ما كاد رئيس الحكومة يُنهي كلامه من قصر بعبدا و”تربيح الناس جميلة” بالخدمات البالية التي يحصلون عليها من جيوبهم وجنى أعمارهم المنهوب من المصارف بعدما موّلت به السلطة صفقاتها وسرقاتها وسمسراتها وتركتهم معدمين بلا مال ولا ماء ولا كهرباء ولا اتصالات ولا خدمات، حتى استفزت المواطنين مقولته النافرة “ما بقى فينا نقدم خدمات ببلاش وبدنا نتحمل بعض”… فارتدت “الموازنة” عكسياً على “خطة الحكومة” بعد تسريب مضمونها وافتضاح النوايا المبيتة بفرض المزيد من الرسوم هرباً من الإصلاح ووقف الهدر في ميزانية الدولة، علماً أنّ مصادر واسعة الإطلاع كشفت لـ”نداء الوطن” أنّ “الرئيس نجيب ميقاتي أبدى استياءً بالغاً جراء تسريب الخطة إلى درجة دفعته للاتصال بالمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، طالباً إجراء تحقيق أمني بالموضوع لكشف الجهات المسؤولة عن التسريب، فأوضح له ابراهيم تعذّر تدخل الأمن العام بقضية من هذا النوع لا سيما وأنها ليست ذات طابع أمني”.
ولزيادة “الطين الحكومي بلة”، فاقمت التعيينات العسكرية التي أقرها مجلس الوزراء في جلسة قصر بعبدا حالة التأزم والتوتر بين أركان الحكم والحكومة، فانتهت الجلسة “على زعل وزغل” بين رئيسي الجمهورية والحكومة من جهة، والثنائي الشيعي من جهة أخرى، الأمر الذي أثار حفيظة رئيس مجلس النواب نبيه بري فسارع إلى التصدي لـ”ديو بعبدا” عبر حظر توقيع وزير المالية على المراسيم باعتبار ما جرى كناية عن “فخّ نصبه الرئيس ميشال عون، وميقاتي تواطأ معه فيه”.
ونقلت مصادر الثنائي لـ”نداء الوطن” أنّ استياء بري من ميقاتي أكبر من استيائه من عون لأنّ “الأخير معلوم أنه يتحيّن أي فرصة متاحة تستهدف “عين التينة”، أما رئيس الحكومة فليس معلوماً ما هي مصلحته في الخوض في هكذا مغامرات غير محسوبة العواقب الحكومية”، ورأت أنّ “الأخطر في المسألة هو أنّ الضابطين اللذين جرى تعيينهما (العميد بيار صعب والعميد محمد المصطفى) هما من دورة العام 94 التي حصلت الإشكالية الشهيرة بشأنها بين رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي ورفض وزير المال حينها التوقيع على مرسوم ترقية ضباطها، ولذلك فإنّ تعيينهما وترقيتهما إلى رتبة لواء أراد من خلاله عون تحدي برّي ظناً بأنّ توقيع وزير المال على مرسوم تعيينهما سيضطره إلى توقيع ترقية سائر رفاقهما من ضباط الدورة نفسها، وهنا مكمن الفخ، بالإضافة إلى مسألة تهميش المنصب الشيعي في التعيينات العسكرية عبر استثناء تعيين نائب جديد لمدير عام أمن الدولة بعد شغور الموقع إثر بلوغ العميد سمير سنان سنّ التقاعد”، إذ اعتبرت المصادر أنّ “تهريب التعيينات بالشكل الذي حصل في جلسة بعبدا من دون التوافق على إدراج تعيين نائب مدير أمن الدولة، إنما كان أمراً مقصوداً لاستفزاز الثنائي الشيعي واستدراج رئيس مجلس النواب إلى المطالبة بملء المنصب والمقايضة عليه في مسألة توقيع المراسيم العالقة في وزارة المالية”.
