوزراء في شتى المجالات، لا سيما في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة، حيث يقارب المواضيع الوطنية والداخلية بروح المسؤولية العالية، وبما يتناسب مع الدور الوطني الجامع لرئاسة مجلس الوزراء». واكّد انّ دار الفتوى «حاضنة لجميع اللبنانيين وتشكّل رمز الاعتدال والانفتاح على كافة المكوّنات اللبنانية».

وبعد اللقاء قال ميقاتي رداً على سؤال: «صحيح أنّ الرئيس سعد الحريري أعلن عزوفه عن الترشح وخوض الإنتخابات النيابية، لكن نحن حتماً لن ندعو الى المقاطعة السنّية لما فيه خير الطائفة، ومن يرغب بالترشح فليترشح، والإنتخابات حاصلة في موعدها المحدّد في 15 أيار المقبل».

ومن السرايا انتقل الرئيس ميقاتي والمفتي دريان الى المسجد العمري الكبير وسط بيروت، حيث ادّيا صلاة الجمعة، وفيها اكّد إمام المسجد الشيخ محمد عكاوي في خطبة الجمعة «أهمية التعاون ووحدة الصف الإسلامي والعمل معاً لمواجهة التحدّيات التي يمر فيها الوطن». مشدّداً على أهمية دور رئاسة الحكومة ودار الفتوى في هذه المرحلة الحرجة التي يمر فيها البلد.

ولدى مغادرته المسجد سُئل الرئيس ميقاتي عن موضوع المشاركة في الانتخابات النيابية فأجاب: «ليس المهم المشاركة الشخصية في الانتخابات أو عدمها، فالانتخابات في موعدها، ونحن لدينا غنى في الطائفة وكل المؤهلات والقدرات للمشاركة في الانتخابات».

ورداً على سؤال آخر قال: «الانتخابات في موعدها والطائفة السّنية أساسية ولا يمكن أن تقاطع الانتخابات، وما يعنينا بالدرجة الاولى أن تبقى الدولة ومؤسساتها قائمة وفاعلة».

بدوره قال الرئيس فؤاد السنيورة، انّ ما قاله الرئيس ميقاتي حول موضوع مقاطعة الانتخابات امر جيد، ولا قرار لديّ بالدعوة الى مقاطعتها».

تحرّك دولي

في هذه الأثناء، وفي موازاة الكم الهائل من القراءات والتفسيرات والتأويلات التي احاطت بموضوع الانتخابات النيابية، والتي زرعت نوعاً من التشكيك في إمكان إجرائها في موعدها المحدّد في ايار المقبل، تكثّف الحضور الدولي على هذا الخط، للتأكيد على إتمام هذا الاستحقاق في موعده دون أي معوقات.

وبحسب المعلومات، فإنّ حركة السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا والسفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو واللقاءات التي يجريانها، تصبّ في هذا الاتجاه، وكذلك الحركة الأممية التي تقودها منسّقة الأمم المتحدة في لبنان يوانّا فرونتسكا، التي اكّدت للرؤساء الثلاثة والقيادات الروحية على إجراء الانتخابات في موعدها المحدّد. وكذلك التأكيد على مسألة غاية في الأهمية مرتبطة باستهداف قوات «اليونيفيل» العاملة في الجنوب، وهو الامر الذي تنظر اليه الامم المتحدة بقلق بالغ. وقال مسؤول اممي لـ«الجمهورية»: انّ «التحقيقات في الاعتداء على «اليونيفيل» اثبتت انّه متعمّد، في الوقت الذي تمارس فيه هذه القوات دورها وفق ما تقتضيه مهمتها، وبطبيعة الحال فإنّ هذا الامر لن يؤثر على عملها. مع تجديد الدعوة الى كل الأطراف لاحترام قوات الامم المتحدة ودورها في حفظ السلام، كما الالتزام بمندرجات القرار 1701».

