سلوى بعلبكي – النهار
ليس بعيدا، كان المغتربون يتهربون من ارسال اموالهم الى ذويهم عبر شركات تحويل الأموال، أما اليوم فيتهافت هؤلاء على تحويل الدولارات الى عائلاتهم عبر هذه الشركات بسبب العائد المرتفع لسعر “منصة صيرفة” مقارنة مع سعر السوق السوداء. وبما أن مصرف لبنان يستحوذ على تحويلات هذه الشركات ويقايض ويستبدلها بالليرة اللبنانية فهي فرصة ثمينة لـ”المركزي” لإعادة تكوين احتياط بالعملة الصعبة يعيد تدويره عبر التعميم 161 فيصيب عصفورين بحجر واحد. الاول يستحوذ على الدولارات الوافدة فيبتعد عن استعمال الاحتياطي الالزامي للمصارف، والثاني يستمر بخفض التضخم عبر شفط الليرة اللبنانية من الأسواق من خلال منح المودعين دولارات وفق مندرجات التعميم 161. وفي كلا الحالين الربح الاكبر يتأتى من الضغط المعاكس الذي تشكله هذه العملية على سعر صرف الدولار الاميركي، فيستمر بالانكفاء نزولا الى حدود يقررها مصرف لبنان من خلال “منصة صيرفة” التي بات سعر الدولار الاميركي المعتمد عبرها مقياسا لسعر الدولار الاميركي في السوق الموازية. وإذا كان هذا الانفراج النقدي وانعكاسه الايجابي على المواطنين لا يزال في بداياته، فإن السؤال هل هو “مورفين” موضعي وظرفي لتمرير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وتقطيع الوقت الى ما بعد الانتخابات النيابية التي ستجرى بعد 5 أشهر حيث تأكد أن لا مساعدات دولية قبل هذا التاريخ والى متى يمكن لمصرف لبنان الاستمرار بالامساك بعنق سعر صرف الدولار الاميركي عبر “صيرفة”؟ وتوازيا هل ستعتمد منصة صيرفة كآلية ثابتة لبيع وشراء العملة وتوحيد الاسعار عبرها بديلا عن سوق القطع؟. كل ما سبق قد تكون كلفته على موجودات مصرف لبنان مرتفعة نسبيا، لكنها تبقى أقل بمئات المرات من كلفة الدعم “السيء الذكر” الذي أحرق المليارات من الدولارات دون أي فائدة، اللهم إلا انتفاخ جيوب تجار وسياسيين ومهربين وقد تساعد هذه الخطوة على تثبيت الاستقرار الاجتماعي ولو قليلا في مرحلة يترقب اللبنانيون موجة جديدة من غلاء الاسعار وارتفاع كلفة الخدمات وزيادة تعرفة الكهرباء كما بشرتنا الموازنة العتيدة.
ولكن الاستاذ الجامعي المتخصص في الشؤون المالية الدكتور مروان القطب يرى في الاجراءات التي يعتمدها مصرف لبنان هي اجراءات مصطنعة لا تستند الى العوامل الاقتصادية الطبيعية “لأنه اذا تركنا الاقتصاد يتفاعل بصورة طبيعية، فإن الطلب على الدولار سيكون حتما أكثر من العرض. وما حدث أن مصرف لبنان استخدم دولارات متوافرة لديه وضخها في السوق بما أدى الى حالة معاكسة، ولكن في المحصلة سيؤدي هذا الامر الى استنفاد ما لديه من الاحتياطات بالعملة الاجنبية الموجودة لديه، وكلما طال الوقت فإن ذلك يعني المزيد من استنفاد هذه الاحتياطات”، لافتا الى ان “ما يقوم به مصرف لبنان عن طريق ضخ كميات كبيرة من الدولار الاميركي، يهدف الى ضرب المضاربين والحد من الارتفاع في قيمة الدولار الاميركي”.
الا ان السوق الموازية سوق بلا ضوابط، وتتداخل فيه عوامل كثيرة، واهداف الفاعلين فيه متنوعة منها السياسي والتجاري، لذا يرى قطب أنه قد “يكون استعمال البنك المركزي لاحتياطياته حرقا لها، قد يحقق نتائج محدودة الا انها موقتة، لان البنك المركزي يتعاطى مع آثار الازمة ولا يتعاطى مع اسبابها، والاجدى الادارة الرشيدة لاحتياطياته من العملة الاجنبية، وان تستعمل لتأمين حاجات الاقتصاد الاساسية”.