لكنّ مصادر الثنائي التي أكدت أنّ “سرعة تنبّه برّي إلى الفخّ دفعته إلى الطلب من وزير المال تجميد مراسيم ترقية وتعيين الضابطين”، شددت في الوقت نفسه على أنّ “هذه القضية أثارت استياءً كبيراً لدى الثنائي الشيعي ورغم ذلك سيحرص وزراؤهما على المشاركة في جلسة مجلس الوزراء المقبلة… لكن لا شيء يضمن ألا تكون أجواؤها مكهربة”!
في المقابل، وبعد استشعاره مستوى الاستياء “الشيعي” العارم حيال الموضوع، أوضح ميقاتي عبر مكتبه الإعلامي مساءً أنّ إقرار التعيينات يندرج ضمن إطار “صلاحياته الحصرية” في وضع جدول أعمال مجلس الوزراء وإطلاع رئيس الجمهورية عليه “على أن يكون لفخامته حق طرح اي بند من خارج جدول الأعمال”، مؤكداً رداً على بعض التقارير الإعلامية أنه “لم يعقد أي اتفاق جانبي لقاء عودة الوزراء المعتكفين في حينه الى المشاركة في جلسات مجلس الوزراء، ولا يقبل ان يحدد له أحد جدول اعمال مجلس الوزراء أو أن يتدخل في صلاحياته الدستورية أو يحددها”.
وفي الغضون، لفت الانتباه في معرض إعلان صندوق النقد الدولي أمس انتهاء مهمة بعثته الافتراضية مع الحكومة اللبنانية، تشديده بالتوازي مع الإعلان عن “إحراز تقدم في الاتفاق على مجالات الإصلاح الضرورية” على وجوب بذل المزيد من الجهود والعمل “لترجمة الإصلاحات إلى سياسات ملموسة”، مع الإشارة إلى ضرورة أن يتضمن البرنامج الاقتصادي اللبناني “إجراءات مستهدفة ومحددة زمنياً عبر الركائز الخمس التالية: الإصلاحات المالية التي تضمن القدرة على تحمل الديون، ومساحة الاستثمار في الإنفاق الاجتماعي وجهود إعادة الإعمار، وإعادة هيكلة القطاع المالي لتقوية الثقة ودعم الانتعاش، وإصلاح المؤسسات المملوكة للدولة، وخاصة قطاع الطاقة لتقديم خدمات أفضل دون استنزاف الموارد العامة، وتعزيز أطر الحوكمة ومكافحة الفساد ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لتعزيز الشفافية والمساءلة، ووضع نظام نقدي وسعر صرف موثوق”. كما أكد البيان على “الحاجة إلى اتخاذ إجراءات حاسمة من قبل السلطات لمعالجة مشكلة الفساد العميقة الجذور وتعزيز الشفافية، بما في ذلك تسريع إطلاق لجنة المشتريات ورفع قانون السرية المصرفية أو تعديله بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية”.
تزامناً، تصدّر ملف الانتخابات النيابية قائمة اهتمامات وأولويات الاجتماع الذي عقدته أمس “مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان”، والذي خصصته بشكل رئيسي “لمراجعة الاستعدادات للانتخابات النيابية المقبلة”، مشددةً في ختامه على ضرورة ضمان “إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وشاملة في موعدها المحدد في 15 أيار 2022″، وحثت في هذا الإطار السلطات اللبنانية على “الإسراع بالأعمال التحضيرية احتراماً للإطار القانوني النافذ والمهل الدستورية ذات الصلة”، كما دعت إلى “سرعة توفير كافة الموارد اللازمة وتكثيف الاستعدادات الفنية والإدارية لضمان سير العملية الانتخابية على نحو سليم وفي موعدها المحدد، داخل لبنان وفي الخارج، وتمكين وزارة الداخلية والبلديات ولجنة الإشراف على الانتخابات من تأدية وظائفها بالكامل وضمان تنظيم إجراءات تصويت المغتربين في الوقت المناسب”.
نداء الوطن