يشار في هذا السياق، الى انّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي استقبل امس، فرونتسكا في زيارة هي الثانية لها الى الصرح البطريركي في بكركي خلال اسبوع، وجدّد الراعي إدانته الاعتداء الذي تعرّضت له دورية للقوات الدولية «اليونيفيل» في جنوب لبنان الاسبوع الماضي، مؤكّداً على دور هذه القوى مشكورة في حفظ الامن والسلام في تلك المنطقة.

لبنان تحت المجهر

الى ذلك، أبلغت مصادر ديبلوماسية أوروبية الى «الجمهورية» قولها، «إنّ الوضع في لبنان في هذه الفترة، تحت المجهر اكثر من اي وقت مضى».

ولفتت المصادر الى انّ «دول الاتحاد الاوروبي اخذت علماً بقرار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، واعتبرته شأناً داخلياً خاصاً، ولا ترى في هذا التطور ما يبعث على الاعتقاد بأنّه يشكّل عامل «لا استقرار» في لبنان».

الّا انّ المصادر، أبدت حذرها ممّا سمّتها «بعض الإثارة» التي بدأت تظهر وتحيط الانتخابات النيابية في لبنان بتشكيك في إمكان اجرائها في الربيع». وقالت: «من الضروري جداً ان تجري هذه الانتخابات، باعتبارها تشكّل استجابة لمطلب الشعب اللبناني لإعادة انتاج صورة سياسية افضل».

وحذّرت المصادر من انّ «عدم اجراء الانتخابات رسالة اكثر من سلبية للمجتمع الدولي، بل بمعنى اوضح، هو تحدٍ للمجتمع الدولي. ما قد يعرّض لبنان لأذى كبير تتسبب به الجهات التي تسعى الى هذا التعطيل. ولقد سبق للمجتمع الدولي أن اكّد على كل مستوياته أنّه لن يتأخّر في إجراءات عقابية رادعة للمعطلين».

وخلصت المصادر الى القول: «الشعب اللبناني يريد الانتخابات، ونحن متيقّنون انّ هذا الشعب لن يقبل بذلك».

حماية الاستقرار

وفي السياق نفسه، رفضت مصادر ديبلوماسية عربية إبداء اي تعليق على قرار الرئيس سعد الحريري بمغادرة الحياة السياسية، واكتفت بالقول: «لطالما كانت علاقتنا طيبة مع الرئيس الحريري، وهو شخصية نقدّرها ونحترمها، ولكن في ما خصّ قراره فليس لدينا أي تعليق».

ولفتت المصادر التي تمثل دولة عربية بارزة، الى «انّ الحل او الحلول لأزمة لبنان ينبغي ان تصدر منه اولاً، ومسؤولية كل الاطراف ان تتفق على بلورة هذه الحلول، ومن ثم يأتي دور الاشقاء والاصدقاء».

واشارت المصادر، الى انّ «ما تريده الأسرة العربية للبنان هو ان يتجاوز ازمته وينعم بالاستقرار، ويجنّب كل ما من شأنه ان يمسّ هذا الاستقرار ويخلق اجواء توتر تلحق الضرر الكبير باللبنانيين وتفاقم الأزمة التي يعانونها».

ورسمت المصادر خارطة اولويات أمام كل الاطراف اللبنانيين، تتلخص بما يلي»

– اولاً، دعم الحكومة اللبنانية، والالتفاف حولها لتتمكن من إجراء الاصلاحات الكفيلة بوضع لبنان على سكة الخروج من الأزمة. ونحن نقدّر ما يبذله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في هذا المجال.

– ثانياً، عدم الوقوع في خطأ تعطيل الانتخابات، حيث لا بدّ من إجرائها في موعدها، ولا نرى مصلحة للبنان في تعطيل هذا الاستحقاق. علماً اننا نسمع من كل القيادات اللبنانية ومن كل المسؤولين ما يؤكّد انّ هذه الانتخابات ستجري. الّا انّ المناخ السائد حالياً في لبنان بدأ يزرع القلق على هذه الانتخابات.

