كتبت “الجمهورية” تقول: يفترض أن يقر مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة العامة للسنة الجارية الاسبوع المقبل، ويحيلها الى المجلس النيابي، لينصبّ الاهتمام الحكومي على التفاوض مع صندوق النقد الدولي وما ينبغي تنفيذه من اصلاحات ملحوظة في الموازنة وخارجها، في الوقت الذي ستنصَب الاهتمامات بالانتخابات النيابية على وقع الحملات الانتخابية ونسج التحالفات في ظل الاصرار المعلن داخليا وخارجيا على إنجاز هذا الاستحقاق الدستوري في موعده وإحداث التغيير الذي من شأنه ان ينقل البلاد المنهارة سياسياً واقتصادياً ومالياً ومعيشياً الى آفاق الانفراجات والحلول.
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» ان الموازنة التي أقرّت «هي موازنة واقعية عقلانية توازي بين مسألتين: تأمين الايرادات من جهة وتقديم مساعدات اجتماعية للعاملين في الادارة العامة ضماناً لإمكانية استمرار المرافق العامة لتأدية دورها في الحد الممكن». واضافت هذه المصادر: «الاهم ان مجلس الوزراء انتهز فرصة درس مشروع الموازنة لإعادة النظر في بعض الرسوم المفروضة على كاهل المواطنين من الطبقتين الفقيرة والوسطى، فقد تم الغاء الرسوم عن المواد الاساسية والغذائية والادوية لأول مرة في تاريخ السياسة الضريبية وحتى عن الضروريات مثل البن والشاي، والانجاز الأهم الى حينه هو إجهاض محاولة استجرار سلفة كهرباء على غرار ما كان يجري في السابق فلعلها المرة الاولى التي تقر فيها موازنة من دون اعطاء سلفة للكهرباء وهذه تسجل للحكومة، فقد تم قطع الطريق على استمرار النزف في المالية العامة». ورأت المصادر «ان هذه النقاط هي ايجابية ولو كانت محدودة لكن لا شك ان الدول والحكومات في الظروف الاستثنائية تعمل على الخروج من الازمة وليس على طريقة الصمود، وهذا ما تفتقد له الموازنة التي غابت عنها الرؤية الاصلاحية لخلق الدينامية الانتاجية التي تسمح للاقتصاد ان ينهض من الدرك».
واضافت المصادر نفسها: «نحن سجلنا النقاط الايحابية، لكن هناك نقاطا سلبية لا يمكن التغاضي عنها فـ «الشغل حصل بالمقلوب» لأنه كان يجب ان نناقش خطة التعافي التي تحتاج الى اموال فكيف نعدّ موازنة قبل خطة التعافي والتعافي يتضمن رؤية شاملة للكهرباء والاتصالات والزراعة والصناعة ولاحقاً البنى التحتية والسياحة وغيرها من القطاعات وهذا كله مكلف، وما فعلناه الآن اننا أقرّينا موازنة «مكربجة» عبارة عن حسابات ولا ملامح لرؤية اقتصادية فيها تهدف الى انتشال البلد مما هو غارق فيه».
وعلمت «الجمهورية» ان الموازنة ستمر بسلاسة في جلسة مجلس الوزراء في القصر الجمهوري الخميس المقبل من دون ادخال تعديلات جوهرية عليها، إلا اذا اعاد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفريقه طرح سلفة الكهرباء للنقاش». واشارت الى ان لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري توجّهاً الى الاسراع في درسها في لجنة المال والموازنة واحالتها الى الامانة العامة لمجلس النواب حيث سيحدد بري جلسة للهيئة العامة على الفور لمناقشتها واقرارها.
عون وميقاتي
وكان عون قد توافق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال اتصال هاتفي طويل بينهما امس على جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل لدرس مسودة الموازنة في صيغتها النهائية وبت البنود العالقة، على أن يضع فريق عمل وزارة المال اللمسات الأخيرة على المشروع إستنادا الى المناقشات التي حصلت خلال الجلسات الماراتونية لمجلس الوزراء في السرايا الحكومية.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» ان ميقاتي طلب من رئيس الجمهورية إمهاله ما يكفي من الوقت لنقل مشروع الموازنة الى الجلسة الختامية في القصر الجمهوري، كذلك تناول بعض التفاصيل المتعلقة بالمشروع حسبما تم التوصل إليه. وأبلغ ميقاتي الى عون ان الحكومة استكملت البحث في مشروع القانون شارحاً العناوين الاساسية التي أنجزت، ولافتاً الى الحاجة لبعض الوقت بغية ترجمة مجموعة القرارات التي اتخذت خلال المناقشات الطويلة على الورق وخصوصا تلك المتصلة بالأرقام النهائية المتوقعة للإيرادات المطلوبة ونفقات التقديمات الاجتماعية.
