بدا واضحاً، من خلال الردّ الإسرائيلي على انطلاق صواريخ من قطاع غزة باتجاه الأراضي المحتلة، أن قيادة العدوّ تتجنّب الدخول في مواجهة واسعة، لإدراكها تبعات ذلك على أمنها، وتحاول في المقابل تعزيز صورة ردعها من طريق التهديدات الكلامية التي لا تفتأ تتعالى من بنيامين نتنياهو ومسؤوليه
أيّاً كان سبب إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه الأراضي الفلسطينية فجر أمس، فالواضح أن نشر فرضية أن يكون «البرق» قد تَسبّب في ذلك، كما نُقل عن تقديرات الأجهزة الأمنية، يهدف إلى تبرير امتناع قيادة العدو عن اتخاذ قرار بتصعيد واسع مقابل القطاع، وبنسبة معيّنة في مقابل أعدائها، إذ تحاول تلك الأجهزة الإيحاء بأن من غير المنطقي الانقياد لخلل فني أو أجواء الطقس، والذهاب إلى تصعيد واسع يجري خلاله قصف العمق الإسرائيلي في عملية ردّ وردّ متبادل، من دون أن تؤدّي إلى تغيير جذري في المعادلة.
هكذا، تحاول إسرائيل، من خلال الامتناع عن الردّ الواسع الذي يستتبع أثماناً باهظة، تعزيز صورة ردعها، والبعث بأكثر من رسالة في أكثر من اتجاه. وهي إذ تُسلّم بمحدودية خياراتها وكلفتها، وتُقرّ بقدرة المقاومة على الصمود وإيلام أمنها وجنودها ومستوطنيها، تسعى، وهذا هو الأهمّ، إلى عدم الانشغال بأيّ جبهة أخرى، تتعارض مع أولوياتها المتركّزة على مواجهة تهديد الجبهة الشمالية، فضلاً عن تخفيف وقع الصورة التي بدت فيها ردودها غير متناسبة مع ما تُقدّمه عن نفسها، وتحديداً في ما يتّصل بخطابها الردعي الذي يتوعّد بجبي أثمان مؤلمة.
وعلى وقع صواريخ المقاومة، تناول رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، خلال جلسة الحكومة، الحادثة، فتحدّث عن مهاجمة جيش الاحتلال أهدافاً لـ»حماس» في غزة، مُتوجّهاً إلى فصائل المقاومة بالقول: «لا تختبرونا حتى في ظلّ أزمة كورونا»، في إشارة إلى أن تداعيات انتشار الوباء لن تؤدي دوراً كابحاً عن المبادرة والردّ القاسي، ومحاولة لتبديد الرهان على هذا العامل من زاوية كونه يشكّل ربما عاملاً محفّزاً لفصائل المقاومة. مع ذلك، يمكن التقدير أن النفي في هذا السياق يؤدي دور الإثبات، على الأقلّ بوصفه جزءاً من منظومة الاعتبارات المؤثرة التي ستحضر بالتأكيد على طاولة القرار، بغضّ النظر عن الاتجاه الذي ستسلكه التطورات. وبهدف تعزيز صورة الردع، لجأ نتنياهو إلى التهويل بالقول: «أنا لا أفصح أبداً عن خططنا العملياتية، ولكنني أقول لهم: ثمن استمرار الاعتداءات سيكون باهظاً جداً»، في اشارة إلى أن ما يقلق إسرائيل هو استمرار هذا النوع من الضربات. في الاتجاه نفسه، يأتي ما أورده رئيس الحكومة البديل، ووزير الأمن بني غانتس، من أن إسرائيل تعمل «في اتجاهات عديدة، عسكرية وأخرى، من أجل تحقيق هدوء طويل الأمد»، في ما يشي بعزم تل أبيب على تجنّب التصعيد ردّاً على الصواريخ، ومساعيها للتوصّل إلى ترتيب طويل الأمد مع القطاع. لكن ذلك ظلّ مقروناً برسالة تهديد مفادها: «إذا لم تنجح حماس في امتحان الهدوء، فستكون النتائج قاسية على قيادتها أولاً وعلى سكان قطاع غزة».
تحاول إسرائيل، من خلال الامتناع عن الردّ الواسع الذي يستتبع أثماناً باهظة، تعزيز صورة الردع لديها
تأتي هذه المواقف على وقع نشر تقارير إسرائيلية عن أن التقدير في المؤسسة الأمنية هو أن إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، ليلة أمس، كان نتيجة إصابة صاعقة لمنصّة إطلاق مُجهّزة وموجّهة. وبحسب ذلك التقدير، فإن حركة «حماس» لم تُغيّر استراتيجيتها القائمة على منع التدهور إلى أزمة إنسانية في القطاع، في مقابل استمرار الهدوء على الحدود مع إسرائيل، لكن «الخشية» هي من أن تبادر فصائل أخرى إلى استهداف العمق الإسرائيلي بالصواريخ. مع ذلك، تحاول تل أبيب، من خلال التصويب على «حماس»، تثبيت معادلة مفادها أن ثمّة أثماناً ستُجبى من الحركة مقابل أيّ عملية إطلاق صاروخي، حتى لو لم تكن لها علاقة بها. واستناداً إلى ما تَقدّم، قال وزير الاستخبارات، إيلي كوهين: «من ناحيتنا، المسؤول عن إطلاق النار هو حماس». وبهدف محاولة إنتاج ردع عبر تركيز الاستهداف على المسؤول عن إطلاق الصواريخ، تابع كوهين أن «من أعطى أوامر إطلاق النار سيدفع حياته الثمن».
يُشار إلى أن إسرائيل سبق أن رفعت حالة التأهّب العسكري والمدني، استعداداً لاحتمال حدوث تصعيد أمني في الذكرى السنوية الأولى لاغتيال القيادي العسكري في حركة «الجهاد الإسلامي»، بهاء أبو العطا، والتي صادفت الخميس الماضي. وفي هذا السياق، نَصَب جيش العدو بطّاريات «القبة الحديدية» في مقابل القطاع، إثر تقديرات باحتمال إطلاق ناشطي «الجهاد» قذائف صاروخية.
المصدر: الأخبار