ثالثاً، انّ العرب بأجمعهم، يريدون مصلحة لبنان، وعلى لبنان أن يبادلهم بالمثل، والمبادرة الخليجية التي نقلها وزير الخارجية الكويتي الى لبنان تشكّل فرصة لإعادة العلاقات الطبيعية مع دول الخليج. فهناك هواجس لدى دول الخليج لا بدّ من ان يعمل لبنان على تبديدها، من خلال إجراء نهائي وحازم بعدم التدخّل في شؤون اي دولة عربية، ما يعني الهجومات التي يشنّها بعض الأطراف اللبنانيين في اتجاه بعض دول الخليج، فهذا الامر أساء لتلك الدول، فضلاً عن انّه إن استمر على هذا المنحى المتفلّت، سيلحق الضرر الكبير جداً بلبنان، وسيُبقي أبواب الأشقاء موصدة في وجهه. ولا يقلّ خطورة عن ذلك موضوع المخدرات واستمرار عمليات التهريب في اتجاه تلك الدول، وهو ما يتبدّى في ما يُكشف عنه في المطار او في المرفأ. إذ انّ لبنان لا يستطيع ان يبقى في موقع العاجز عن ضبط هذا الامر.

الردّ على الورقة

في هذه الأجواء، من المقرّر أن يحمل وزير الخارجية عبدالله بوحبيب الى الكويت اليوم، ردّ لبنان على الورقة الخليجية. وقد كان هذا الردّ محل نقاش بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ووزير الخارجية. وقد عرضت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» ما يفيد مضمونه، مشيرة الى انّه:

– تجنّب الدّوس على اي لغم داخلي.

– لم يأتِ على ذكر القرار 1559، بل اكّد التزام لبنان بشكل عام بقرارات الشرعية الدولية.

– يعكس تاكيد لبنان الرسمي، رفضه التدخّل في شؤون أي دولة عربية.

– يعكس توجّهات الحكومة اللبنانية لناحية توفير الدعم الكامل للجيش وسائر الاجهزة الامنية. وذلك لناحية إجراء الاصلاحات والانتخابات النيابية.

– يؤكّد على الإجراءات المشدّدة التي تُتخذ لمنع التهريب، والتي ادّت الى قمع العديد من المحاولات وتوقيف المهرّبين لمعاقبتهم.

ردّ سلبي

الّا انّ المصادر عينها، لا تبدي تفاؤلًا حيال الردّ الخليجي على الردّ اللبناني، بل تتوقع رداً سلبياً بصورة مباشرة او غير مباشرة، كون هذا الردّ لم يقدّم التزاماً بتنفيذ القرار 1559 الذي يرتبط ضمناً بنزع سلاح «حزب الله»، كما انّه لا يتضمن ايّ التزام بالبند الأساس الوارد في الورقة الخليجية والمتعلق بوقف ما تسمّيه دول الخليج العدوان اللفظي الذي يمارسه «حزب الله» ضدها.

وفي سياق متصل، قال المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان في خطبة الجمعة امس، «للإخوة في مجلس التعاون الخليجي، العدو إسرائيل وليس العرب، والخطر يكمن في تل أبيب وليس في الضاحية. نحن جزء من العرب وأوجاعها. وحين تحترق بلاد العرب لا يمكن أن نكون حياديين، لأنّ الأخ لا يمكنه ترك أخيه للنار».

اضاف: «نصيحة من صميم القلب للتعاون الخليجي، كنا نقول «الخليج بخير نحن بخير»، والآن نقول لكم «أطفئوا محركات الطيران والصواريخ عن اليمن، لتعود أيام الخير للخليج والعرب»، والحل لا يبدأ بالقرار 1559، ولا بالقرار 1701، بل بقرار عربي يعيد العرب للعرب. وسلاح المقاومة ضمانة للعرب وليس عليها، وضمانة لبنان».

Leave A Reply