وقالت المصادر ان مجموعة من الاجتماعات ستبدأ من اليوم في وزارة المال لترجمة القرارات الخاصة بأرقام الرسوم الجمركية الجديدة والضرائب التي تم البت بها في الاجتماعات الاخيرة التي خصصت للرسم الجمركي وطريقة احتسابه وعلى أساس السعر المعتمد على منصة صيرفة للدولار. وسيشارك في هذه الاجتماعات، الى وزير المال، وزراء الاقتصاد والصناعة والاقتصاد والطاقة والصحة العامة والمؤسسات المعنية بذلك، كالمديرية العامة للجمارك والمؤسسات المالية والإدارية المعنية بالتصنيف الجديد الذي سيعتمد للتحديد بين المواد المستوردة التي تُعفى من الرسوم الجمركية كالمأكولات والمستلزمات الطبية والأدوية وتلك التي تتصل بالحاجات اليومية للعائلات اللبنانية وبين تلك الخاصة بالمواد الاولية للصناعات المحلية لإخراجها من اللوائح السابقة التي كانت فيها الضرائب والرسوم الجمركية شاملة باستثناء المحروقات التي ستبقى كما كانت في السابق بلا اي تعديل.
وكان عون قد تَتبّع مراحل التقدم في درس بنود الموازنة لا سيما منها البنود العالقة ومنها سلفة الكهرباء، والمساهمة الاجتماعية للموظفين المنصوص عنها في المادة 135، وكذلك قيمة سعر الصرف وآلية تحديد السعر الذي سيعتمد في المستوردات. وشدد على ضرورة مساعدة الموظفين والقوى العسكرية والأمنية والأسلاك الوظيفية بهدف زيادة إنتاجية موظفي الدولة خصوصا في هذه الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد. كذلك شدد على ضرورة استثناء الموارد المستوردة مثل المواد الغذائية الأساسية والأدوية والمستلزمات الصحية من أي ضرائب او رسوم، إضافة الى ضرورة وضع خطة الكهرباء موضع التنفيذ.
الانتخابات
من جهة ثانية، وفيما ترتفع وتيرة الاستعدادات لخوض الانتخابات فإنّ الاتصالات والمشاورات العلنية والبعيدة عن الاضواء ناشطة بين المعنيين وفي مختلف الاتجاهات تحضيراً لإقامة التحالفات التي تفرضها المصالح الانتخابية وهي تحالفات ليست بالضرورة ان تكون سياسية.
بين عون وبري
وأبلغت اوساط مطلعة الى «الجمهورية» ان هناك مؤشرات توحي أن «حزب الله» قد يكون نجح في تبريد الخلاف الحاد بين بري من جهة وعون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل من جهة ثانية، معتبرة ان الايام المقبلة ستبيّن ما اذا كانت هناك تهدئة حقيقية ام هشّة بين الجانبين.
ولفتت هذه الاوساط الى «ان هناك في الداخل والخارج من يستعد لخوض الانتخابات النيابية المقبلة عبر ضخ التمويل ورعاية التطرف السياسي في مواجهة الحزب والتيار، على قاعدة امّا ان نربح الانتخابات او فليحترق الأخضر واليابس».
ورجّحت الاوساط ان مواجهة هذا التحدي تدفع «حزب الله» إلى السعي بكل طاقته في اتجاه ترتيب الأمور بين حليفيه الاساسيين وتضييق رقعة الهوة بينهما لتحسين شروط المعركة الانتخابية، مع ما يتطلبه ذلك من ترفّع عن بعض الحسابات الجانبية.
لا تأجيل للانتخابات
في غضون ذلك قال بري لمجلس نقابة الصحافة برئاسة عوني الكعكي أمس: «لن أقبل بتأجيل الانتخابات ولا لدقيقة واحدة»، مستغرباً «ان يتهم الثنائي الوطني (حركة «أمل» و«حزب الله») بالعمل لتأجيل الانتخابات»، متسائلاً: «كيف يتهم الثنائي بالتعطيل او التأجيل وهم يجزمون انه من الصعب اختراق الثنائي ولو بمقعد واحد؟». وأضاف: «إن الانتخابات مفصل اساسي، وعلى اللبنانيين ان يختاروا إما ان تكون الانتخابات معركة الضحايا على الضحايا او معركة استعادة لبنان واستعادة لبنان تعني استعادة العرب. ان الانتخابات النيابية يجب ان تكون فتحاً جديداً نحو لبنان جديد».
وعن استحقاق الانتخابات الرئاسية اكد بري «انّ فخامة الرئيس اعلن اكثر من مرةٍ عن عدم رغبته البقاء في القصر الجمهوري بعد انتهاء الولاية ليوم واحد». وعن رؤيته لمواصفات رئيس الجمهورية قال: «انا مع الرئيس الذي يجمع اللبنانيين».