اما عن مصدر الدولارات التي يضخها مصرف لبنان، فيشير قطب الى أن ثمة مليار و100 مليون دولار العائدة لحقوق السحب الخاصة مودعة لديه، يسأل “هل يستخدم مصرف لبنان هذه الاموال لزوم تطبيق التعميم 161؟. إذا كان هذا الامر صحيح، فإنه وفق ما يقول “يخالف القانون على اعتبار أنه قرار عائد للحكومة اللبنانية مجتمعة”. وفيما يشاع أن ثمة اتفاق بين الحكومة و”المركزي” لتخفيض سعر الصرف، يؤكد قطب أنه وفق النظام القانوني المالي أن الاتفاقات الشفهية بين رئيس حكومة وحاكم المركزي لا قيمة لها، فالسلطة الاجرائية منوطة بمجلس الوزراء وليست منوطة برئيس الحكومة بمفرده.
ولكن ما العوامل التي ادت الى ارتفاع سعر صرف الدولار وبلوغه مستويات وصلت الى 33 ألف ليرة؟ يوضح قطب بان “ما يفسر ارتفاع سعر صرف الدولار أخيرا عوامل اهمها عدة: وجود مضاربة على العملة من اجل تحقيق اهداف سياسية، تحول السوق الموازي الى سوق مضاربات تجارية من اجل تحقيق ارباح من قبل الفاعلين فيه، شراء جهات لديها امكانات مادية كبيرة للدولار الاميركي، اما تحوطا لاستحقاقات قادمة او تهريبا للعملة الاجنبية الى خارج البلاد”.
ولكن الى متى يمكن لمصرف لبنان أن يستمر بسياسة تخفيض سعر الدولار؟ يوضح قطب أنه “لا يمكن الاستنتاج الى متى سيستمر مصرف لبنان بهذا الاجراء على اعتبار أنه مرتبط بعوامل متعددة، ولكن يمكن التأكيد انه لا يمكن ان يستمر لفترة طويلة انما لفترة مرحلية، وتاليا فإنه وبعد استنفاد الدولارات الموجودة لديه سيعود الاقتصاد الى طلب الدولار وحينها لن يبستطيع مصرف لبنان التحكم بالسوق، على نحو يمكن أن يصل سعر الصرف الى مستويات خطرة جدا”.
فما الحل إذا؟ يقول قطب “المطلوب حاليا تعزيز العوامل الاقتصادية الطبيعية عبر معالجة الاشكاليات الموجودة والتي يمكن أن توفر لنا سيولة بالدولار، ومن اهمها تعزيز الصادرات اللبنانية، ومعالجة المشاكل القائمة مع الدول العربية، ومحاولة تعجيل التفاوض مع صندوق النقد، ومعالجة مشكلة الكهرباء التي لا تزال تستنفد المالية العامة.
ونبه قطب الى أن “ثمة محاولة لاستدراج المواطنين لإخراج الدولارات من منازلهم بدليل الشائعات التي يتم بثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأن الدولار سينخفض الى حدود الـ 12 ألف ليرة، وهذا الامر يمكن ان يخفض سعر صرف الدولار بسرعة أكبر الا ان هذا الانخفاض لن يطول وسيعاود سعر الصرف بالارتفاع ويكون المواطنون قد خسروا مبالغ ادخروها لمواجهة ازمات مستقبلية”.
الى ذلك، لا تستغرب مصادر اقتصادية الانخفاض المتواصل لسعر صرف الدولار على خلفية الاستمرار في تطبيق مصرف لبنان للتعميم 161 والذي بموجبه يمتص السيولة من الاسواق من خلال شراء الليرة وضخ الدولار. وهذا الاجراء يوحي برأي المصادر عينها أن ثمة اتفاقا بين الحكومة والمصرف المركزي لخفض سعر الصرف الى حين البت بالموازنة بغية تعبيد الطريق أمام الموازنة وخفض الانتقادات من مجلس النواب أو صندوق النقد لكي لا يقال ان سعر الصرف الذي استخدم في الموازنة هو سعر صرف خاطىء. من هنا يفهم أن ثمة قرار بخفض سعر الصرف في السوق ليصبح بين الـ 15 ألف ليرة والـ 20 ألف ليرة وهو السعر الذي استندت اليه ارقام الموازنة للتأكيد أنها اصلاحية بمعنى أنها استندت على سعر السوق الحقيقي. وإذ قدرت المصادر قيمة الدولارات التي ضخها مصرف لبنان في السوق بنحو 400 مليون دولار على مدى الـ 15 يوما، سألت الى اي مدى يمكن للمصرف المركزي ضخ الدولار في السوق، وما تداعيات العجز في الموازنة الذي يقدر بنحو 13 تريليون ليرة اذا ما احتسبت معها سلفة الكهرباء؟. مشيرة الى أن ثمة عوامل حقيقة تضغط على الدولار التي تحتم صعوده لاحقا ومنها عجز الموازنة التي لا يمكن تمويلها عبر الاستدانة من الاسواق المالية بل عبر التضخم وزيادة الكتلة النقدية بالليرة على نحو سيؤدي الى مزيد من ارتفاع سعر الصرف”.