وتحدث بري عن الموازنة فقال ان «ما تقوم به الحكومة هو جيد جداً لجهة متابعة النقاش في جلسات متتالية والامر ليس سهلاً، لكن من غير الجائز في الظروف الراهنة فرض ضرائب ورسوم على الناس كل الناس، خصوصاً على الطبقات الفقيرة والمتوسطة علماً انه لم يبق هناك طبقة متوسطة».
وحول طلب سلفة خزينة لمؤسسة كهرباء لبنان، قال: «انها «حزورة» 40 أو 50 مليار دولار عجز بسبب الكهرباء ولا كهرباء ولا مشاريع اصلاحية لماذا عدم المبادرة وعدم الاسراع بالقبول بالعروض المقدمة لبناء معامل انتاج الطاقة ؟ هذا السؤال برسم الحكومة: لماذا لم تتشكل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء؟ وهذا مطلب ليس لبنانياً فحسب انما ايضاً مطلب البنك الدولي». وكرر التأكيد ان «لا كابيتال كنترول لمصلحة المصارف ما لم يكن هناك قانون يحفظ اموال المودعين حتى آخر قرش، ولا يمكن ان اقبل بتحميل اي خسائر للمودعين».
وعن ترسيم الحدود البحرية كشف بري أن «الموفد الاميركي آموس هوكشتاين سيكون في لبنان خلال اسبوع ومن المفترض ان يُستأنف التفاوض وان يصار الى الإلتزام بإتفاق الإطار». ودعا فرنسا وشركة «توتال» والشركات التي رسى عليه إلتزام أعمال الحفر والتنقيب الى «ان تباشر عملها فلا ذريعة للتنصل من ذلك، خصوصا انّ المنطقة التي يجب ان يبدأ العمل فيها غير متنازع عليها وعلى الشركات التحرر من اي ضغوط تمارس عليها».
هوكشتاين في بيروت
الى ذلك، وبعدما تعددت المواعيد المتوقعة لوصول هوكشتاين الى لبنان، تبلغت المراجع المعنية في القصر الجمهوري عبر السفارة الاميركية انه سيزور لبنان الأسبوع المقبل. وعلمت «الجمهورية» أن هذه المعلومات الاولية هدفت الى اطلاع لبنان والمعنيين تحديداً بغية تحضير الأجواء في لبنان استعدادا لاستقبال هوكشتاين الذي سيبدأ جولته الجديدة في المنطقة من تل ابيب قبل زيارته بيروت، وسيُطلِع المسؤولين اللبنانيين على تفاصيل تحركاته الدقيقة في الأيام المقبلة بحسب سير وقائعها من واشنطن إلى تل ابيب فبيروت.
ولفتت المراجع الى أن الاتصالات بين المعنيين بدأت لتوحيد الموقف من اي طرح يمكن أن ينقله هوكشتاين، علما انه لم يطلع الجانب اللبناني على اي جديد منذ ان غادر بيروت في ختام زيارته الاخيرة لها ما بين التاسع عشر من تشرين الاول الماضي والـ 21 منه من دون ان يعود اليها بما انتهت اليه زيارته الاخيرة لإسرائيل والطروحات الجديدة التي يمكن أن يتقدم بها على رغم من مجموعة المواعيد التي حُددت وأُلغي بعضها بسبب جائحة كورونا والتعميم على المسؤولين الاميركيين الكبار بتجميد زياراتهم الخارجية.
الخزانة الاميركية
من جهة ثانية أعلنت مساعدة وزير الخزانة الأميركية لشؤون تمويل الإرهاب والجرائم المالية اليزابيت روزنبرغ أن «حزب الله» لا يزال يقوم بتمرير عشرات الملايين من الدولارات إلى وكلائه، ليس فقط من خلال استخدام ناقلي النقود، ولكن من خلال المعاملات المصرفية وعمليات صرف العملات».
وأعطت روزنبرغ مثالاً لما يمكن أن يفعله الفساد وسَمّت لبنان، مشيرة الى مجموعة اسباب «ادت الى ان يعاني واحدة من أسوأ ثلاث أزمات مصرفية منذ العام 1857»، مشيرة إلى أنه «لسنوات عدة، اتخذت الحكومات اللبنانية المتعاقبة قرارات اقتصادية لا تستند إلى الإصلاحات المطلوبة، بل على شبكات المحسوبية و»صفقات في الخفاء» بين الأحزاب السياسية، بما في ذلك «حزب الله». وأكدت التزام ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن «العمل لكشف وتعطيل التدفقات المالية العابرة للحدود التي تقوم بغسل عائدات الفساد».
كورونا
صحياً، سجل التقرير اليومي لوزارة الصحة العامّة حول مستجدات فيروس كورونا أمس 9446 إصابة جديدة (9300 محلية و146 وافدة) ليرتفع العدد الإجمالي للإصابات منذ تفشي الوباء في شباط 2020 الى 948728. كذلك سجل التقرير 19 حالة وفاة جديدة ليصبح العدد الإجمالي للوفيات 9657.